مَوْقِعُ اليمن
يَقَعُ الْيَمَنُ في الْجُزْءِ الْجَنوبِيِ الْغَرْبِيِ مِنْ شِبْهِ الْجَزيرَةِ الْعَرَبِيَةِ، وَيَتَمَيَزُ بِمُناخٍ حارٍ وَرَطْبٍ يَميلُ إِلى الْجَفافِ في الْمَناطِقِ الصَحْراوِيَةِ، وَتَهْطِلُ أَمْطارُهُ الْمَوْسِمِيَةُ في فَصْلِ الصَيْفِ، وَيُشْرِفُ عَلى عَدَدٍ مِنَ الْمُسَطَّحاتِ الْمائِيَةِ.
الْمَمالِكُ الْقَديمَةُ في الْيَمَنِ
يُعَدُ الْيَمَنُ مَوْطِنًا لِأَقَدَمِ الْحَضاراتِ الْعَرَبِيَةِ الَتي ازْدَهَرَتْ وَانْتَشَرَتْ في ما بَعْدُ في بِلادِ الشّامِ وَالْعِراقِ، وَكانَ الْيَمَنُ مِنْ أَوائِلِ الشُعوبِ الَتي بَنَتِ الْمُدُنَ وَالْقُصورَ، وَأَسَسَ نِظامَ حُكْمٍ مُتَطَوِرًا، وَأَنْشَأَ جُيوشًا، وَما تَزالُ الْآثارُ الْيَمَنِيَةُ شاهِدَةً عَلى عَظَمَةِ هذِهِ الْحَضاراتِ.
الْمَمالِكُ الْقَديمَةُ في الْيَمَنِ
نِظامُ الْحُكْمِ في الْمَمالِكِ الْيَمَنِيَّةِ الْقَديمَةِ
كانَ نِظامُ الْحُكْمِ في الْمَمالِكِ الْيَمَنِيَةِ مَلَكِيًا وِراثِيًا، حَيْثُ يَنْتَقِلُ الْعَرْشُ إِلى الْأَكَبَرِ سِنًا في الْعائِلَةِ، وَأَحْيانًا كانَ يُمْكِنُ أَنْ تَحْكُمَ النِساءُ، مِثْلُ مَلِكَةِ سَبَأٍ. وَقَدِ اعْتَمَدَ مُلوكُ الْيَمَنِ عَلى مَجْلِسٍ مِنَ الْمُسْتَشارينَ يُساعِدُهُمْ في إِدارَةِ الْحُكْمِ يَعْمَلُ وَفْقَ مَبْدَأِ الشّورى. أَمّا بَعْضُ الْمُلوكِ، فَقَدْ كانوا يُلَقَبونَ بِـ (تُبَعٍ) إِذا كانوا يَحْكُمونَ عِدَةَ مَمالِكَ أُخْرى، كَما في مَمْلَكَةِ حِمْيَرَ.
الْأَحَوالُ الِاقْتِصادِيَّةُ في الْمَمالِكِ الْيَمَنِيَّةِ الْقَديمَةِ
1- الزِّراعَةُ
اشْتُهِرَتْ مُدُنُ الْيَمَنِ بِالزِراعَةِ عَلى نِطاقٍ واسِعٍ؛ مِمّا جَعَلَ الْعَرَبَ يُطْلِقونَ عَلَيْها اسْمَ (الْيَمَنِ الْأَخَضَرِ) وَسَمّاها الْيونانُ وَالرّومانُ (بِلادَ الْعَرَبِ السَعيدِ)؛ نَظَرًا لِازدِهارِ الزِراعَةِ وَالتِجارَةِ وَالْحَضارَةِ فيها.
