[المَشْهَدُ الأوَّلُ] بِدايَةُ الطَّريقِ ...
المُمَثِّلونَ: سَنَروي لَكُمْ حِكايَةَ رِحْلَةٍ.
القافِلَةُ تَضُمُّ تاجِرًا واثْنَيْنِ مِنْ أتباعِهِ.
افْتَحُوا عُيونَكُمْ لِتَرَوْا كَيْفَ يَتَصَرَّفونَ.
قَدْ يَبْدو سُلوكُهُمْ شَيْئًا مألوفًا، وعَلَيْكُمْ أنْ تَكْتَشِفُوا غرابَتَهُ وغُموضَهُ، وأنْ تَتَبَيَّنوا المُحالَ مِنْ وراءِ القاعِدَةِ الاعتِياديَّةِ.
لا تَأمَنُوا لِأيِّ إشارَةٍ مَهْما بَدَتْ هَيِّنَةً في ظاهِرِها.
فَتِّشوا عَنْ وَجْهٍ آخَرَ فيها ...
نُناشِدُكُمْ ألَّا تَقولوا: "هذا أمْرٌ طبيعيٌّ" في ما يَعْتَرِضُكُمْ مِنَ الأحداثِ يوميًّا في زَمَنٍ يسودُهُ الاضْطِرابُ.
التّاجِرُ: (مُخاطِبًا رَفيقَيْهِ: الدَّليلَ، والأجيرَ الَّذي يَحْمِلُ أمْتِعَتَهُ): هَيّا، أسْرِعا أيُّها الكُسالى، لا بُدَّ أنْ أسْبِقَ المُنافِسينَ، لا بُدَّ أنْ أحْصُلَ على امْتِيازِ (البترولِ)، يكادونَ يَلْحَقونَ بِنا.
الدَّليلُ لِلأجيرِ: أسْرِعْ ... أسْرِعْ.
التّاجِرُ: صَوْتُكَ لا يُبَشِّرُ بِخَيْرٍ، لَيْتَني دَفَعْتُ أكْثَرَ لِدَليلٍ خَيْرٍ مِنْكَ، لا بَأسَ، هَيّا اضْرِبْ هذا الأجيرَ.
(يَسْمَعُ التّاجِرُ وراءَهُ صَوْتًا يُناديهِمْ، فَيَغْضَبُ)
التّاجِرُ: أيُّها المُغَفَّلانِ، ويُنْشِدُ: سَيْرٌ بِالنَّهارِ وسُرًى بِاللَّيلِ، إنَّ الضَّعيفَ يَظَلُّ في المُؤَخَّرَةِ؛ أمّا القَوِيُّ فَيَبْلُغُ الهَدَفَ.
[المَشْهَدُ الثّاني] في نِهايَةِ الطَّريقِ ....
التّاجِرُ: الحَمْدُ لِلّهِ قَدْ بَلَغْتُ المَحَطَّةَ قَبْلَهُمْ بِيَوْمٍ كامِلٍ.
(شُرطيّانِ يَقْتَرِبانِ مِنَ العَرَبَةِ ...) قائِلَيْنِ: أتَحتاجُ شَيْئًا يا سَيّدي؟
التّاجِرُ: نَعَمْ، لا أحتاجُ إلّا أنْ تُخبِراني ماذا بَعْدَ المَحَطَّةِ؟
(الشُّرطيّانِ وهُما يَضْحَكانِ): صَحْراءُ فَحَسْبْ، لَنْ تَرى فيها أيَّ إنسانٍ.
(لَمْ تَسْتَرِحِ القافِلَةُ فى المَحَطَّةِ، وبَدَأَ القَلَقُ ينتابُ الدَّليلَ)
الدَّليلُ: ثَمَّةَ شيءٌ غَريبٌ لا يُطَمْئِنُ؛ فالتّاجِرُ أصْبَحَ لَطيفًا وَدودًا على غَيْرِ عادَتِهِ، قَدْ يَطْرُدُنا وَسْطَ الصَّحْراءِ.
التّاجِرُ لِلدَّليلِ: لِمَ لا نَسْتَريحُ يا صديقي؟ ففي الرِّحْلَةِ نُصْبِحُ إخْوَةً مُتَحابِّينَ، مَعَ أنَّ الأعرافَ ألَّا يَجْلِسَ السَّيِّدُ مَعَ الدَّليلِ الأجيرِ، فَنَحْنُ نَعيشُ النِّظامَ الَّذي يقومُ على الفوارِقِ.
(الأجيرُ يُخاطِبُ الدَّليلَ وقَدْ ابْتَعَدَا قليلًا): سَمِعْتُ التّاجِرَ يقولُ: إنَّ اسْتِخراجَ الزَّيتِ (البترول) يَخْدِمُ النَّاسَ، فَسَتُمَدُّ السِّكَّةُ الحديديَّةُ ويعيشُ النّاسُ في رفاهيَّةٍ.
الدَّليلُ: لا تَفْرَحْ كثيرًا أيُّها المسكينُ؛ فَلَيْسَ المُهِمُّ راحَتَنا بَلِ المالَ الَّذي يَكْسَبونَهُ.
