نص الحديث النبوي الشريف :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحاسَدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا - عباد الله - إخوانًا، المسلم أخو المسلم: لا يظلِمه، ولا يخذُله، ولا يحقِره، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضه)؛ رواه مسلم.
** راوي الحديث : الصحابي الجليل أبوهريرة رضي الله عنه
أولا : المفردات والتراكيب :
تدابروا : يقاطع بعضكم بعضا يخذله : يتخلى عنه ويترك معونته يحقره : يستصغره ويقلل من شأنه
ثانيا : شرح الحديث النبوي الشريف :
- أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يكونوا إخوة متحابين وأن يعمل كل واحد منهم لمصلحة المجتمع
- ولتحقيق ذلك حذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من ممارسات وأخلاقيات عدة تؤثر على المجتمع وفي العلاقات بين أفراده وهي :
( الحسد / التناجش / البغضاء / التدابر / البيع على البيع / الظلم / الخذلان / التحقير / الاعتداء على الناس )
1 * الحسد : ( لا تحاسَدوا )
- الحسد : تمني زوال النعمة عن الآخرين
- وهو محرم شرعا لما فيه من اعتراض على قدر الله تعالى فيما أنعم على الناس من نعمه
2 * التناجش : ( لا تناجشوا )
- التناجش : هو الزيادة في ثمن السلعة لا بقصد شرائها ولكن ليخدع الناس بذلك
- وهو حرام شرعا لأن فيه غشا وخداعا وأكلا لأموال الناس بالباطل وهو بذلك يؤدي إلى العداوة بينهم
- ومثال ذلك : ما يحدث في بعض المزادات العلنية عندما يتفق البائع الذي يعرض السلعة مع شخص أن يزيد في سعرها كلما وضع لها أحد الحاضرين سعرا معينا ، فإن قال أحدهم أنا أشتريها بمئة ، زاد ذلك الشخص فقال مثلا : أشتريها بمئة وخمسين ، فهو فعليا لا يريد شراءها ولكن حتى يخدع المشترين ، ويضطروا إلى رفع سعر السلعة أكثر من مئة وخمسين ليحوزوا عليها
3 * البغضاء : ( ولا تباغضوا )
- حثّ الإسلام على المودة والألفة بين الناس
- وحرم كل ما يؤدي إلى الكراهية بينهم كالسب أو الشتم أو الغيبة أو النميمة أو الظلم أو الغش
- فهذه الأمور تعكر صفو الأخوة وتنشر الكراهية بين الناس
4 * التدابر : ( ولا تدابروا )
- حرص الإسلام على دوام التواصل مع الآخرين
- ونهى عن المقاطعة لأنها تضعف العلاقات بين الناس وتؤدي إلى الكراهية
- قال صلى الله عليه وسلم ( لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )
5 * البيع على البيع : ( ولا يبِعْ بعضكم على بيع بعضٍ )
وله صورتان :
- أن يتفق اثنان على أن يبيع أحدهما للآخر سلعة ، فيأتي بائع آخر ليفسد هذا البيع ، فيقول للمشتري : أنا أبيعك مثلها بأنقص من هذا الثمن ، أو أبيعك خيرا منها بهذا الثمن
- أن يتفق اثنان على أن يبيع أحدهما للآخر سلعة معينة ، فيأتي مشتر آخر ليفسد هذا البيع فيقول للبائع : أنا أشتريها منك بأكثر من هذا الثمن
- والبيع على البيع حرام شرعا لأنه يؤدي إلى إلحاق الضرر بالناس ونشر العداوة بينهم
6 * الظلم : ( وكونوا - عباد الله - إخوانًا، المسلم أخو المسلم: لا يظلِمه )
- الظلم :هو تجاوز الحدّ والاعتداء على حقوق الآخرين ، سواء كان هذا الاعتداء عليهم باللسان أو باليد أو بالاعتداء على أموالهم أو أعراضهم أو غير ذلك
7 * الخذلان : ( ولا يخذُله )
- الخذلان : هو التخلّي عن نصرة أخيه ومعونته
- يجب على المسلم أن ينصر أخاه ويعينه إذا استعان به ويقف إلى جانبه ليرفع عنه الظلم
- ولكن هذا لا يعني أن يعينه على الباطل وينصره لقرابة أو صداقة أو مصلحة دنيوية
- قال صلى الله عليه وسلم ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هذا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكيفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ. ) أي تنصحه وتمنعه من ظلمه
8 * التحقير : ( ولا يحقِره )
- لا يجوز للمسلم أن يستهين بالآخرين أو يقلل من شأنهم ، لفقرهم أو نسبهم أو لونهم أو مهنتهم أو لأي سبب آخر
** ( التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم )
- ثم إن الحديث الشريف بين أن ميزان التفاضل بين الناس هو : تقوى الله تعالى والعمل الصالح ، وليس النسب أو المال أو البلد ، قال الله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )
- والتقوى محلها القلب كما بين النبي صلى الله عليه وسلم عندما أشار إلى صدره ، وقال : ( التقوى ههنا )
- ولا يطلع عليها أحد إلا الله تعالى
- وهي التي تدفع صاحبها إلى حسن الخلق والسلوك وتمنعه من أمراض القلوب كالحسد والبغضاء
- وهي المقياس الذي يحاسب الله به عباده ويحكم عليهم بمقتضاه
9 * الاعتداء على الناس : ( كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضه )
- جعل الإسلام لدماء الناس وأعراضهم وأموالهم حرمة عظيمة ووضع من التشريعات ما يضمن لهم هذه الحقوق
** وهذه الأمور التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم لا تقتصر على المسلمين كما هو ظاهر الحديث ، بل تشمل الناس كافة كما دلّت على ذلك أحاديث أخرى
*** وخص الحديث عن المسلمين لأنهم هم المخاطبون في الحديث وهم أغلب المجتمع والأكثر التزاما بالهدي النبوي ، فأراد منهم أن يتربوا على هذه الأخلاق ثم بعد ذلك ينشروها بين الناس