التربية الإسلامية11 فصل ثاني

الحادي عشر خطة جديدة

icon

 

التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ

  جعل الله تعالى الأُمَّة الإسلامية أُمَّةً وسطًا تقوم على منهج التوازن والاعتدال في كل شؤون حياتها، ونهى عن التشدُّد والغُلُوِّ في الدين، أو التساهل في تنفيذ أوامره وواجباته؛ ما يُشوِّه صورة الإسلام السمحة، ويؤدّي إلى انصراف الناس عنه، ونفورهم منه.

أَتَدَبَّرُ وَأَسْتَنْتِجُ

  أَتَدَبَّرُ الحديث النبوي الشريف الآتي، ثمَّ أَسْتَنْتِجُ دلالته:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "‌فَإِذا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعوهُ" (رواه البخاري ومسلم).

أن الإسلام ينهى عن التشدد والغلو ويحث على التوازن والاعتدال ، ففي هذا الحديث،يحث النبي ﷺ أصحابه على ترك السؤال والاختلاف في الأمور الشرعية، وأن يأخذوا من الأمور التي يأمرهم الله بها ما استطاعوا،  ويحذرهم من الغلو والتشدد

الفهمُ والتَّحليلُ

دعا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث النبوي الشريف إلى التوسط والاعتدال والبعد عن الغلو والتشدد.

 

التعريف براوي الحديث

هو الصحابي الجليل ‌أنس ‌بن ‌مَالك بن النَّضر الْأنْصَارِيّ، ولد قبل الهجرة بعشر سنين في يثرب، أمه أم سليم الأنصارية، جعلته أمه خادمًا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، فخدمه عشر سنوات. تربى على يد النبي صلى الله عليه وسلم وتلقى عنه الكثير من العلم، وهو من المكثرين في الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث لازمه منذ أن هاجر إلى أن توفي رضي الله عنه، وقد عاش مئة وثلاث سنين، وفي خلافة عمر رضي الله عنه استقر في البصرة معلمًا للناس،  وهو آخر من توفي فيها من الصحابة وكان ذلك في سنة ثلاث وتسعين للهجرة.

 

أَولًا:  حرص الصحابة على معرفة أحكام دينهم

كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرام شديدي الحرص على معرفة أحكام دينهم، لذلك كانوا يكثرون من السؤال  عما كان ينزل بهم من وقائع وأحداث، ويحرصون على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك أنه جاء ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته،  ليسألوا أزواجه عن عبادته صلى الله عليه وسلم في بيته، وذلك لأن عمل النبي صلى الله عليه وسلم إما ظاهر يعرفه الناس كلهم؛ كالذي يفعله في المسجد أو في السوق ، وإمّا مخفي يتعذَّر على الناس معرفته إلّا بسؤال مَنْ في بيته. وقد أخبرتهم نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعبادته وصلاته وصيامه، لكنَّهم رأوها قليلة، وعلَّلوا ذلك بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة إلى مزيد من العمل والاجتهاد في الطاعة؛ لأنَّ الله تعالى قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه بعدما عصمه الله عزوجل من الوقوع في المعاصي، خلافًا لبقية الناس؛ إذ يتعيَّن عليهم الإكثار من الطاعات بسبب وقوعهم في كثير من المعاصي.

ثانيًا: النهي عن التشدد                                

لما عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته أخبرته زوجاته بما كان من شأن هؤلاء الثلاثة وما ألزموا أنفسهم به وهو:

أ. الأول: ألزم نفسه بقيام كل الليل، فلا ينام في الليل أبدًا.

ب. الثاني ألزم نفسه صيام الدهر كله،  فلا يفطر أبدًا.

ج. الثالث ألزم نفسه بعدم الزواج نهائيًّا.

فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك غضب وصحّح لهم المنهج الذي يجب أن يكونوا عليه.

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا» تثبت من القول قبل عتاب قائله وبناء الأحكام على قوله أو فعله، وبعد ذلك وجههم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنهج الإسلامي الصحيح من خلال عدم تحميل النفس ما لا تطيق ولو من الأعمال الصالحة، وعدم حرمان النفس من التمتع بالمباح، واتباع ما جاء به الشرع دون تشدد.

أَتوقَّف

الفرق بين التشدد والمجاهدة:

التشدد في الدين حرام،  وهو إلزام النفس بما يشق عليها وبما لا يُلزمها به الشرع، أمّا مجاهدة النفس على الالتزام بالأحكام الشرعية فهي أمر مطلوب ومحمود، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت: 69).