التّاجِرُ (يُتَمْتِمُ): أرَأيْتُمْ، إنَّهُما يَتَآمَرانِ، ومَنْ يَدْري فَقَدْ يَتَّفِقانِ ضِدِّي.
(يَقْتَرِبُ التّاجِرُ مِنَ الدَّليلِ مُوَبِّخًا): ألَمْ أطْلُبْ مِنْكَ أنْ تَشُدَّ رِباطَ الأحزِمَةِ.
الدَّليلُ : هِيَ لَنْ تَنْقَطِعَ ما دُمْنا لا نَشُدُّها.
التّاجِرُ: بَخٍ بَخٍ؛ أتَرُدُّ عَلَيَّ؟! كُنْتُ أُوشِكُ أنْ أُحسِنَ مُعامَلَتَكَ، لكِنَّ المُعامَلَةَ الطَّيِّبَةَ لا تَنْفَعُ مَعَكُمْ، خُذْ أجْرَكَ فَأنْتَ مَطْرودٌ.
الدَّليلُ لِلأجيرِ: احْذَرْ هذا التّاجِرَ فَهُوَ غَيْرُ مأمونِ الجانِبِ.
الأجيرُ: واحَسْرَتا، فأنا لا أنْتَمي لِنَقابَةٍ مِثْلَكَ، لا بُدَّ أنْ أسْكُتَ وأصْبِرَ.
[المَشْهَدُ الثّالِثُ] حِوارٌ في طريقٍ خَطِرٍ ...
الأجيرُ (يُغَنّي): نَحْنُ في الطَّريقِ إلى هُناكَ،
وأنا أسيرُ إلى أورجا (المكانِ المَنْشودِ)،
واللُّصوصُ لا يَعْرِفُونَ مكاني،
ولا الصَّحْراءُ تُفَرِّقُ بَيْنَنا،
في أورجا سَأقْبِضُ أجْري،
وأعْرِفُ طَعْمَ الأكْلِ.
التّاجِرُ (مُتَعَجِّبًا): أتُغَنِّي ونَحْنُ في طريقِ خَطَرٍ؟ ماذا يَهُمُّكَ؟ المالُ لَيْسَ مالَكَ واللُّصوصُ لَنْ يأبَهوا بِكَ ... يا لَكُمْ مِنْ بَشَرٍ لا يَكْتَرِثونَ.
[المَشْهَدُ الرّابِعُ] أمامَهُمْ نَهْرٌ ...
التّاجِرُ: أيُّها الأجيرُ لا بُدَّ أنْ تَسْبَحَ، كِلانا سَيَقْطَعُ النَّهْرَ مَعْ أنَّنا مِنْ طَبَقاتٍ مُتَفاوِتَةٍ.
(يَرْتَجِفُ الأجيرُ خائِفًا لا تَحْمِلُهُ قَدَماهُ ولا يَجْرُؤُ على السِّباحَةِ)
التّاجِرُ: سَأُثَبِّتُ مُسَدَّسي في ظَهْرِكَ وسَنَرى إنْ كُنْتَ سَتَعْبُرُ النَّهْرَ.
(يَدْفَعُ الأجيرَ أمامَهُ وهُما يَعْبُرانِ النَّهْرَ)
يُنْشِدُ التّاجِرُ:
كُتِبَ المَوْتُ على الضَّعيفِ، كَما كُتِبَ القِتالُ على القَوِيِّ،
تِلْكَ سُنَّةُ الحياةِ،
ضَرْبَةُ يَدٍ لِلقَوِيِّ وضَرْبَةُ قَدَمٍ لِلضَّعيفِ.
(يكادُ التّاجِرُ يموتُ عَطَشًا فَيَمُدُّ الأجيرُ يَدَهُ إلى المزادَةِ (الزَّمْزميَّةِ) الَّتي أعطاهُ الدَّليلُ إيّاها عِنْدَ طَرْدِهِ)
يَرْتَعِبُ التّاجِرُ: أتُريدُ أنْ تَقْتُلَني بِالحَجَرِ الَّذي أعطاكَ إيّاهُ الدَّليل؟
(يَسْحَبُ التّاجِرُ مُسَدَّسَهُ ويُطْلِقُ بِاتِّجاهِ الأجيرِ)
[المَشْهَدُ الخامِسُ] الانتِقالُ إلى المُحاكَمَةِ
(بَعْدَ الجريمَةِ يأتي دَوْرُ المَحْكَمَةِ،
وعِنْدَما يَسْقُطُ البريءُ مُضَرَّجًا بِدِمائِهِ،
يَلْتَفُّ القُضاةُ حَوْلَ جُثَّتِهِ لِيُحاكِموهُ)
زوجَةُ الأجيرِ: لَقَدْ حَمَلَ زوجي القتيلُ أمْتِعَةَ هذا التّاجِرِ وفي الصَّحْراءِ قَتَلَهُ، لا بُدَّ مِنْ مُعاقَبَتِهِ.
التّاجِرُ: (مَدَّ يَدَهُ وبِها حَجَرٌ) كانَ يُريدُ أنْ يَقْتُلَني، فدافَعْتُ عَنْ نَفْسي وأطْلَقْتُ عَلَيْهِ النّارَ.
