الدراسات الإسلامية فصل أول

التوجيهي أدبي

icon

أنزل الله تعالى القرآن الكريم هداية للناس، وتعددت أساليبه في الدعوة، فكان منها القصة وضرب الأمثال، قال الله تعالى:{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون}.

أولا: مفهوم المثل القرآني 

المثل القرآني: هو أسلوب من أساليب التشبيه في القرآن الكريم يعمل على تقريب المعنى وإبرازه بصورة حسية.

 

ثانيا: فوائد إيراد الأمثال في القرآن الكريم

يأتي المثل في القرآن الكريم بغرض تقريب الحقائق للذهن، كي يعتبر الإنسان ويهتدي إلى الطريق القويم، ومن فوائد ضرب المثل ما يأتي:

1- الترغيب أو التنفير

ومن الأمثلة القرآنية على ذلك ما ضربه الله مثلاً للكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، في قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ }

فقد مثلت الآية الكريمة الكلمة الطيبة النافعة المفيدة بالشجرة الطيبة المثمرة التي لا ينقطع ثمرها، فجذورها ثابتة في الأرض وفروعها ممتدة في السماء.

 فكما أن الشجرة الطيبة تؤتي أكلها كل حين، فكذلك الكلمة الطيبة التي يقولها المسلم يبقى أثرها دائما متجددا في كل وقت وحين.

وأما الكلمة الخبيثة الضارة، فهي كالشجرة المقطوعة التي لا تثمر، ولا ينتفع الناس بها.

                                                                                                                     انظر الجدول (۱-۲).

الحال المراد بيانه

الصورة المحسوسة

المعنى المراد تقريبه

الإيمان الراسخ

الشجرة الطيبة الراسخة التي لا ينقطع ثمرها

أثر الكلمة الطيبة التي تعود بالخير على صاحبها في الدنيا والآخرة

الانحراف عن الصراط المستقيم

الشجرة الخبيثة المقطوعة التي لا تثمر

أثر الكلمة الخبيثة التي تعود على صاحبها بالسوء في الدنيا والآخرة

2 - المدح أو الذّم      

تعد الأمثال من الأساليب البديعة في المدح والذم.

  • ومدح الشخص أو الشيء : الثناء عليه بما له من الصفات الحسنة.                            
  • والذم: ذكر العيوب في الشخص أو الشيء.

ومن الأمثلة  على ذلك ما يأتي :

أ – في المدح، ما ضربه الله تعالى من مثل يمدح فيه الرسول ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم،

قال الله تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}

في هذه الآية مثل لتزايد قوة رسول الله ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم كما ورد في الإنجيل.

فشبه نماء الأمة الإسلامية وتكاثرها وتماسكها، بدءا من مراحل الدعوة الإسلامية الأولى، حتى دخول الناس في دين أفواجا، بزرع بدأ ضعيفا، ثم اشتد عوده شيئا فشيئا حتى نضج.

فهذا المثل جاء يمدح تماسك الرسول ﷺ وأصحابه ووحدتهم ونشرهم دين الله تعالى في الأرض، كما هو موضح في الجدول

 

الحال المراد بيانه

الصورة المحسوسة

المعنى المراد تقريبه

مساندة أصحاب النبي ﷺ له والتفافهم حوله

الزرع الذي بدأ ضعيفا عوده شيئا فشيئا حتى نضج ثمّ اشتد.

 أهمية الوحدة والتماسك بين أبناء الأمة لتحقيق قوتهم

ب - أما في ما يتعلق بغرض الذم

 في قول الله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}

فهذه الآية تضرب مثلا تذم فيه الذين يحملون العلم ولا يعملون به.

 فقد مثلتهم بالحمار الذي يحمل على ظهره كتبا كثيرة، وهو لا يفقه ما فيها، ولا يعمل بها، انظر الجدول (۲-۲ / ب).

الحال المراد بيانه

الصورة المحسوسة

المعنى المراد تقريبه

حال من عنده علم لا يعمل به

الحمار الذي يحمل كتبا لا يفقه ما فيها

ذم الذين يعلمون ولا ينتفعون بعلمهم

3- الإقناع

يحتاج الإقناع إلى تقديم الحجج لتأكيد الحقيقة في نفس المخاطب، ومن ذلك قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب}

فهذه الآية تقرر ألوهية الله تعالى وتفرده بالنفع والضرر بأسلوب المثل.

ضرب الله مثلاً لبيان عجز ما يعبد من دون الله تعالى عن النفع أو الضرر بعجزه عن خلق شيء صغير كالذبابة وعجزه عما هو أصغر من ذلك كاسترجاع ما تلعقه الذبابة منهم، كما هو مبين في الجدول (۲-۳).

الحال المراد بيانه

الصورة المحسوسة

المعنى المراد تقريبه

عدم استحقاق أي شيء أن يعبد من دون الله تعالى

عجز كل معبود من دون الله تعالى أن يخلق ذبابا أو أن يستعيد ما أخذه الذباب.

إقناع المخاطب بأن المعبودات من دون الله تعالى ضعيفة عاجزة عن نفع نفسها أو نفع غيرها، فلا يستحق العبادة إلا الله تعالى.

ثالثا : خصائص الأمثال القرآنية "

للمثل القرآني خصائص كثيرة أهمها ما يأتي :

  1. دقة التصوير: وصف الأشياء والمعاني حتى تصبح الصورة دقيقة واضحة كأنها حقيقة مائلة.
  2. الصورة الحركية: تنقل الصورة بأبعادها المكانية والزمانية، ما يزيد من تخيل المشهد وتوضيحه وتقريبه للأذهان.
  3. الإيجاز : يؤدي المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة لا تخل بواحدة منها، والإيجاز من أرفع أساليب البلاغة. وهذا يسهل فهمه وحفظه والاعتبار به.