بَرَعَ أَهْلُ الْيَمَنِ في بِناءِ أَنْظِمَةِ رِيٍّ مُتَطَوِرَةٍ؛ لِضَمانِ اسْتِدامَةِ الزِراعَةِ، فَبَنَوا سُدودًا وَقَنَواتٍ لِرِيِّ الْأَرَاضي الزِراعِيَةِ، وَمِنْ أَشْهَرِها:
سَدُّ مَأْرِبَ الَذي كانَ مِنْ أَعْظَمِ الْإِنْجازاتِ الْهَنْدَسِيَةِ قَديمًا، لكِنَهُ تَعَرَضَ للانهيار بِسَبَبِ ضَعْفِ الدَوْلَةِ السِياسِيِ وَالاقْتِصادِيِّ وَعَدَمِ الِاهتِمامِ بِصِيانَتِهِ، مِمّا أَدّى إِلى فَيَضاناتٍ أَغْرَقَتْ مِساحاتٍ كَبيرَةً مِنَ الْأَرَاضي الزِراعِيَةِ، وَهذا بِدَوْرِهِ أَدّى إِلى هِجْرَةِ عَدَدٍ مِنَ الْقَبائِلِ الْيَمَنِيَةِ إِلى شَمالِ شِبْهِ الْجَزيرَةِ الْعَرَبِيَةِ وَالْعِراقِ وَبِلادِ الشّامِ وَمِصْرَ، ما أَسْهَمَ في نَشْرِ الْحَضارَةِ الْيَمَنِيَةِ.
2- الصِّناعَةُ
اشْتُهِرَتْ أَرْضُ الْيَمَنِ مُنْذُ الْعُصورِ الْقَديمَةِ بِتَوَفُرِ الْمَعادِنِ، مِمّا ساعَدَ أَهْلَ الْيَمَنِ عَلى تَطْويرِصِناعاتٍ مُتَنَوِعَةٍ، فَقَدِ اسْتَخْدَموا النُحاسَ وَالذَهَبَ في صِناعَةِ الْأَوَاني وَالْأَدَواتِ وَالتَماثيلِ، وَتَمَيَزَتْ بَعْضُ الْمُدُنِ بِصِناعاتٍ خاصَةٍ بِها، فَمَثَلًا: اشْتُهِرَتْ مَدينَةُ سَبَأٍ بِصُنْعِ الْمَآزِرِ الْمُطَرَزَةِ بِالذَهَبِ، وَاخْتَصَتْ مَدينَةُ صَعْدَةَ بِاسْتِخْراجِ الْحَديدِ وَفي صُنْعِ الْأَسَلِحَةِ، مِثْلِ: السُيوفِ، وَالرِماحِ، وَالْخَناجِرِ.
3- التِّجارَةُ
تَمَيَزَ الْيَمَنُ بِمَوْقِعِهِ الاستراتيجي عَلى الطُّرُقِ التِجارِيَةِ، مِمّا جَعَلَهُ مَرْكِزًا مُهِمًا لِلتِجارَةِ الْبَرِيَةِ وَالْبَحْرِيَةِ، فَقَدْ كانَتِ الْقَوافِلُ الْيَمَنِيَةُ تَنْقُلُ الْبَضائِعَ مِنَ الْهِنْدِ إِلى بِلادِ الشّامِ وَالْعِراقِ وَمِصْرَ وَشِبْهِ الْجَزيرَةِ الْعَرَبِيَةِ. وَكانَ لِلْيَمَنِ مَوانِئُ بَحْرِيَةٌ عَديدَةٌ أَشْهَرُها ميناءُ عَدَنَ، وَامْتَلَكوا أُسْطولًا بَحْرِيًا قَوِيًا ساعَدَهُمْ عَلى الْوُصولِ إِلى سَواحِلِ الْبَحْرِ الْمُتَوَسِطِ وَبَعْضِ الْجُزُرِ الْيونانِيَةِ وَالسَواحِلِ الشَرْقِيَةِ لِإِفِريقْيا.
الْأَحَوالُ الاجتماعية والدينية في الْمَمالِكِ الْيَمَنِيَّةِ الْقَديمَةِ
كانَ الْمُجْتَمَعُ في الْيَمَنِ قَبَلِيًا، حَيْثُ سادَتْ فيهِ الْعاداتُ وَالتَقاليدُ الْعَرَبِيَةُ، وَعُرِفَتْ فيهِ ثَلاثُ طَبَقاتٍ اجْتِماعِيَةٍ رَئيسَةٍ، هِيَ: الطَّبَقَةُ الْحاكِمَةُ، وَطَبَقَةُ التُجّارِ، وَطَبَقَةُ الْفَلّاحينَ. وَقَدِ اعْتَنَقَ أَهْلُ الْيَمَنِ الْقُدَماءُ دِياناتٍ مُتَعَدِدَةً، مِنْها: الْحَنيفِيَةُ )دِيانَةُ سَيِدِنا إِبْراهيمَ عليه السلام (، وَالْيَهودِيَةُ، وَالْمَسيحِيَةُ، وَانْتَشَرَتِ الْوَثَنِيَةُ في بَعْضِهِمْ.