القاضي: وما أدراكَ أنَّهُ حَجَرٌ؟
الدَّليلُ: لَمْ يَكُنْ حَجَرًا، بَلْ كانَتْ مُزادَةً أنا أعطيتُ إيّاها.
القاضي: ومَنْ يَشْهَدُ؟
قائِدُ الرِّحْلَةِ: كُنّا مُتَخَلِّفينَ وراءَهُمْ، ولَمّا وَصَلْنا وَجَدْنا الأجيرَ وبِيَدِهِ مزادَةٌ.
التّاجِرُ: وما أدراني أنَّها مزادةٌ، اقْتَرَبَ مِنِّي وفي يَدِهِ شيءٌ فَخِفْتُ أنْ يَقْتُلَني، إنَّهُ كانَ يَكْرَهُني، فَقَدْ كَسَرْتُ يَدَهُ يَوْمًا، وأجْبَرْتُهُ على حَمْلِ الأمْتِعَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِراحَةٍ، وأجْبَرْتُهُ على قَطْعِ النَّهرِ ومُسَدَّسي في ظَهْرِهِ، فَكَيْفَ لا يَكْرَهُني ولا يُريدُ قَتْلي؟! وبِأيِّ حُسْنِ مُعامَلَةٍ سَيُقَدِّمُ لِيَ الماءَ مُؤَثِرًا إيّايَ على نَفْسِهِ؟
القاضي: إذَنْ أنتَ تَعْتَرِفُ بِأنَّ الأجيرَ كانَ على حَقٍّ في كُرْهِهِ إيّاكَ، وأنتَ قَتَلْتَ نَفْسًا بريئَةً، لكِنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَقْدُمُ على ذلِكَ إلَّا لِأنَّكَ لَمْ تَعْرِفْ هَلْ ما يُضْمِرُهُ خَيْرٌ أم شَرٌّ ...
مِثْلُ هذا يَحْدُثُ كثيرًا ...
الشُّعورُ بِالخَوْفِ يُؤَكِّدُ سلامَةَ الإدراكِ، لِهذا يَتَعَذَّرُ عَلَيْكُمْ أنْ تُدرِكُوا القاضي: إذَنْ أنْتَ تَعْتَرِفُ بِأنَّ الأجيرَ كانَ على حَقٍّ في كُرْهِهِ إيّاكَ، وأنتَ قَتَلْتَ نَفْسًا بريئَةً، لكِنَّكَ لَمْ تَكُنْ تُقْدِمُ على ذلِكَ إلَّا لِأنَّكَ لَمْ تَعْرِفْ هَلْ ما يُضْمِرُهُ خَيْرٌ أم شَرٌّ ...
مِثْلُ هذا يَحْدُثُ كثيرًا ...
الشُّعورُ بِالخَوْفِ يُؤَكِّدُ سلامَةَ الإدراكِ، لِهذا يَتَعَذَّرُ عَلَيْكُمْ أنْ تُدرِكُوا أنَّ هذا الأجيرَ كانَ بِمَثابَةِ الاستِثناءِ مِنَ القاعِدَةِ.
التّاجِرُ: يَجِبُ الالتِزامُ بالقاعِدَةِ لا الاستِثناءِ.
القاضي: هذا يُؤَيِّدُ كلامي، فما الَّذي يَدْفَعُ الأجيرَ الكارِهَ السّاخِطَ الَّذي يكادُ يَموتُ عَطَشًا إلى أنْ يَسْقيَ سَيِّدَهُ، وما أدرى التّاجِرُ بِذلِكَ؟!
(يَضْحَكُ التّاجِرُ)
القاضي: رُفِعَتِ الجَلْسَةُ ...
المُمَثِّلونَ (يُنشِدونَ):
هكذا تَنْتَهي ... حِكايَةُ رِحْلَةٍ على نَحْوِ ما رأيْتُمْ وسَمِعْتُمْ،
رأيْتُمْ حادِثًا مألوفًا مِمّا يَقَعُ كُلَّ يومٍ،
ومَعَ هذا فَنَحْنُ نُناشِدُكُمْ أنْ تَكْتَشِفوا الأمرَ الغريبَ وراءَ المألوفِ،
وتَتَبَيَّنوا السِّرَّ الغامِضَ وراءَ ما يَحْدُثُ كُلَّ يَوْمٍ،
تَبَيَّنوا الاستِثناءَ الَّذي يُسْتَرُ خَلْفَ القاعِدَةِ،
وحيثُما بَدا الدّاءُ لَكُمْ فأوجِدُوا لَهُ الدَّواءَ.
