الحوار من أهم أدوات التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي بين الناس، ومن ثمار الحوار التفاهم والتعاون والوصول للحقائق، وحتى تتحقق هذه الثمار لا بد من أن تنتشر ثقافته وتزداد بين أفراد المجتمع كافة، ومؤسساته كلها.
أولا: مفهوم الحوار
أسلوب تواصل يمارسه الأفراد في تبادل الآراء والأفكار بهدف الوصول إلى الصواب وفق ضوابط وأسس سليمة.
ثانيا: دور مؤسسات المجتمع في تنمية ثقافة الحوار
نشر ثقافة الحوار في المجتمع ضرورة ملحة، لأنّ ضعف ممارسة هذه الثقافة لها مظاهر سلبية، كالتعصب والتطرف والقطيعة وانتشار العداوة بين الناس والجرائم وانتشار العنف والإرهاب.
ولا بد من تكاتف مؤسسات المجتمع (الأسرة، المسجد، المؤسسات التعليمية، الإعلام، النوادي والملتقيات)، جميعها لغرس ثقافة الحوار وتعزيزها وتنميتها، وفي ما يأتي بيان دور المؤسسات المختلفة في ذلك.
1- الأسرة
هي أول بيئة اجتماعية ينشأ فيها الإنسان، فإذا تربى فيها الفرد على ممارسة الحوار كوسيلة للتواصل يصبح ذلك عادة عنده وطبعا له.
وقد كان رسول الله ﷺ يحاور زوجاته وأفراد أسرته في ما كان يعترض لهم من أمور، ومن ذلك:
حديثه مع زوجته خديجة رضي الله عنها في أعظم وأجل حدث وقع له عندما نزل عليه الوحي في غار حراء، ورجع إلى بيته، وأخبرها بما حدث له، فقالت له خديجة رضي الله،" والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
ومعنى وتحمل الكل: أي تعين الضعيف.
وتكسب المعدوم: أي تساعد الفقير.
وتقري الضيف : أي تطعم الضيف.
فعملت أم المؤمنين رضي الله عنها على التخفيف من روع النبي ﷺ وتثبيته على الحق، وتبشيره أنّه النبي المنتظر مستدلة بما اتصف به النبي ﷺ من مكارم الأخلاق وطيب الأفعال.
ومن فوائد هذا الأسلوب من الحوار :
- يعزز مشاعر المحبة داخل الأسرة، بما يقدمه من دعم نفسي لأفرادها.
- يؤدي إلى تماسك الأسرة واستقرارها، لتقوم بواجبها في المجتمع على أفضل وجه.
وعلى الوالدين أن يكونا قدوة لأبنائهما في ذلك ( ممارسة الحوار ) عن طريق ما يأتي:
- إقامة الجلسات الحوارية المستمرة داخل الأسرة مع الزوجة والأبناء، للتشاور بين أفراد الأسرة في ما يطمحون إليه من آمال، وما يواجهون من قضايا وهموم، ويشتركون جميعا في تقديم الحلول والمقترحات في هذه المسائل.
- التزام الأبوين بأسلوب الحوار في ما بينهما، فالأبناء يقلدون آباءهم في سلوكهم، وعلى الآباء أيضا ملاحظة أسلوب الحوار بين الأبناء، فيوجهونهم نحو الأفضل في حوارهم لبعضهم .
- إصغاء الأبوين لأبنائهم إصغاء جيدا، وعدم مقاطعة كلامهم، وقبول آرائهم إن كانت صوابا، بلا تعصب لرأيهما، وتصويبها إن كانت خطأ.
2- المسجد
للمسجد دور أساسي في حياة المسلم، لأن الناس يجتمعون فيه عند كل صلاة، ويتبادلون فيه الآراء، ويتلقون التوجيه والإرشاد نحو قيم الإسلام ومبادئه العظيمة.
ويمكن للمسجد أن ينمي ثقافة الحوار عن طريق ما يأتي:
- اختيار موضوعات الخطب والمواعظ التي تنمي ثقافة الحوار.
- اختيار أسلوب الخطاب الحواري في المواعظ والدروس التي تلقى في المسجد، عن طريق:
- سماع الإمام أسئلة الحضور وإصغاؤه لهم.
- والتزام الواعظ والمصلين آداب الحوار.
