استماع (موسى عليهِ السَّلامُ والخضرُ )
في يومٍ منّ الأيامِ وقفَ نبيُّ اللهِ موسى يخطُّبُ في بني إسرائيلَ، فقالَ لهُ رجلٌ: يا موسى، منْ أعلمُ أهلِ الأرضِ؟ فقالَ موسى: أنا، فعَتَبَ اللهُ تعالى عليهِ؛ لأنَّهُ لمْ يَرُدَّ العلمَ إليهِ، ثمَّ أمرَهُ أنْ يذهبَ إلى رجلٍ عندَهُ علمٌ، ليسَ عندَ موسى، إنّهُ الخضرُ، ذلكَ العبدُ الصّالحُ الّذي يجولُ في البلادِ يدعو العبادَ إلى عبادةِ ربِّ العبادِ.
أسرعَ موسى والشّوقُ يملأُ قلبَهُ للقاءِ هذا العبدِ المؤمنِ الّذي علّمَهُ اللهُ منَ العلمِ مالمْ يعلّمْهُ لهُ، فنادی غلامَهُ وبدأتِ الرّحلةُ العلميّةُ، فقالَ الخضرُ لموسى: إنّي على علمٍِ، علّمنيَ اللهُ ما لا تعلمهُ أنتَ، وأنتَ على علم علّمكَ اللهُ إيَاهُ، لا أعلمهُ أنا، وإنّكَ لنْ تستطيعَ الصّبرَ على ما ترى، وكيفَ تصبرُ على علمِ لا تعرفُ عنهُ شيئًا؟
- فقال موسى: سأصبرُ، ولنْ أعصيَ أمركَ.
- قال: إنِ اتّبعتني فلا تسألْني عنْ شيءٍ، وأنا سأخبركَ الحكمةَ في وقتٍ لاحقٍ.
كانَ هذا هوَ الشّرطَ الَذي قبلَهُ موسى، ومضى العبدُ الصّالحُ والنّبيُّ المرسَلُ، وأُّ رحلةٍ أجملُ منْ رحلةِ الطّالبُ فيها نبيٌّ، والمعلّمُ عبدٌ صالحٌ.
انطلقَ موسى والخضرُ حتّى وصلا الشّاطئَ، فمرّتْ سفينةٌ، فنادى الخضرُ عليهمْ فعرفوهُ، وركبَ معهمْ هوَ وموسى، وقبلوا أنْ يحملوهُما معهمْ بغيرِ أجرةٍ، وقال الخضرُ لموسى: إنَّ علمي وعلمَكَ وعلمَ النّاسِ جميعًا في علمِ اللهِ مثلُ نقرةِ العصفور في البحرِ.
وحينَ كانَ أصحابُ السّفينةِ منشغلينَ بالصّيدِ، إذا بالخضرِ يقصدُ إلى لوحِ من الألواح فيخلعهُ، ثارَ موسى وهاجَ وقالَ:
قومٌ حملونا بغيرٍِ نَوْلٍ، تخلعُ لوحًا منْ سفينتهمْ فتَخرقُها، لتغرقَّ أهلَها؟ نظرَ الخضرُ بطمأنينةٍ وسكينةٍ وقالَ: ألمْ أقلْ لكَ إنّكَ لنْ تستطيعَ معيَ صبرًا؟ فتذكّرَ موسى العهدَ الّذي قطعهُ على نفسهِ فلا سؤالَ ولا اعتراضَ، فقال: لا تؤاخذْني بما نسيتُ.
نزلَ الخضرُ وموسى من السّفينةِ إلى قريةٍ منَ القرى، فوجدا صبيانًا يلعبونَ ويمرحونَ، فإذا بالخضرِ يختارُ صبيًّا ويقتلُهُ.
فصرخَ موسى: أقتلتَ نفسًا زكيّةً بغيرٍ نفسٍ؟ فنظرَ الخضرُ إلى موسى وقالَ: ألمْ أقل لكَ لنْ تستطيعَ معيَ صبرًا؟
شعرَ موسى بالخجلِ؛ فقدْ أخلَّ بالشّرطِ للمرّةِ الثّانيةِ،
وتابَعا المسيرَ حتّى وصلا قريةً من القرى، شعرا بالجوعِ فطلبا منْ أهلِها الطّعامَ، لكنّهمْ رفضوا، ورأى الخضرُ جدارًا أوشكَ على السّقوطِ، فقالَ لموسى: ساعدْني في بنائِه فساعدَهُ، ولمّا أنهيا البناءَ قالَ موسى: قومٌ طلبْنا منهمُ الطّعامَ فرفضوا، لوْ شئتَ لاتّخذْتَ على فعلِنا أجرًا، فقال الخضرُ: هذا فراقُ بيني وبينِك، سأعلّمُكَ ممّا علّمَنيَ اللهُ.
قال تعالى: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانتْ لِمَسَكِينَ يَعْمَلُونَ في الْبَحْرِفَاَردتُ أَنْ أَعِيِبَهَا وَكَانَ وَرَآةَهُم مَّلِكُ يَأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٣٠) وَأَمَّا الْغُلَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُرمُؤْمِنينٍ فَخَشِينَاً أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَنًا وَكُفْرَا ٥ فَأَرَدْنا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُهُمَا خَيْرا مِنْهُ زَكَوةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٩ وَأَمَّا الِْجِدَارُ فَكَانَ لِعُلَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ، كَنزُ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوُهُمَا صَلِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدهُمَا وَيَسْتَخْرجا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبك وَمَا فَعَلْتهُ عَنْ أَمْرِئَّ ذَلِكَ تأْوِيلُ مَالَمْ تَسْطِع علَيه صَبْرًا (٨)»: سورة الكهف.