(بِتَصَرُّف)
أتَعَرَّفُ نَبْذَةً عَنِ الكاتِبِ
بِيرْتُولْتْ بْرِيخْتْ، شاعِرٌ وكاتِبٌ ومُخْرِجٌ مَسْرَحيٌّ ألمانيٌّ، وهُوَ مِنْ أهَمِّ كُتّابِ المَسْرَحِ العالَميِّ في القَرْنِ العشرينَ. يَسْتَنِدُ مَذْهَبُهُ في المَسْرَحِ إلى إثارَةِ التَّأمُّلِ والتَّفكيرِ لَدى المُشاهِدِ ودَفْعِهِ لِاتِّخاذِ مَوْقِفٍ ورأيٍ مِنْ القَضِيَّةِ المُتَنَاوَلَةِ في العَمَلِ المَسْرَحيِّ؛ فَيَكونُ بِذلِكَ العُنصُرَ الأهَمَّ في تكوينِ العَمَلِ المَسْرَحيِّ؛ لِكَوْنِهِ مُشارِكًا فيهِ. صاغَ بْرِيخْتْ مُصطَلَحًا جديدًا لِلفَنِّ المَسْرَحيِّ وهُوَ المَسْرَحُ المَلْحَميُّ الَّذي يَجْمَعُ بَيْنَ الأدَبِ المَسْرَحيِّ والسَّرْديِّ؛ إذْ غَيَّرَ وظيفَةَ المُمَثِّلِ مِنْ مُؤَدٍّ إلى عُنْصِرٍ إيجابيٍّ يَتَفاعَلُ مَعَ الجُمهورِ ويُخاطِبُهُ بِشَكْلٍ تعليميٍّ.
لَهُ عِدَّةُ أعمالٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وقَدْ تُرْجِمَتْ إلى مُعْظَمِ لُغاتِ العالَمِ. ومِنْ أعمالِهِ المَسْرَحيَّةِ: "دائِرَةُ الطَّباشيرِ القوقازيَّةِ"، و"الأُمُّ شُجاعَةٌ"، و"أوبرا القُروشُ الثَّلاثَةُ"، و"طَبولٌ في اللَّيلِ"، و"الأُمُّ"، وكَمْ يُكَلِّفُ الحديدُ؟"، ومَسْرَحيَّةُ "القاعِدَةُ والاستِثناءُ" الَّتي أُخِذَ مِنْها هذَا النَّصُّ المَسْرَحيُّ.
♦ أستَزيدُ:
المَسْرَحيَّةُ: فَنٌّ أدَبيٌّ يَهْتَمُّ بالمَضْمونِ والعُنْصُرِ الفِكْريِّ الَّذي يَتِمُّ تقديمُهُ لِلجُمهورِ، ويَجْمَعُ بَيْنَ التَّرفيهِ والتَّعليمِ؛ لِيُقَدِّمَ قيمَةً كبيرَةً للمُجتَمَعِ.
ومِنْ عناصِرِ الفَنِّ المَسْرَحيِّ الَّذي يَتِمُّ تمثيلُهُ على خَشَبَةِ المَسْرَحِ: المُمَثِّلونَ، والنَّصُّ المَسْرَحيُّ، والأزياءُ، والمِكياجُ، والإضاءَةُ، والمُؤَثِّراتُ الصَّوتيَّةُ، والموسيقا، والمُخْرِجُ والجُمهورُ.
♦ جَوُّ النَّصّ:
تُسَلِّطُ المَسْرَحيَّةُ الضَّوْءَ على عِدَّةِ أفكارٍ ومَحاوِرَ مِنْها: عَدَمُ إطلاقِ أحكامٍ على الإنسانِ، فَكَأنَّهُ يقولُ: لِكُلِّ ظَرْفٍ وزَمانٍ ومَكانٍ أفكارٌ وأفعالٌ يَجِبُ أنْ تَنْسَجِمَ مَعَ الواقِعِ والأوضاعِ الَّتي نعيشُها؛ فالقاعِدَةُ لَيْسَتْ بالضَّرورَةِ صحيحَةً دائِمًا؛ فَقَدْ يكونُ الاستِثناءُ هُوَ عَيْنَ الصَّوابِ، وعلى القانونِ مُراعاةُ ذلِكَ.
إنَّ فِعْلَ الخَيْرِ أصْبَحَ هُوَ الاستِثناءَ مِنَ القاعِدَةِ في مُجتَمَعٍ يسودُهُ صِراعُ المصالِحِ والطَّبَقاتِ، كَما تَناوَلَتِ الصِّراعَ الطَّبَقيَّ أيضًا.
تدورُ أحداثُ المَسْرَحيَّةِ حَوْلَ تاجِرٍ مُستَغِلٍّ أرادَ المُشارَكَةَ في امتِيازِ التَّنقيبِ عَنِ النِّفْطِ (البترولِ) في الصَّحْراءِ فاسْتَأجَرَ دليلًا فقيرًا - وهُوَ مُرشِدٌ في طريقِ الوصولِ إلى بِئْرِ (البترول) - وأجيرًا (حَمّالًا) ضَعيفًا، ثُمَّ تَتَوالى الأحداثُ بَيْنَ مَدٍّ وجَزْرٍ إلى أنْ يَسْتَغنِيَ التّاجِرُ عَنِ الدَّليلِ فَيَطْرُدَهُ؛ لِمُجَرَّدِ شَكِّهِ في أنَّهُ مُتَآمِرٌ مَعَ الأجيرِ، وعِنْدَما يَشُحُّ الماءُ لَدى التّاجِرِ فَيَكادُ يَموتُ عَطَشًا، يَرْفَعُ الأجيرُ مُزادتَهُ لِيُلقِيَها إلى التّاجِرِ فَيَرْفَعُ التّاجِرُ مُسَدَّسَهُ ويُطلِقُ النّارَ عَلَيْهِ فَيُرديهِ قَتيلًا، فَتَرْفَعُ زَوْجَةُ الأجيرِ دعوى لِلمَحْكَمَةِ الَّتي يَشْهَدُ فيها الدَّليلُ لِصالِحِ الأجيرِ، ولكِنْ هيهاتَ؛ إذْ يَحْكُمُ القاضيُ بِتَبْرِئَةِ التّاجِرِ مِنَ التُّهمَةِ رافِضًا الاسْتِثناءَ مِنَ القاعِدَةِ فَتُصبِحُ القاعِدَةُ هِيَ عُلُوَّ الشَّرِّ والاستِثناءُ هُوَ فِعْلَ الخَيْرِ.
