• بَيْتُ المَقْدِسِ: رِحْلَةُ ابنِ بطُّوطةَ
سافَرْتُ إلى القُدْسِ، فَزُرْتُ في طريقي إليهِ تُرْبَةَ يُونُسَ -عَلَيْهِ السَّلام-، وعَلَيْها أبنِيَةٌ كبيرَةٌ ومَسْجِدٌ، وزُرْتُ أيضًا بَيْتَ لَحْمٍ مَوْضِعَ ميلادِ عيسى -عَلَيْهِ السَّلام-، وبِهِ أَثَرُ جِذْعِ النَّخْلَةِ، وعَلَيْهِ عمارةٌ كثيرَةٌ، والنَّصارى يُعَظِّمونَهُ أَشَدَّ التَّعظيمِ ويُضَيِّقونَ مَنْ نَزَلَ بِهِ.
ثُمَّ وَصَلْنا إلى بَيْتِ المَقْدِسِ - شَرَّفَهُ اللهُ-، ثالِثِ المَسْجِدَيْنِ الشَّريفَيْنِ في رُتْبَةِ الفَضْلِ، ومَصْعَدِ رَسولِ اللهِ _صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ_، ومَعْرَجِهِ إلى السَّماءِ، والبَلْدَةُ كبيرَةٌ مُنيفَةٌ مبنيَّةٌ بِالصَّخْرِ المنحوتِ، وكانَ المَلِكُ الصّالِحُ الفاضِلُ صلاحُ الدّينِ بنُ أيّوبَ - جزاهُ اللّهُ عَنِ الإسلامِ خَيْرًا – لَمّا فَتَحَ هذهِ المدينَةَ هَدَمَ بَعْضَ سورِها، ثُمَّ اسْتَنْقَضَ المَلِكُ الظّاهِرُ هَدَمَهُ؛ خَوْفًا أنْ يَقْصِدَها الرّومُ فَيَتَمَنَّعوا بِها، ولَمْ يَكُنْ بِهذِهِ المدينَةِ نَهْرٌ فيما تَقَدَّمَ، وجَلَبَ لَها الماءَ في هذا العَهْدِ الأميرُ سَيْفُ الدّينِ تنكيز أميرُ دِمَشْقَ.
• ذِكْرُ المَسْجِدِ المُقَدَّسِ
وهُوَ مِنَ المساجِدِ العجيبَةِ الرّائِقَةِ الفائِقَةِ الحُسْنِ، يُقالُ: إنَّهُ لَيْسَ على وَجْهِ الأرضِ مَسْجِدٌ أكبَرُ مِنْهُ، وإنَّ طولَهُ مِنْ شَرْقٍ إلى غَرْبٍ سَبْعُمِئَةٍ واثنَتانِ وخمسونَ ذِراعًا بِالذِّراعِ المالِكيَّةِ، وعَرْضَهُ مِنَ القِبْلَةِ إلى الجَوْفِ أربعُمِئَةِ ذِراعٍ وخَمْسٌ وثلاثونَ ذِراعًا، ولَهُ أبوابٌ كثيرَةٌ في جهاتِهِ الثَّلاثِ، وأمّا الجِهَةُ القَبْليَّةُ مِنْهُ فلا أعْلَمُ بِها إلّا بابًا واحِدًا وهُوَ الَّذي يَدْخُلُ مِنْهُ الإمامُ، والمَسْجِدُ كُلُّهُ فَضاءٌ غَيْرُ مَسقوفٍ إلّا المَسْجِدَ الأقصى، فَهُوَ مَسقوفٌ في النِّهايَةِ مِنْ إحكامِ العَمَلِ وإتقانِ الصَّنْعَةِ، مُمَوَّهٌ بالذَّهبِ والأصبغةِ الرَّائقةِ، وفي المسجدِ مواضعُ سواهُ مَسقوفةٌ.