- والتحاور بأدلة واضحة ومقنعة من غير جدال ولا تعصب لرأي أو مذهب .
- عقد المجالس العلمية داخل المسجد، واحترام اختلاف وجهات نظر المصلين في المسائل المتنوعة.
فإذا قام المسجد بالمهمة المطلوبة منه في تنمية ثقافة الحوار، فإن أثر ذلك يظهر في :
- تعزيز الروابط الإيمانية والاجتماعية بين أفراد المجتمع .
- والمحافظة على وحدتهم.
3- المؤسسات التعليمية
تسهم المؤسسات التعليمية ( المدارس والجامعات) في تكوين شخصية الإنسان عن طريق:
- تزويده بالعادات السلوكية الحسنة.
- وتعليمه مهارات التواصل والحوار مع الآخرين.
وينبغي أن تقوم هذه المؤسسات بمهمتها في تنمية ثقافة الحوار بين أطراف العملية التعليمية جميعها، ومن وسائل ذلك:
أ- اتباع المدرسين أساليب الحوار الهادفة في التدريس.
ب - تشجيع المتعلمين على إبداء الرأي بأدب واحترام.
ج- عقد الجلسات الحوارية التدريبية بين أطراف العملية التعليمية.
د- تضمين المناهج التعليمية أسلوب الحوار في عرض المادة العلمية.
هـ - مشاركة الطالب في الموضوعات المطروحة للنقاش، وتقبل رأي غيره إذا ظهر أنه صواب .
وقد استخدم العلماء المسلمون من السلف الصالح أسلوب الحوار في مناقشاتهم العلمية، ومن ذلك:
ما دار بين الإمام أحمد بن حنبل والإمام الشافعي حول حكم تارك الصلاة تكاسلا، وذلك بأن الإمام أحمد يرى أنه غير مسلم، والإمام الشافعي يرى أنه مسلم مرتكب لمعصية كبيرة.
فدار الحوار الآتي بينهما: قال الشافعي: يا أحمد أتقول إنه غير مسلم؟ قال: نعم، قال الشافعي: إذا كان غير مسلم، فبِمَ يُسلم؟ قال أحمد: يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال الشافعي: فتارك الصلاة يقول ذلك دائما؟ قال أحمد: يسلم بأن يصلي، قال الشافعي صلاة غير المسلم لا تصح، ولا يحكم بالإسلام بها. فانقطع الإمام أحمد عن الكلام وسكت، فلم يعنف أحدهما الآخر، وحفظ كل منهما للآخر مكانته، بلا عناد أو تشدد .
4- الإعلام
للإعلام أثر كبير في نشر ثقافة الحوار وذلك عن طريق ما يأتي:
- الموضوعية والحياد في نقل الأخبار والأحداث وغيرها.
- عقد الندوات والمؤتمرات الملتزمة بأسلوب الحوار وآدابه وذلك عن طريق:
- توجيه الأسئلة وتوزيعها على الحضور.
- واحترام الرأي الآخر.
- واستخدام الأدلة المقنعة في الحوار.
- استخدام التمثيل في غرس ثقافة الحوار وتعزيزها:
وذلك من خلال عرض بعض المسلسلات التي تتبنى مشكلة، مستخدمة أسلوب الحوار في حلها، ومظهرة آثار التعصب والعنف السيئة في الفرد والمجتمع.
- التزام آداب الحوار في البرامج الحوارية النقاشية. وعدم استخدام أساليب الشتم والسب والصراخ.
5- النوادي والملتقيات
وهي من المؤسسات الاجتماعية التي يرتادها الأفراد للثقافة أو للترفيه عن النفس، وفيها تتكون علاقات اجتماعية بين الناس.
ولهذه المؤسسات أثر في غرس ثقافة الحوار عن طريق ما يأتي:
- عقد الدورات التدريبية حول أهمية الحوار وأسلوبه وآدابه.
- عقد الندوات حول القضايا التي تهم المجتمع ومشاركة الأفراد فيها.
- ملاحظة القائمين على هذه المؤسسات أسلوب التعامل بين الأعضاء وتوجيههم نحو تقبل بعضهم بعضا، وحل خلافاتهم بالحوار الذي يصل بهم إلى الحق، بعيدا عن استخدام العنف وسيلة لذلك.