الشَّرح
◘ المَشْهَد الأوَّل:
[المَشْهَدُ الأوَّلُ] بِدايَةُ الطَّريقِ ...
المُمَثِّلونَ: سَنَروي لَكُمْ حِكايَةَ رِحْلَةٍ.
القافِلَةُ تَضُمُّ تاجِرًا واثْنَيْنِ مِنْ أتباعِهِ.
افْتَحُوا عُيونَكُمْ لِتَرَوْا كَيْفَ يَتَصَرَّفونَ.
قَدْ يَبْدو سُلوكُهُمْ شَيْئًا مألوفًا، وعَلَيْكُمْ أنْ تَكْتَشِفُوا غرابَتَهُ وغُموضَهُ، وأنْ تَتَبَيَّنوا المُحالَ مِنْ وراءِ القاعِدَةِ الاعتِياديَّةِ.
لا تَأمَنُوا لِأيِّ إشارَةٍ مَهْما بَدَتْ هَيِّنَةً في ظاهِرِها.
فَتِّشوا عَنْ وَجْهٍ آخَرَ فيها ...
نُناشِدُكُمْ ألَّا تَقولوا: "هذا أمْرٌ طبيعيٌّ" في ما يَعْتَرِضُكُمْ مِنَ الأحداثِ يوميًّا في زَمَنٍ يسودُهُ الاضْطِرابُ.
التّاجِرُ: (مُخاطِبًا رَفيقَيْهِ: الدَّليلَ، والأجيرَ الَّذي يَحْمِلُ أمْتِعَتَهُ): هَيّا، أسْرِعا أيُّها الكُسالى، لا بُدَّ أنْ أسْبِقَ المُنافِسينَ، لا بُدَّ أنْ أحْصُلَ على امْتِيازِ (البترولِ)، يكادونَ يَلْحَقونَ بِنا.
الدَّليلُ لِلأجيرِ: أسْرِعْ ... أسْرِعْ.
التّاجِرُ: صَوْتُكَ لا يُبَشِّرُ بِخَيْرٍ، لَيْتَني دَفَعْتُ أكْثَرَ لِدَليلٍ خَيْرٍ مِنْكَ، لا بَأسَ، هَيّا اضْرِبْ هذا الأجيرَ.
(يَسْمَعُ التّاجِرُ وراءَهُ صَوْتًا يُناديهِمْ، فَيَغْضَبُ)
التّاجِرُ: أيُّها المُغَفَّلانِ، ويُنْشِدُ: سَيْرٌ بِالنَّهارِ وسُرًى بِاللَّيلِ، إنَّ الضَّعيفَ يَظَلُّ في المُؤَخَّرَةِ؛ أمّا القَوِيُّ فَيَبْلُغُ الهَدَفَ.
♦ معاني المُفرَدات:
الكلمة |
المعنى |
مألوفًا |
اعتِياديًّا |
هيِّنةً |
بسيطة |
يَعْتَرِضُكُمْ |
يُواجِهُكُمْ |
يسودُهُ |
الغالِب عَلَيْه |
الاضطِراب |
عَدَمُ الاستِقرار |
• ما سَبَبُ دَعْوَةِ كاتِبِ النَّصِّ إلى عَدَمِ رُؤيَةِ الأحداثِ بِشَكْلٍ طبيعيٍّ؟
لِأنَّ الأحداثَ تَمُرُّ في زَمَنٍ أصبَحَ يسودُهُ الاضطِرابُ.
• ما سَبَبُ دَعْوَةِ التّاجِرِ رفيقَيْهِ لِلإسراعِ في التَّحَرُّكِ؟
لأنَّهُ يُريدُ الفوزَ على المُتَسابِقينَ لِلحُصولِ على امتِيازِ البترول.
• بِرَأيِكَ ما سَبَبُ عَدَمِ ارتِياحِ التّاجِرِ لِصَوتِ الدَّليل؟
في عالَمِ التِّجارَةِ، لا يَثِقُ التُّجّارُ بِأحَدٍ؛ فالتّاجِرُ يرى الجميعَ خَصْمَهُ وعَدَوَّهُ.
◘ المَشْهَد الثّاني:
[المَشْهَدُ الثّاني] في نِهايَةِ الطَّريقِ ....