• ذِكرُ قُبَّةُ الصَّخْرَةِ
وهِيَ مِنْ أعْجَبِ المباني وأَتْقَنِها وأَغْرَبِها شَكْلًا، قَدْ تَوَفَّرَ حَظُّها مِنَ المحاسِنِ، وأَخَذَتْ مِنْ كُلِّ بديعَةٍ بِطَرَفٍ، وهِيَ قائِمَةٌ على نشْزٍ في وَسَطِ المَسْجِدِ، يُصْعَدُ إلَيْها في دَرَجٍ رُخامٍ، ولَها أرْبَعَةُ أبوابٍ، والدّائِرُ بِها مَفروشٌ بِالرُّخامِ أيضًا مُحْكَمُ الصَّنْعَةِ وكذلِكَ داخِلُها، وفي ظاهِرِها وباطِنِها مِنْ أنواعِ الزّواقَةِ ورائِقِ الصَّنْعَةِ ما يُعْجِزُ الواصِفَ، وأكْثَرُ ذلِكَ مُغَشًّى بِالذَّهَبِ، فَهِيَ تَتَلألأُ نورًا وتَلْمَعُ لَمَعانَ البَرْقِ، يَحارُ بَصَرُ مُتَأَمِّلِها في محاسِنِها، ويَقْصُرُ لِسانُ رائيها عَنْ تمثيلِها، وفي وَسَطِ القُبَّةِ الصَّخْرَةُ الكريمَةُ الَّتي جاءَ ذِكْرُها في الآثارِ، فإنَّ النَّبِيَّ _صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ_ عَرَجَ مِنْها إلى السَّماءِ، وهِيَ صَخْرَةٌ صَمّاءُ، ارْتِفاعُها نَحْوُ قامَةٍ، وتَحْتَها مَغارَةٌ في مِقْدارِ بَيْتٍ صغيرٍ، ارتِفاعُها نَحْوُ قامَةٍ أيضًا، يُنْزَلُ إلَيْها على دَرَجٍ، وهُنالِكَ شَكُلُ مِحْرابٍ، وعلى الصَّخْرَةِ شُبّاكانِ اثْنانِ مُحْكَما العَمَلِ يُغْلَقانِ عَلَيْها أحَدُهُمَا -وهُوَ الَّذي يلي الصَّخْرَةَ- مِنْ حديدٍ بديعِ الصَّنْعَةِ، والثَّاني مِنْ خَشَبٍ، وفي القُبَّةِ درقةٌ كبيرَةٌ مِنْ حديدٍ مُعَلَّقَةٌ هُنالِكَ، والنّاسُ يَزْعُمونَ أنَّها درقةُ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
• ذِكْرُ بَعْضِ المشاهِدِ المُبارَكَةِ بِالقُدْسِ الشَّريفِ
فَمِنْها بِعُدْوَةِ الوادي المعروفِ بِوادي جَهَنَّمَ في شرقيِّ البَلَدِ على تَلٍّ مُرتَفِعٍ هُنالِكَ بِنْيَةٌ يُقالُ: إنَّها مَصْعَدُ عيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ- إلى السَّماءِ، ومِنْها أيضًا قَبْرُ رابِعَةَ البَدَويَّةِ منسوبَةً إلى البادِيَةِ، وهِيَ خِلافُ رابِعَةَ العَدَويَّةِ الشَّهيرَةِ، وفي بَطْنِ الوادي المذكورِ كنيسةٌ يُعَظِّمُها النَّصارى ويقولونَ: إنَّ قَبْرَ مَرْيَمَ -عَلَيْها السَّلامُ- بِها، وهُنالِكَ أيضًا كنيسَةٌ أُخرى مُعَظَّمَةٌ يَحُجُّها النَّصارى، وهُنالِكَ مَوْضِعُ مَهْدِ عيسى -عَلَيْهِ السَّلامُ- يُتَبَرَّكُ بِهِ.
ابنُ بطّوطةَ، تُحفَةُ النُّظّارِ في غرائِبِ الأمصارِ وعجائِبِ الأسفارِ، قَدَّمَ لَهُ وحَقَّقَهُ مُحَمَّدُ عَبْدُ المُنْعِمِ العريان، الطَّبْعَةُ الأولى، دارُ إحياءِ العُلومِ، 1987
أستَزيدُ:
يَضُمُّ المَسْجِدُ الأقصى ما يُوجَدُ داخِلَ السُّورِ مِنْ مساجِدَ ومآذِنَ وقِبابٍ ومنابِرَ وأروِقَةٍ وساحاتٍ ومرافِقَ أُخرى، وتُشَكِّلُ بِمَجموعِها المَسْجِدُ الأقصى المُبارِكُ.
