مقدّمة:
- في عصر النبوة كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المرجع للمسلمين في كل ما يشكّل عليهم في شؤون دينهم ودنياهم.
- وفي العصور بعده دخل كثير من الناس في الإسلام، واستجدّت بعض المسائل والوقائع، ما أدّى إلى حاجة النّاس إلى الاجتهاد لمعرفة الحكم الشّرعي، فاتّسعت دائرة الاجتهاد، وكثر العُلماء الذين وصلوا إلى درجة الاجتهاد, وأشهر هؤلاء أربعة، هم:
- أبو حنيفة النعمان.
- مالك بن أنس.
- محمد بن إدريس الشافعي.
- أحمد بن حنبل.
- واعتمد جميع الفقهاء في استنباط الحكم الشرعي على:
- الكتاب.
- والسّنة.
- والإجماع.
- والاجتهاد في ضوء:
- مقاصد الشريعة.
- والقواعد المستنيطة من الكتاب والسّنة.
أولاً: أبو حنيفة النعمان
- وُلِد أبو حنيفة في الكوفة سنة 80 هـ ،وتوفيّ في بغداد سنة 150هـ، وينسب إليه المذهب الحنفي.
- كان أبو حنيفة يجمع بين العلم والعمل، فقد كان تاجراً يبيع القماش.
- وكان أمينا شديد الورع، ففي يوم جاءته امرأة بثوب تريد بيعه له، فقال لها: بكم تبيعينه؟ قالت: بمئة درهم، قال لها: هو خير من ذلك، قالت: بمئتين، قال: و خير من ذلك، قالت: بثلاثمئة، قال: هو خير من ذلك، قالت: بأربعمئة، قال: هو خير من ذلك، وأنا آخذه بأربعمئة، حتى أربح به.
- واتّصف الإمام أبو حنيفة بالحلم والأناة، فمرّة قال رجل لأبي حنيفة: اتق الله! فانتفض واصفرّ، وقال: جزاك الله خيرًا، ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا!
- وكان رحمه الله تعالى شديد البر بوالديه ويحترم أساتذته، وكان يقول: "ما صليت صلاة منذ مات حمّاد (شيخه) إلّا استغفرت له مع والدي، إني لأستغفر لمن تعلّمت منه علمًا أو علّمته عِلمًا.
- وحرص أبو حنيفة رحمه الله على حسن المظهر، فكان كثير العناية بثيابه كثير التطيّب، حسن الهيئة يحث من يلاقيه على العناية بملبسه وسائر مظهره، مذكرًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ اللهَ يحبُّ أنْ يَرَى أثرَ نِعَمِهِ عَلِى عَبْدِه).
- وكان شغوفًا بطلب العلم فقيهًا عالمًا، فقد قال عنه الإمام الشافعي: (الناس عيالٌ على أبي حنيفة في الفقه).
- من أشهر تلاميذ الإمام أبي حنيفة، القاضي أبو يوسف، الإمام محمد بن الحسن.
ثانياً: مالك بن أنس
- وُلِد في المدينة المنورة سنة 93 هـ، وتوفي فيها سنة 179 هـ، وينسب إليه المذهب المالكي.
- لزم الإمام مالك المدينة المنورة ولم يفارقها إلا لأداء فريضة الحج، وهذا مكّنه من الإحاطة بكثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم وآثارهم التي جمعها في كتابه (الموطأ).
- ومن أبرز تلاميذ الإمام مالك رحمه الله: عبد الرحمن بن القاسم.
ثالثاً: محمد بن إدريس الشافعي
- وُلِد في غزة سنة 150هـ، وتوفي في مصر سنة 204 هـ، وينسب إليه المذهب الشافعيّ.
- حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين.
- وكان تقيًا زاهدًا متواضعًا، مع كثرة علمه وتنوّعه.
- رحل الإمام الشافعي إلى المدنية المنوّرة، فتلقى الحديث والفقه على يد الإمام مالك بن أنس.
- ثم رحل إلى العراق لأخذ العلم عن تلاميذ أبي حنيفة.
- وقد انتهى به المقام في مصر، حيث توفيّ هناك.
- قال الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الشافعيّ: (إنه كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلفٍ، أو منهما عوضٌ)؟.
- من أشهر تلاميذ الإمام الشافعيّ: إسماعيل بن يحيى المُزنيّ، ويوسف بن يحيى البوطيّ.
- ومن كتب الإمام الشافعيّ: كتابه (الأم) في الفقه، وكتابه (الرسالة) في أصول الفقه.
رابعًا: أحمد بن حنبل
- وُلِد في بغداد سنة 164هـ، وتوفيّ فيها سنة 241هـ، وينسب إليه المذهب الحنبليّ.
- اشتهر الإمام أحمد بعلمه وحفظه الغزير.
- وكان معروفًا بالأخلاق الحسنة كالصبر والتّواضع والتّسامح.
- أثنى عليه كثيرٌ من العلماء، منهم الإمام الشافعيُّ بقوله: (خرجتُ من بغدادَ وما خلفت بها أحدًا أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل).
- ويعدّ كتابه (المُسند) من أشهر كتب الحديث النبويّ الشريف.
- واستمرَّ بطلب العلم حتى مات، وقد شوهد على كبر سنه وهو يجوب البلاد يجمع الحديث الشّريف، فقيل له: يا أحمد هذا على كبر سنّك؟ فقال:(نعم، مع المحبرة إلى المقبرة).
- ومن أشهر تلاميذه: ولداه: صالح وعبدالله.
خامسًا: موقف الفقهاء من التّعصب للرّأي
أجمع الأئمة الأربعة على عدم التّعصب لآرائهم، إذا تبين لهم أن الحق في غيرها، وممّا رُوي عنهم في ذلك ما يأتي:
- قول أبي حنيفة رحمه الله: (هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي خير منه قبلناه).
- قول الشّافعي رحمه الله: (إنما أنا بشر أصيب وأُخطئُ، فاعرضوا قولي على الكتاب والسّنة).
- قول مالك رحمه الله: (رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
القيم المستفادة من الدّرس
- أقدّر دور العلماء الفقهاء في استخراج الأحكام الشّرعية.
- لا أتعصّب لرأيي، وأنول على رأي غيري إذا كان صوابًا.
- لا أتسرّع في إصدار الحكم الشّرعي في المسألة، بل لابد من الرجوع إلى رأي الفقهاء فيها.