التّاجِرُ: الحَمْدُ لِلّهِ قَدْ بَلَغْتُ المَحَطَّةَ قَبْلَهُمْ بِيَوْمٍ كامِلٍ.
(شُرطيّانِ يَقْتَرِبانِ مِنَ العَرَبَةِ ...) قائِلَيْنِ: أتَحتاجُ شَيْئًا يا سَيّدي؟
التّاجِرُ: نَعَمْ، لا أحتاجُ إلّا أنْ تُخبِراني ماذا بَعْدَ المَحَطَّةِ؟
(الشُّرطيّانِ وهُما يَضْحَكانِ): صَحْراءُ فَحَسْبْ، لَنْ تَرى فيها أيَّ إنسانٍ.
(لَمْ تَسْتَرِحِ القافِلَةُ فى المَحَطَّةِ، وبَدَأَ القَلَقُ ينتابُ الدَّليلَ)
الدَّليلُ: ثَمَّةَ شيءٌ غَريبٌ لا يُطَمْئِنُ؛ فالتّاجِرُ أصْبَحَ لَطيفًا وَدودًا على غَيْرِ عادَتِهِ، قَدْ يَطْرُدُنا وَسْطَ الصَّحْراءِ.
التّاجِرُ لِلدَّليلِ: لِمَ لا نَسْتَريحُ يا صديقي؟ ففي الرِّحْلَةِ نُصْبِحُ إخْوَةً مُتَحابِّينَ، مَعَ أنَّ الأعرافَ ألَّا يَجْلِسَ السَّيِّدُ مَعَ الدَّليلِ الأجيرِ، فَنَحْنُ نَعيشُ النِّظامَ الَّذي يقومُ على الفوارِقِ.
(الأجيرُ يُخاطِبُ الدَّليلَ وقَدْ ابْتَعَدَا قليلًا): سَمِعْتُ التّاجِرَ يقولُ: إنَّ اسْتِخراجَ الزَّيتِ (البترول) يَخْدِمُ النَّاسَ، فَسَتُمَدُّ السِّكَّةُ الحديديَّةُ ويعيشُ النّاسُ في رفاهيَّةٍ.
الدَّليلُ: لا تَفْرَحْ كثيرًا أيُّها المسكينُ؛ فَلَيْسَ المُهِمُّ راحَتَنا بَلِ المالَ الَّذي يَكْسَبونَهُ.
التّاجِرُ (يُتَمْتِمُ): أرَأيْتُمْ، إنَّهُما يَتَآمَرانِ، ومَنْ يَدْري فَقَدْ يَتَّفِقانِ ضِدِّي.
(يَقْتَرِبُ التّاجِرُ مِنَ الدَّليلِ مُوَبِّخًا): ألَمْ أطْلُبْ مِنْكَ أنْ تَشُدَّ رِباطَ الأحزِمَةِ.
الدَّليلُ : هِيَ لَنْ تَنْقَطِعَ ما دُمْنا لا نَشُدُّها.
التّاجِرُ: بَخٍ بَخٍ؛ أتَرُدُّ عَلَيَّ؟! كُنْتُ أُوشِكُ أنْ أُحسِنَ مُعامَلَتَكَ، لكِنَّ المُعامَلَةَ الطَّيِّبَةَ لا تَنْفَعُ مَعَكُمْ، خُذْ أجْرَكَ فَأنْتَ مَطْرودٌ.
الدَّليلُ لِلأجيرِ: احْذَرْ هذا التّاجِرَ فَهُوَ غَيْرُ مأمونِ الجانِبِ.
الأجيرُ: واحَسْرَتا، فأنا لا أنْتَمي لِنَقابَةٍ مِثْلَكَ، لا بُدَّ أنْ أسْكُتَ وأصْبِرَ.
معاني المُفرَدات:
• لِماذا انتابَ الدَّليلُ القَلَقَ أثناءَ الطَّريقِ؟
لِأنَّ التّاجِرَ قَدْ أحسَنَ مُعامَلَتَهُ على غَيْرِ العادَةِ، فأحَسَّ أنَّهُ مِنَ المُمكِنِ أنْ يرمِيَهُ في الصَّحراء، فَهُوَ لا يُؤتَمَنُ جانِبُهُ.
• ما النِّظامُ الَّذي يسيرُ عَلَيْهِ التّاجِرُ في مُعامَلَتِهِ مَعَ رفيقَيْهِ؟
نظام الفوارق، فلا يَجِبُ أنْ يَجْلِسَ التّاجِرُ مَعَ أجيرِه.
• أكْمِلِ الجَدْوَلَ الآتي بِما هُوَ مَطْلوب:
حَرْف يُفيدُ التَّحقيقَ |
لا النّافِية |
أُسلوب استِفهام |
اسم لكِنَّ |
نعت منصوب |
مُثَنّى |
قَدْ بَلَغْتُ |
لا يَطْمَئِنُّ |
أتَرُدُّ عَلَيَّ؟ |
المُعامَلَةَ |
الطَّيِّبَةَ |
شُرطِيّانِ |
◘ المَشْهَد الثّالِث:
[المَشْهَدُ الثّالِثُ] حِوارٌ في طريقٍ خَطِرٍ ...