أتَعَرَّفُ نَبْذَةً عَنِ الكاتِبِ
ابنُ بطّوطَةَ: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ الطَّنْجيُّ، وهُوَ الرَّحّالَةُ الأشْهَرُ في تاريخِ العَرَبِ والمُسلِمينَ على الإطلاقِ، جابَ كثيرًا مِنَ الأمصارِ والأقطارِ مُدَوِّنًا رِحْلاتِهِ في كِتابِهِ الشَّهيرِ " تُحْفَةُ النُّظّارِ في غرائِبِ الأمصارِ وعجائِبِ الأسفارِ". وُلِدَ ابنُ بطّوطةَ في طَنْجَةَ في المَغْرِبِ، ودَرَسَ العُلومَ الشَّرعيَّةَ والعَرَبيَّةَ والأدبَ؛ مِمّا أعانَهُ في صياغَةِ كتابِهِ. دامَتْ رِحْلَةُ أسفارِهِ ما يزيدُ على 30 سَنَةً زارَ فيها ما يُعادِلُ 44 دولَةً حديثَةً مِنْها: الشّامُ والحِجازُ وفارِسُ وأواسِطُ إفريقيَّةَ والأندَلُسُ. تَمَيَّزَ ابنُ بطّوطةَ بِحُبِّ المَعْرِفَةِ والاستِطلاعِ، وبِجَمالِ أُسلوبِهِ في رِوايَةِ أحداثِ رِحْلاتِهِ بِأُسلوبٍ قَصَصيٍّ مُشَوِّقٍ يَمْزِجُ فيهِ قُوَّةَ الخيالِ ودِقَّةِ الواقِعِ.
♦ جَوُّ النَّصّ:
يَتَناوَلُ النَّصُّ جانِبًا مِنْ رِحْلَةِ ابنِ بطّوطَةَ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ واصِفًا القُدْسَ، والمَسْجِدَ الأقصى، وقُبَّةَ الصَّخْرَةِ المُشَرَّفَةِ، وبَعْضَ المشاهِدِ المُبارَكَةِ بِالقُدْسِ الشَّريفِ، مُبَيِّنًا الأماكِنَ الَّتي زارَها في كُلٍّ مِنْها، ومُبرِزًا الجانِبَ الدِّينيَّ مِنْ جِهَةٍ، وجانِبًا مِنْ فَنِّ العِمارَةِ والبِناءِ مِنْ جِهَةٍ أُخرى، وذلِكَ عَبْرَ أُسلوبٍ دقيقٍ ومُشَوِّقٍ.
أستَزيدُ
أدَبُ الرِّحْلَةِ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الأدَبِ الَّذي يُصَوِّرُ فيهِ الكاتِبُ مُجرَياتِ الأحداثِ الَّتي مَرَّ بِها في أثناءِ رِحْلاتِهِ، ويَصِفُ الأماكِنَ والأشخاصَ والعاداتِ والتَّقاليدَ وغَيْرَها. وأبْرَزُ ما يُمَيِّزُهُ الواقِعِيَّةُ، والوَصْفُ، والحِوارُ، وتصويرُ الأحداثِ بِأُسلوبٍ مُشَوِّقٍ وجاذِبٍ.
الشَّرح
♦ الفقرة الأوَّلى:
• بَيْتُ المَقْدِسِ: رِحْلَةُ ابنِ بطُّوطةَ
سافَرْتُ إلى القُدْسِ، فَزُرْتُ في طريقي إليهِ تُرْبَةَ يُونُسَ -عَلَيْهِ السَّلام-، وعَلَيْها أبنِيَةٌ كبيرَةٌ ومَسْجِدٌ، وزُرْتُ أيضًا بَيْتَ لَحْمٍ مَوْضِعَ ميلادِ عيسى -عَلَيْهِ السَّلام-، وبِهِ أَثَرُ جِذْعِ النَّخْلَةِ، وعَلَيْهِ عمارةٌ كثيرَةٌ، والنَّصارى يُعَظِّمونَهُ أَشَدَّ التَّعظيمِ ويُضَيِّقونَ مَنْ نَزَلَ بِهِ.