تَكَلَمَ أَهْلُ الْيَمَنِ اللُغَةَ الْعَرَبِيَةَ، لكِنَهُمُ اسْتَخْدَموا الْخَطَّ الْمُسْنَدَ )نِظامُ كِتابَةٍ قَديمٌ تَطَوَرَ في الْيَمَنِ( في الْكِتابَةِ؛ لِتَسْجيلِ الْأَحَداثِ التّاريخِيَةِ وَالْعُقودِ التِجارِيَةِ، وَتَكْمُنُ أَهَمِيَةُ هذا الْخَطِّ في أَنَهُ كانَ نِظامَ الْكِتابَةِ الرَئيسَ الْمُسْتَعْمَلَ في شِبْهِ الْجَزيرَةِ الْعَرَبِيَةِ لِوَقْتٍ طَويلٍ، وَمِنْهُ اشْتُقَتِ الْأَبَجَدِيَةُ الْعَرَبِيَةُ الْمُسْتَخْدَمَةُ الْيَوْمَ.
فَنُّ الْعِمارَةِ وَالْبِناءِ في بِلادِ الْيَمَنِ
أَبْدَعَ أَهْلُ الْيَمَنِ في فَنِّ الْعِمارَةِ، فَشَيَدوا الْقُصورَ وَالْمَعابِدَ في كافَةِ مُدُنِ الْيَمَنِ، وَيُعَدُ قَصْرُ غُمْدانَ مِنْ أَشْهَرِ الْمَعالِمِ الْمِعْمارِيَةِ في الْيَمَنِ الْقَديمِ، وَيَقَعُ بِالْقُرْبِ مِنْ صَنْعاءَ، وَيُعَدُ مِنْ أَعاجيبِ الْفَنِّ وَالْحَضارَةِ؛ لِما تَمَيَزَ بِهِ مِنْ إِتْقانٍ وَدِقَةٍ هَنْدَسِيَةٍ، وَكانَ مَقَرًا لِلْمُلوكِ، وَكُلُ مَلِكٍ كانَ يُضيفُ إِلَيْهِ طابَقًا جَديدًا حَتّى وَصَلَ إِلى عِشْرينَ طابَقًا.
حِصْنُ شقروف: يَقَعُ غَرْبَ صَنْعاءَ، وَقَدْ بُنِيَ في مَوْقِعٍ اسْتِراتيجِيٍ يُطِلُ عَلى وادٍ سَحيقٍ وَجِبالٍ شاهِقَةٍ، ما يُوَفِرُ لَهُ حِمايَةً طَبيعِيَةً مِنَ الْأَعَداءِ.
الْحَياةُ السِّياسِيَّةُ وَانْهِيارُ الْمَمالِكِ الْيَمَنِيَّةِ الْقَديمَةِ
تَعَرَضَتِ الْمَمالِكُ الْيَمَنِيَةُ لِلضَعْفِ؛ بِسَبَبِ الصِراعاتِ الدّاخِلِيَةِ وَالتَنافُسِ عَلى السُلْطَةِ، إِضافَةً إِلى طَمَعِ الْقَبائِلِ الْبَدَوِيَةِ في السَيْطَرَةِ عَلى الْيَمَنِ، وَهذا بِدَوْرِهِ أَدّى إِلى انْهِيارِ الدَوْلَةِ الْحِمْيَرِيَةِ سَنَةَ 525 م. وَأَسْهَمَ في هذا الِازدهِارِ الصِراعُ بَيْنَ الْأَحَباشِ وَالْفُرْسِ عَلى حُكْمِ الْيَمَنِ الَذي اسْتَمَرَ حَتّى عامِ 575 م.