الأجيرُ (يُغَنّي): نَحْنُ في الطَّريقِ إلى هُناكَ،
وأنا أسيرُ إلى أورجا (المكانِ المَنْشودِ)،
واللُّصوصُ لا يَعْرِفُونَ مكاني،
ولا الصَّحْراءُ تُفَرِّقُ بَيْنَنا،
في أورجا سَأقْبِضُ أجْري،
وأعْرِفُ طَعْمَ الأكْلِ.
التّاجِرُ (مُتَعَجِّبًا): أتُغَنِّي ونَحْنُ في طريقِ خَطِرٍ؟ ماذا يَهُمُّكَ؟ المالُ لَيْسَ مالَكَ واللُّصوصُ لَنْ يأبَهوا بِكَ ... يا لَكُمْ مِنْ بَشَرٍ لا يَكْتَرِثونَ.
معاني المُفرَدات:
الكلمة |
المعنى |
يَأبَهوا |
يَهْتَمّوا |
يَكْتَرِثونَ |
يَهْتَمّونَ |
المَنْشود |
المَقْصود |
• لِمَ تَعَجَّبَ التّاجِرُ مِنَ الأجير؟
لأنَّهُ يُغَنّي وهُمْ يَمْشونَ في طريقٍ خَطِرٍ مَمْلوءٍ بِقُطّاعِ الطُّرُقِ واللُّصوصِ فَهُمْ يَحْمِلُونَ بِضاعَةً ومالًا.
◘ المَشْهَد الرّابِع:
[المَشْهَدُ الرّابِعُ] أمامَهُمْ نَهْرٌ ...
التّاجِرُ: أيُّها الأجيرُ لا بُدَّ أنْ تَسْبَحَ، كِلانا سَيَقْطَعُ النَّهْرَ مَعْ أنَّنا مِنْ طَبَقاتٍ مُتَفاوِتَةٍ.
(يَرْتَجِفُ الأجيرُ خائِفًا لا تَحْمِلُهُ قَدَماهُ ولا يَجْرُؤُ على السِّباحَةِ)
التّاجِرُ: سَأُثَبِّتُ مُسَدَّسي في ظَهْرِكَ وسَنَرى إنْ كُنْتَ سَتَعْبُرُ النَّهْرَ.
(يَدْفَعُ الأجيرَ أمامَهُ وهُما يَعْبُرانِ النَّهْرَ)
يُنْشِدُ التّاجِرُ:
كُتِبَ المَوْتُ على الضَّعيفِ، كَما كُتِبَ القِتالُ على القَوِيِّ،
تِلْكَ سُنَّةُ الحياةِ،
ضَرْبَةُ يَدٍ لِلقَوِيِّ وضَرْبَةُ قَدَمٍ لِلضَّعيفِ.
(يكادُ التّاجِرُ يموتُ عَطَشًا فَيَمُدُّ الأجيرُ يَدَهُ إلى المزادَةِ (الزَّمْزميَّةِ) الَّتي أعطاهُ الدَّليلُ إيّاها عِنْدَ طَرْدِهِ)
يَرْتَعِبُ التّاجِرُ: أتُريدُ أنْ تَقْتُلَني بِالحَجَرِ الَّذي أعطاكَ إيّاهُ الدَّليل؟
(يَسْحَبُ التّاجِرُ مُسَدَّسَهُ ويُطْلِقُ بِاتِّجاهِ الأجيرِ)
• ما السَّبَبُ الَّذي جَعَلَ الأجيرَ يَسْبَحُ ويَقْطَعُ النَّهْرَ بَعْدَ أنْ كانَ خائِفًا؟
عِنْدَما وَضَعَ التّاجِرُ مُسَدَّسَهُ في ظَهْرِهِ.
• بِمَ تُفَسِّرُ مَدَّ الأجيرِ يَدَ العَوْنِ إلى التّاجِرِ بِإعطائِهِ ماءَهُ؟
شَخْصٌ يُقابِلُ الإساءَةَ بِالإحسانِ. ولا يَحْمِلُ حِقْدًا في قَلْبِهِ.
• بِمَ تُفَسِّرُ إطلاقَ التّاجِرِ النّارَ على الأجيرِ لِمُجَرَّدِ أنْ حَرَّكَ يَدَهُ؟
شَخْصٌ لا يَثِقُ بِأحَدٍ على الإطلاقِ والغَدْرُ في دَمِهِ.
◘ المَشْهَد الخامِسُ:
[المَشْهَدُ الخامِسُ] الانتِقالُ إلى المُحاكَمَةِ
(بَعْدَ الجريمَةِ يأتي دَوْرُ المَحْكَمَةِ،
وعِنْدَما يَسْقُطُ البريءُ مُضَرَّجًا بِدِمائِهِ،
يَلْتَفُّ القُضاةُ حَوْلَ جُثَّتِهِ لِيُحاكِموهُ)
زوجَةُ الأجيرِ: لَقَدْ حَمَلَ زوجي القتيلُ أمْتِعَةَ هذا التّاجِرِ وفي الصَّحْراءِ قَتَلَهُ، لا بُدَّ مِنْ مُعاقَبَتِهِ.