ثُمَّ وَصَلْنا إلى بَيْتِ المَقْدِسِ - شَرَّفَهُ اللهُ-، ثالِثِ المَسْجِدَيْنِ الشَّريفَيْنِ في رُتْبَةِ الفَضْلِ، ومَصْعَدِ رَسولِ اللهِ _صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ_، ومَعْرَجِهِ إلى السَّماءِ، والبَلْدَةُ كبيرَةٌ مُنيفَةٌ مبنيَّةٌ بِالصَّخْرِ المنحوتِ، وكانَ المَلِكُ الصّالِحُ الفاضِلُ صلاحُ الدّينِ بنُ أيّوبَ - جزاهُ اللّهُ عَنِ الإسلامِ خَيْرًا – لَمّا فَتَحَ هذهِ المدينَةَ هَدَمَ بَعْضَ سورِها، ثُمَّ اسْتَنْقَضَ المَلِكُ الظّاهِرُ هَدَمَهُ؛ خَوْفًا أنْ يَقْصِدَها الرّومُ فَيَتَمَنَّعوا بِها، ولَمْ يَكُنْ بِهذِهِ المدينَةِ نَهْرٌ فيما تَقَدَّمَ، وجَلَبَ لَها الماءَ في هذا العَهْدِ الأميرُ سَيْفُ الدّينِ تنكيز أميرُ دِمَشْقَ.
معاني المفردات:
|
الكلمة |
المعنى |
|
مَعْرَجٌ |
مَصْعَد |
|
مُنيفَةٌ |
مُشْرِفَةٌ |
|
اسْتَنْقَضَ |
اسْتَكْمَلَ |
• اشْرَحِ الفِقرةَ السّابِقَةَ شَرْحًا تامًّا.
هذا النَّصُّ يَتَناوَلُ جُزْءًا مِنْ رِحْلَةِ ابنِ بطُّوطَةِ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، حَيْثُ يَصِفُ فيهِ زيارَتَهُ لِلأماكِنِ المُقَدَّسَةِ والآثارِ الدّينيَّةِ الهامَّةِ في المدينَةِ وما حَوْلَها:
في هذا النَّصِّ، يَتَحَدَّثُ ابنُ بطُّوطَةَ عَنْ رِحْلَتِهِ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ (القُدْس)، حَيْثُ يَبْدَأ بِذِكْرِ زيارَتِهِ لِبَعْضِ المعالِمِ الدّينيَّةِ المُهِمَّةِ في طريقِهِ إلى القُدْسِ. أوَّلُ ما يَذْكُرُهُ هُوَ "تُرْبَةَ يُونُسَ -عَلَيْهِ السَّلام-"، وهُوَ مَقامُ النَّبيِّ يونُسَ عَلَيْهِ السَّلامُ، حَيْثُ يُوجَدُ هُناكَ مَسْجِدٌ وأبنِيَةٌ كبيرَةٌ تَعْكِسُ قَداسَةَ المكانِ وأهَمِّيَّتَهُ.
ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلى "بَيْتِ لَحْمٍ"، وهُوَ المكانُ الَّذي وُلِدَ فيهِ النَّبيُّ عيسى عَلَيْهِ السَّلامُ. يَصِفُ ابنُ بطُّوطَةَ هذا المكانَ بِأثَرِهِ المُقَدَّسِ "جِذْعِ النَّخْلَةِ" الَّذي يُعْتَقَدُ أنَّ السَّيِّدَةَ مَرْيَمَ العَذْراءَ اسْتَنَدَتْ إلَيْهِ عِنْدَ ولادَةِ السَّيِّدِ المسيحِ. يُوَضِّحُ أيضًا أنَّ النَّصارى (المسيحيّين) يُعَظِّمونَ هذا المكانَ كثيرًا، ويُظهِرونَ اهْتِمامًا كبيرًا بِهِ.
بَعْدَ ذلكَ، يَصِلُ ابنُ بطّوطَةَ إلى "بَيْتِ المَقْدِسِ"، ويَصِفُ المدينَةَ بِأنَّها "شَرَّفَهُ اللهُ" وهِيَ مِنْ أقْدَسِ الأماكِنِ الإسلاميَّةِ، إذْ يَصِفُها بِأنَّها "ثالِثِ المَسْجِدَيْنِ الشَّريفَيْنِ في رُتْبَةِ الفَضْلِ" بَعْدَ مَكَّةَ والمدينَةِ، وهِيَ أيضًا المكانُ الَّذي عُرِجَ مِنْهُ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إلى السَّماءِ.