أَتأَمَّلُ وأَستنتجُ

أَتأَمَّلُ الحديث الشريف الآتي ثم أَستنتجُ مظهر التشدد الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم .

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» قُلْتُ: فُلَانَةُ، لَا تَنَامُ تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَه، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» ، قَالَتْ: وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينَ إِلَيْهِ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. (رواه ابن ماجه) (مَهْ: كلمة زجر ونهي، لا يَمَلُّ اللهُ: أيْ لا يتوقَّف عن ثوابكم على أعمالكم الصالحة، حَتّى تََملُّو: أيْ تؤدّوها وأنتم متثاقلون).   

حمل النفس على ما لا تطيقة يؤدي إلى الترك، فيجب الاقتصاد في العبادة حتى يتمكن الإنسان من المداومة

ثالثًا: أثر مخالفة منهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث النبوي الشريف بأن ما ألزم به هؤلاء الثلاثة أنفسهم مخالف لهديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»، والمراد بالسُّنَّة  في هذا الحديث المنهج الذي كان يتبعه سيدنا رسول الله  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته وفي تطبيق أحكام الشريعة، وقد أكد  رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن مخالفة هذا المنهج خروج عن طريقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنته.

يؤدّي التشدُّد في التعبُّد إلى:
أ . إيقاع النفس في الحَرَج، وتكليفها بما لا تستطيع
؛ ما يؤدّي إلى الفتور، وترك القيام بالواجبات.
ب . الإخلال ببقية الحقوق والواجبات التي أمر الله تعالى بمراعاتها، مثل: حقوق الزوجة والأبناء والعناية بهم، وطلب العلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، والسعي في الأرض لإعمارها.
ج. إمكانية شعور المتُشدِّد بالملَل الذي يؤدّي إلى التوقُّف عن العمل، خلافًا للمُقتصِد؛ فإنَّه يضمن استمرار العمل. وخير العمل ما داوم عليه صاحبه وإنْ قَلَّ، وهو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وإنْ كان مغفورًا له؛ فخشية الله تعالى والخوف منه حمله صلى الله عليه وسلم على الاجتهاد، ومُلازَمة العبادة. ولهذا أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنَّه يقوم جزءًا من الليل، وينام جزءًا آخرَ، ويصوم بعض الأيام، ويُفطِر بعضها الآخر، ويتزوَّج النساء.

أبدي رأيي

أبدي رأيي  في كل ممارسة من الممارسات الآتية من خلال بيان الأثر السلبي:

1. أبو أحمد مُوظَّف يقوم الليل من بعد صلاة العشاء إلى ما قبل أذان الفجر.

قيام الليل عبادة عظيمة، لكن مواصلة قيام الليل إلى ما قبل طلوع الفجر قد يجعله يقصر في عمله أولا يذهب إليه

2. يصوم علي جميع أيام السَّنة.

الصيام عبادة جليلة، لكن مواصلة صيام السنة كلها قد يؤدّي إلى الفتور، وترك القيام بالواجبات

3. امتنعت فاطمة عن الزواج كي تتفرَّغ للعبادة.

ترك الزواج مخالفة للشريعة الإسلامية، حتى لو كان بسبب العبادة فقد يؤدّي ذلك إلى ضعف المجتمع وقلة عدد المسلمين وهذا مما يعيق عن القيام بواجب عمارة الأرض.

صورة مشرقة

 كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شديد الاقتداء بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إنه كان يسير خلفه ويجتهد أن يضع قدمه في موطئ قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، " أَنَّهُ كَانَ يَتْبَعُ آثَارَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيُصَلِّي فِيهَا حَتَّى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَكَانَ ‌ابْنُ ‌عُمَرَ يَصُبُّ الْمَاءَ تَحْتَهَا حَتَّى ‌لَا ‌تَيْبَسَ ". (سنن البيهقي)

الإِثراءُ والتَّوسُّعُ

اختصَّ النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الأحكام التي انفرد بها عن غيره، والتي قد يكون بعضها شاقًّا على عامَّة الناس؛ لذا، فهم لا يُطالَبون بها. ومن ذلك:
1) إباحة الوصال في الصوم له صلى الله عليه وسلم، بالرغم من نهيه المسلمين عن الوصال؛ وهو صيام أكثر من يوم دون إفطار.
2) حرمة أخذه صلى الله عليه وسلم من الصدقة، بالرغم من أنَّا مباحة لفقراء المسلمين.
3) وجوب قيام الليل عليه صلى الله عليه وسلم، بالرغم من أنَّه مندوب لغيره من أفراد الأمَُّة.

Jo Academy Logo