التّاجِرُ: (مَدَّ يَدَهُ وبِها حَجَرٌ) كانَ يُريدُ أنْ يَقْتُلَني، فدافَعْتُ عَنْ نَفْسي وأطْلَقْتُ عَلَيْهِ النّارَ.
القاضي: وما أدراكَ أنَّهُ حَجَرٌ؟
الدَّليلُ: لَمْ يَكُنْ حَجَرًا، بَلْ كانَتْ مُزادَةً أنا أعطيتُ إيّاها.
القاضي: ومَنْ يَشْهَدُ؟
قائِدُ الرِّحْلَةِ: كُنّا مُتَخَلِّفينَ وراءَهُمْ، ولَمّا وَصَلْنا وَجَدْنا الأجيرَ وبِيَدِهِ مزادَةٌ.
التّاجِرُ: وما أدراني أنَّها مزادةٌ، اقْتَرَبَ مِنِّي وفي يَدِهِ شيءٌ فَخِفْتُ أنْ يَقْتُلَني، إنَّهُ كانَ يَكْرَهُني، فَقَدْ كَسَرْتُ يَدَهُ يَوْمًا، وأجْبَرْتُهُ على حَمْلِ الأمْتِعَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِراحَةٍ، وأجْبَرْتُهُ على قَطْعْ النَّهرِ ومُسَدَّسي في ظَهْرِهِ، فَكَيْفَ لا يَكْرَهُني ولا يُريدُ قَتْلي؟! وبِأيِّ حُسْنِ مُعامَلَةٍ سَيُقَدِّمُ لِيَ الماءَ مُؤَثِرًا إيّايَّ على نَفْسِهِ؟
القاضي: إذَنْ أنتَ تَعْتَرِفُ بِأنَّ الأجيرَ كانَ على حَقٍّ في كُرْهِهِ إيّاكَ، وأنتَ قَتَلْتَ نَفْسًا بريئَةً، لكِنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَقْدِمُ على ذلِكَ إلَّا لِأنَّكَ لَمْ تَعْرِفْ هَلْ ما يُضْمِرُهُ خَيْرٌ أم شَرٌّ ...
مِثْلُ هذا يَحْدُثُ كثيرًا ...
الشُّعورُ بِالخَوْفِ يُؤَكِّدُ سلامَةَ الإدراكِ، لِهذا يَتَعَذَّرُ عَلَيْكُمْ أنْ تُدرِكُوا القاضي: إذَنْ أنْتَ تَعْتَرِفُ بِأنَّ الأجيرَ كانَ على حَقٍّ في كُرْهِهِ إيّاكَ، وأنتَ قَتَلْتَ نَفْسًا بريئَةً، لكِنَّكَ لَمْ تَكُنْ تُقْدِمُ على ذلِكَ إلَّا لِأنَّكَ لَمْ تَعْرِفْ هَلْ ما يُضْمِرُهُ خَيْرٌ أم شَرٌّ ...
مِثْلُ هذا يَحْدُثُ كثيرًا ...
الشُّعورُ بِالخَوْفِ يُؤَكِّدُ سلامَةَ الإدراكِ، لِهذا يَتَعَذَّرُ عَلَيْكُمْ أنْ تُدرِكُوا أنَّ هذا الأجيرَ كانَ بِمَثابَةِ الاستِثناءِ مِنَ القاعِدَةِ.
التّاجِرُ: يَجِبُ الالتِزامُ بالقاعِدَةِ لا الاستِثناءِ.
القاضي: هذا يُؤَيِّدُ كلامي، فما الَّذي يَدْفَعُ الأجيرَ الكارِهَ السّاخِطَ الَّذي يكادُ يَموتُ عَطَشًا إلى أنْ يَسْقيَ سَيِّدَهُ، وما أدرى التّاجِرُ بِذلِكَ؟!
(يَضْحَكُ التّاجِرُ)
القاضي: رُفِعَتِ الجَلْسَةُ ...
المُمَثِّلونَ (يُنشِدونَ):
هكذا تَنْتَهي ... حِكايَةُ رِحْلَةٍ على نَحْوِ ما رأيْتُمْ وسَمِعْتُمْ،
رأيْتُمْ حادِثًا مألوفَا مِمّا يَقَعُ كُلَّ يومٍ،
ومَعَ هذا فَنَحْنُ نُناشِدُكُمْ أنْ تَكْتَشِفوا الأمرَ الغريبَ وراءَ المألوفِ،
وتَتَبَيَّنوا السِّرَّ الغامِضَ وراءَ ما يَحْدُثُ كُلَّ يَوْمٍ،
تَبَيَّنوا الاستِثناءَ الَّذي يُسْتَرُ خَلْفَ القاعِدَةِ،
وحيثُما بَدا الدّاءُ لَكُمْ فأوجِدُوا لَهُ الدَّواءَ.
(بِتَصَرُّف)
• ما الَّذي تَسْتَنْتِجُهُ مِنَ المَسْرَحيَّةِ خاصَّةً المَشْهَد الخامِس والأخير؟
لا يُوجَدُ ما يُسَمّى العَدْل والقضاء النَّزيه في هذا العالَم.