يُشيرُ إلى أنَّ المدينَةَ مَبْنيَّةٌ "بِالصَّخْرِ المَنْحوتِ" بِشَكْلٍ فريدٍ وجميلٍ، ويَذْكُرُ دَوْرَ صلاحِ الدّينِ الأيّوبيِّ في فَتْحِ القُدْسِ وحمايَتِها. كما يَذْكُرُ أنَّ المدينَةَ كانَتْ في وَقْتٍ سابِقٍ بِدونِ نَهْرٍ، لكِنَّ الأميرَ سَيْفَ الدّينِ تنكيز جَلَبَ لَها الماءَ في عَصْرِهِ، مِمّا يَعْكِسُ التَّطَوُّرَ العِمْرانيَّ والاهتِمامَ بالمدينَةِ.
♦ الفقرة الثّانية:
• ذِكْرُ المَسْجِدِ المُقَدَّسِ
وهُوَ مِنَ المساجِدِ العجيبَةِ الرّائِقَةِ الفائِقَةِ الحُسْنِ، يُقالُ: إنَّهُ لَيْسَ على وَجْهِ الأرضِ مَسْجِدٌ أكبَرُ مِنْهُ، وإنَّ طولَهُ مِنْ شَرْقٍ إلى غَرْبٍ سَبْعُمِئْةٍ واثنَتانِ وخمسونَ ذِراعًا بِالذِّراعِ المالِكيَّةِ، وعَرْضَهُ مِنَ القِبْلَةِ إلى الجَوْفِ أربعُمِئَةِ ذِراعٍ وخَمْسٌ وثلاثونَ ذِراعًا، ولَهُ أبوابٌ كثيرَةٌ في جهاتِهِ الثَّلاثِ، وأمّا الجِهَةُ القَبْليَّةُ مِنْهُ فلا أعْلَمُ بِها إلّا بابًا واحِدًا وهُوَ الَّذي يَدْخُلُ مِنْهُ الإمامُ، والمَسْجِدُ كُلُّهُ فَضاءٌ غَيْرُ مَسقوفٍ إلّا المَسْجِدَ الأقصى، فَهُوَ مَسقوفٌ في النِّهايَةِ مِنْ إحكامِ العَمَلِ وإتقانِ الصَّنْعَةِ، مُمَوَّهٌ بالذَّهبِ والأصبغةِ الرَّائقةِ، وفي المسجدِ مواضعُ سواهُ مَسقوفةٌ.
معاني المفردات:
|
الكلمة |
المعنى |
|
الرَّائِقَة |
الجميلَة |
|
إحكامُ العَمَلِ |
إتقانُ العَمَلِ |
|
مُمَوَّه بالذَّهَبِ |
مَطْلِيٌّ بِماءِ الذَّهَبِ، ولَيْسَ بِذَهْبٍ |
• اشْرَحِ الفِقرةَ السّابِقةَ شَرْحًا تامًّا.
يَتَحَدَّثُ النَّصُّ عَنْ وَصْفِ المَسْجِدِ المُقَدَّسِ، ويُشيرُ إلى المَسْجِدِ الأقصى بِشَكْلٍ خاصٍّ:
جَمالُ المَسْجِدِ ورَوْعَةُ تصميمِه: يُوصَفُ المَسْجِدُ بِأنَّهُ مِنَ المساجِدِ الرّائِعَةِ والجميلَةِ بِشَكْلٍ يَفوقُ الوَصْفَ. يُقالُ: إنَّهُ لا يُوجَدُ مَسْجِدُ على وَجْهِ الأرضِ أكْبَرَ مِنْهُ، مِمّا يُشيرُ إلى حَجْمِهِ الكبيرِ وتصميمِهِ المُمَيَّز.
أبعادُ المَسْجِدِ: يَذْكُرُ النَّصُّ أنَّ طولَ المَسْجِدِ مِنَ الشَّرْقِ إلى الغَرْبِ يَبْلُغُ 750 ذِراعًا وفقًا لِلذِّراعِ المالِكيَّةِ، وعَرْضَهُ مِنَ القِبْلَةِ إلى الجَوْفِ يَصِلُ إلى 435 ذِراعًا. هذه الأبعادُ تُشيرُ إلى اتِّساعِهِ الكبيرِ.
أبوابُ المَسْجِدِ: يُوَضِّحُ النَّصُّ أنَّ المَسْجِدَ لَهُ العديدُ مِنَ الأبوابِ مِنْ ثلاثِ جِهاتٍ، إلّا أنَّ الجِهَةَ القِبْليَّةَ لا تحتوي إلّا على بابٍ واحِدٍ، وهُوَ البابُ الَّذي يَدْخُلُ مِنْهُ الإمامُ. هذا يَدُلُّ على وجودِ نظامٍ دقيقٍ لِتَوزيعِ الأبوابِ وفقًا للاحتِياجاتِ المُختَلِفَةِ.
الفضاءُ والمَسْقوفُ: يُشيرُ النَّصُّ إلى أنَّ المَسْجِدَ بِأكْمَلِهِ مَفْتوحٌ وغَيْرُ مَسْقوفٍ، بِاسْتِثناءِ المَسْجِدِ الأقصى الَّذي يَتَواجَدُ بِداخِلِهِ. تَمَّ تصميمُ هذا الجُزءِ بِإحكامٍ وإتقانٍ فائِقٍ، وتَمَّ تزيينُهُ بِالذَّهَبِ والأصباغِ الجميلَةِ. النَّصُ يُوَضِّحُ أيضًا أنَّ هُناكَ أماكِنَ أُخرى داخِلَ المَسْجِدِ مَسْقوفَةٌ، لكِنَّها لَيْسَتْ بِحَجْمِ الأقصى.
♦ الفقرة الثّالِثة:
• ذِكرُ قُبَّةُ الصَّخْرَةِ
وهِيَ مِنْ أعْجَبِ المباني وأَتْقَنِها وأَغْرَبِها شَكْلًا، قَدْ تَوَفَّرَ حَظُّها مِنَ المحاسِنِ، وأَخَذَتْ مِنْ كُلِّ بديعَةٍ بِطَرَفٍ، وهِيَ قائِمَةٌ على نشْزٍ في وَسَطِ المَسْجِدِ، يُصْعَدُ إلَيْها في دَرَجٍ رُخامٍ، ولَها أرْبَعَةُ أبوابٍ، والدّائِرُ بِها مَفروشٌ بِالرُّخامِ أيضًا مُحْكَمُ الصَّنْعَةِ وكذلِكَ داخِلُها، وفي ظاهِرِها وباطِنِها مِنْ أنواعِ الزّواقَةِ ورائِقِ الصَّنْعَةِ ما يُعْجِزُ الواصِفَ، وأكْثَرُ ذلِكَ مُغَشًّى بِالذَّهَبِ، فَهِيَ تَتَلألأُ نورًا وتَلْمَعُ لَمَعانَ البَرْقِ، يَحارُ بَصَرُ مُتَأَمِّلِها في محاسِنِها، ويَقْصُرُ لِسانُ رائيها عَنْ تمثيلِها، وفي وَسَطِ القُبَّةِ الصَّخْرَةُ الكريمَةُ الَّتي جاءَ ذِكْرُها في الآثارِ، فإنَّ النَّبِيَّ _صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ_ عَرَجَ مِنْها إلى السَّماءِ، وهِيَ صَخْرَةٌ صَمّاءُ، ارْتِفاعُها نَحْوُ قامَةٍ، وتَحْتَها مَغارَةٌ في مِقْدارِ بَيْتٍ صغيرٍ، ارتِفاعُها نَحْوُ قامَةٍ أيضًا، يُنْزَلُ إلَيْها على دَرَجٍ، وهُنالِكَ شَكُلُ مِحْرابٍ، وعلى الصَّخْرَةِ شُبّاكانِ اثْنانِ مُحْكَما العَمَلِ يُغْلَقانِ عَلَيْها أحَدُهُمَا -وهُوَ الَّذي يلي الصَّخْرَةَ- مِنْ حديدٍ بديعِ الصَّنْعَةِ، والثَّاني مِنْ خَشَبٍ، وفي القُبَّةِ درقةٌ كبيرَةٌ مِنْ حديدٍ مُعَلَّقَةٌ هُنالِكَ، والنّاسُ يَزْعُمونَ أنَّها درقةُ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
معاني المفردات:
|
الكلمة |
المعنى |
|
بديعة |
عجيبة ورائِعة |
|
نشْز |
مُرْتَفَع |
|
الرُّخام |
أحجار كِلسيَّةٌ صَلْبَةٌ مَتينَةٌ وجميلَةٌ |
|
الزِّواقة |
الزِّينَةُ والنَّقْشُ والزَّخْرَفَةُ |
|
مُغَشَّى |
مُغَطَّى |
|
يَحارُ |
يَقَعُ في حيرَةٍ، يُربِكُهُ ويُذهِلُهُ ويُثيرُ دَهْشَتَهُ |
|
صمَّاء |
صَلْبَةٌ متينَةٌ |
|
درقةٌ |
أداةٌ كالتَّرَسِ يَحْمِلُها المُحارِبُ للوقايَةِ مِنْ سَيْفٍ ونَحْوِهِ |
• اشْرَحِ الفِقرةَ السّابِقَةَ شَرْحًا تامًّا.
في هذا النَّصِّ، يَتَحَدَّثُ ابنُ بطُّوطَةَ عَنْ وَصْفِ قُبَّةِ الصَّخْرَةِ المُشَرَّفَةِ في القُدْسِ الشَّريفِ، مُشيرًا إلى جمالِها وتعقيدِ تصميمِها.
الأعجَب والأتقَن: القُبَّةُ تُعَدُّ مِنْ أعْجَبِ المباني وأتقَنِها وأغْرَبِها شَكْلًا. تَوَفَّرَتْ فيها كُلُّ محاسِنِ الجَمالِ والإبداعِ، واسْتَفادَتْ مِنْ كُلِّ عُنْصُرٍ بديعٍ موجودٍ في العمارَةِ.
قائِمة على نَشْز: القُبَّةُ تَقَعُ على مُرْتَفَعٍ وَسطَ المَسْجِدِ، يُمْكِنُ الوصولُ إلَيْها عَبْرَ دَرَجاتٍ رُخاميَّةٍ، مِمّا يُضيفُ إلَيْها قيمَةً جماليَّةً وفنِّيَّةً.
الأبواب والرُّخام: لِلقُبَّةِ أربَعَةُ أبوابٍ، والدّائِرَةُ المُحيطَةُ بِها مفروشَةٌ أيضًا بِالرُّخامِ المُحْكَمِ الصُّنْعِ، وكذلِكَ داخِلَها، مِمّا يَعْكِسُ جَوْدَةَ الحِرْفَةِ في البِناء.
الزّواقَة: القُبَّةُ مُزَيَّنَةٌ بِأرْوَعِ أنواعِ الزَّخارِفِ والنُّقوشِ، وقَدْ غُشِّيَتْ بِالكثيرِ مِنَ الذَّهَبِ، مِمّا يَجْعَلُها تَتَألَّقُ كالنّورِ وتَتَألَّقُ كالبَرْقِ، مِمّا يُسَبِّبُ حيرَةً وتَأمُّلًا لِلزُّوّار.
الصَّخْرَة: في وَسطِ القُبَّةِ تَقَعُ الصَّخْرَةُ المُشَرَّفَةُ، الَّتي يُقالُ إنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَجَ مِنْها إلى السَّماء. الصَّخْرَةُ صَمّاءُ (صَلْبَة) ومُرْتَفِعَةٌ قليلًا عَنِ الأرضِ، ويَبْلُغُ ارتِفاعُها تقريبًا ارْتِفاعَ الإنسان.
المغارَة: تَحْتَ الصَّخْرَةِ تُوجَدُ مغارَةٌ صغيرَةٌ بِنَفْسِ ارتِفاعِ الإنسانِ تقريبًا، يُمكِنُ النُّزولُ إلَيْها عَبْرَ دَرَجاتٍ، وهِيَ تَحْتَوي على شَكْلِ مِحْرابٍ.
الشَّبَكان: على الصَّخرة، هُناكَ شَبَكانِ (شَبَكتانِ) مُحكَمَتا العَمَلِ، أحَدُهُما مِنَ الحديدِ والآخَرُ مِنَ الخَشَبِ، لِتُحافِظَ على الصَّخْرَةِ مِنَ التّعديات.
الدّرقة: في القُبَّةِ، هُناكَ درقة (دِرْعٌ) كبيرَةٌ مِنَ الحديدِ، يَعْتَقِدُ النّاسُ أنَّها درقة حمزة بن عَبْدِ المُطَّلِب، وهُوَ أحَدُ القادَةِ البارِزينَ في التّاريخِ الإسلاميّ.
♦ الفقرة الرّابِعة:
• ذِكْرُ بَعْضِ المشاهِدِ المُبارَكَةِ بِالقُدْسِ الشَّريفِ
فَمِنْها بِعُدْوَةِ الوادي المعروفِ بِوادي جَهَنَّمَ في شرقيِّ البَلَدِ على تَلٍّ مُرتَفِعٍ هُنالِكَ بِنْيَةٌ يُقالُ: إنَّها مَصْعَدُ عيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ- إلى السَّماءِ، ومِنْها أيضًا قَبْرُ رابِعَةَ البَدَويَّةِ منسوبَةً إلى البادِيَةِ، وهِيَ خِلافُ رابِعَةَ العَدَويَّةِ الشَّهيرَةِ، وفي بَطْنِ الوادي المذكورِ كنيسةٌ يُعَظِّمُها النَّصارى ويقولونَ: إنَّ قَبْرَ مَرْيَمَ -عَلَيْها السَّلامُ- بِها، وهُنالِكَ أيضًا كنيسَةٌ أُخرى مُعَظَّمَةٌ يَحُجُّها النَّصارى، وهُنالِكَ مَوْضِعُ مَهْدِ عيسى -عَلَيْهِ السَّلامُ- يُتَبَرَّكُ بِهِ.
ابنُ بطّوطةَ، تُحفَةُ النُّظّارِ في غرائِبِ الأمصارِ وعجائِبِ الأسفارِ، قَدَّمَ لَهُ وحَقَّقَهُ مُحَمَّدُ عَبْدُ المُنْعِمِ العريان، الطَّبْعَةُ الأولى، دارُ إحياءِ العُلومِ، 1987
معاني المفردات:
|
الكلمة |
المعنى |
|
عُدْوة الوادي |
شاطِئُهُ وجانِبُهُ |
• اشْرَحِ الفِقرةَ السّابِقةَ شَرْحًا تامًّا.
النَّصُّ يَتَناوَلُ بَعْضَ المَشاهِدِ المُبارَكَةِ في القُدسِ الشَّريفِ، ويَصِفُها بِما يلي:
مَصْعَدُ عيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ- إلى السَّماء: يُشيرُ إلى مَوْقِعٍ على عُدْوَةِ الوادي المعروف بِوادي جَهَنَّم في شَرْقَيِ البَلَدِ، ويُقالُ: إنَّهُ المكانُ الَّذي صَعَدَ مِنْهُ عيسى إلى السَّماء.
قَبْرُ رابِعَةَ البَدَويَّةِ: يَعْرِضُ قَبْرَ رابِعَةَ البَدَويَّة، وهِيَ شخصيَّةٌ مِنَ البادِيَةِ، ويُمَيِّزُها عَنْ رابِعَةَ العَدَويَّة المشهورَةِ.
كنيسَة قَبْر مَرْيَم -عَلَيْها السَّلامُ_: يُوجَدُ في بَطْنِ الوادي كنيسَةٌ يُعَظِّمُها النَّصارى، ويعتَقِدونَ أنَّ قَبْرَ مَرْيَمَ العَذْراءِ موجودٌ فيها.
كنيسة أُخرى مُعَظَّمَة: هُنالِكَ كنيسَةٌ أُخرى يُعَظِّمُها النَّصارى ويقومونَ بِزيارَتِها.
مَوْضِعُ مَهْدِ عيسى -عَلَيْهِ السَّلامُ_: مكانٌ يُعتَقَدُ أنَّهُ المَهْدُ الَّذي وُلِدَ فيه عيسى، ويُتَبَرَّكُ بِهِ.