مقدِّمة تاريخية
الأندلس اسمٌ أطلقه العرب على شبه جزيرة إيبيريا، حكمها المسلمون ثمانية قرون منذ فتحِها على يد طارق بن زياد وموسى بن نُصير عام92هـ حتى سقوط غرناطة عام 897هـ. كان للعصر الأندلسي قيمةٌ كبيرةٌ ؛ فقد تفوَّق الأندلسيون في مختلف العلوم، فلا تجد فنًّا أو أدبًا أو علمًا إلا للأندلسيين يدٌ مبدعةٌ فيه.
* عهد الفتح والولاية (92هـ- 138هـ): حكم الأندلس في هذه الحقبة ولاة تُعينهم الدولة الأموية في المشرق ويتبعون لها.
تكوّن المجتمع الأندلسي من العرب والبربر والإسبان والصقالبة، وكانت الشرائع السماوية الثلاثة سائدة هناك، تميَّزت الأندلس بجمال طبيعتها، وأُطلق عليها (جنة الله على أرضه) و(الفردوس المفقود).
تطوّرت مضامين الشعر وأساليبه في العصر الأندلسي؛ بفعل مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والبيئية.
1- كثرة الأحداث السياسية وتنوعها.
2- جمال البيئة الأندلسية وتنوّع تضاريسها.
3- حياة الحرية والانفتاح والاندماج بثقافات الشعوب الأخرى.
أ- حياة الحرية والانفتاح والاندماج بثقافات الشعوب الأخرى.
ب- إبداع الأدباء في الكتابة التأليفية الفلسفية
ج- استنهاض همم المسلمين للجهاد
د- رغبة الكتّاب في إظهار ثقافاتهم وإبداعهم في فنون النثر.
استأثرت الطبيعة باهتمام الشعراء الأندلسيين؛ لجمالها المتمثل في تنوع التضاريس، واعتدال المناخ، وغزارة المياه، وخصوبة الأرض، وخضرتها الدائمة، وقد صقل هذا الجمالُ ذوقَ الشاعر الأندلسي وجعله رقيقًا سلسًا، فكان إنتاجه في هذا السياق غزيرًا رقيقًا.
صيفية 2018: علل: استأثرت الطبيعة باهتمام الشعراء الأندلسيين.
1- وصف البيئة الأندلسية على نحو عام، وبيان محاسنها والتّغنّي بجمالها، ومن ذلك قول ابن سَفَر المَرينِيّ متغنِّيًا بجمال الأندلس:
فــي أرضِ أنــدلــسٍ تــلــتَــذُّ نـعـمـاءُ ولا يـــفــــــارقُ فـيـها الـقـلــــبَ سـرّاءُ
وكـيـفَ لا يُـبْـهِـجُ الأبـصــــارَ رؤيـتُـهـا وكلُّ رَوْضٍ بها في الوَشي صنعاءُ
أنـهــارُها فـضّـة، والـمـسـكُ تُـربـتُهـا والـــــخـزُّ روضَــــتُـــها والــــــدّرُّ حَـصـــباءُ
ولـــــلــهــواءِ بِــهَــا لُــــــطْــفٌ يَـرِقُّ بِــــهِ مَــــــنْ لا يَـــــــــرِقُّ ويــــبـــدو مـنهُ أهــوَاءُ
قدْ مُيِّزَتْ من جِهاتِ الأرضِ حين بَدَت فــــريـــــدةً وتـــــــولّـــــــــــى مـيـزَها الــمَــاءُ
لِـذاك يـبسـمُ فـيهـا الـزّهـرُ مـن طـربٍ والــطّــيـــرُ يشـدُو وللأغصانِ إصْغاءُ
فهذه الأبيات يصف من خلالها الشاعر البيئة الأندلسية على نحوٍ عام، فهي جميلةٌ تُبهجُ الأبصارَ وتدخل السرور إلى القلب لشدة جمالها، ميزها الله بذلك الجمال عن سائر بقاع الأرض. وقد أضفى الشاعر على الأغصان والزهر صفات الكائنات الحيَّة حيث صوَّرها بالإنسان الذي يبتسم من الطرب كما صوّر الأغصان بالإنسان الذي يُصغي لشدوِ الطيور، وهذا ما يسمَّى أسلوب التشخيص. وإليك عزيزي الطالب، بعض المعاني لفهم الأبيات.
2- وصف الحدائق والرياض والزهور؛ كالنرجس، والأقحوان، والسوسن، والبهار، والياسمين، كما جاء في قول ابن النَّظَّام الأندلسي في وصف زهور البهار:
وَقـَـدْ بَــدَتْ لِـلْـبَـهَارِ أَلْوِيَةٌ تَعْبَقُ مِسْكًا طُلوعُها عَـجَـبُ
رُؤوسُــها فِـضَّـةٌ مُـوَرِّقَـةٌ تُشْـرِقُ نورًا عُيونُهـا ذَهَــبُ
فَهْوَ أَميرُ الرّياضِ حَفَّ به مِنْ سائرِ النَّوْرِ عَسْكَرٌ لَجِبُ
فهذه الأبيات يصف فيها الشاعر نبتة البهار برائحتها الزكيَّة الطيبة، إلى جانب منظرها الجمالي، وقد صوَّر الشاعرُ طلعَها كالفضَّةِ وهي محفوفة بالزهور كالأمير الذي يحيطه عدد كبير من الجنود.
تكميلي عام 2019: اذكر المظهر من مظاهر شعر وصف الطبيعة الذي تمثّله هذه الأبيات وكان من بينها البيت الآتي:
وَقـَـدْ بَــدَتْ لِـلْـبَـهَارِ أَلْوِيَةٌ تَعْبَقُ مِسْكًا طُلوعُها عَـجَـبُ
كما وصف الشعراء السوسنة تلك النبتة الجميلة حيث يقول جعفر المُصْحَفِي:
يا رُبَّ سَــوْسَـنَةٍ قَدْ بِـتُّ أَلْثُـمُها وما لها غَيْرُ طَعْمِ المِسْكِ مِنْ ريقِ
مُصْفَرَّةُ الوَسطِ مُبْيَضٌّ جَوانِبُها كأَنَّـها عـاشِقٌ فـي حِـجْـرِ مَعْـشوقِ
3- وصف المائيات كالأنهار والبحار والسواقي والبرك، كما جاء في قول ابن حَمديس الصقلّي في وصف بركةٍ تحيط بها تماثيلُ لأسودٍ تخرج المياه من أفواهها، حيث يقول:
وضراغمٍ سَكَـنَــــتْ عرينَ رِئاسةٍ تــركــــتْ خــــريرَ الـماءِ فيه زَئيرا
فكأنّما غَشّى النُّضارُ جُسومَهَا وأذابَ فـــي أَفْـــواهِـها الـبـلّـورا
أُسْــدٌ كــــــــــأنّ سـكونَـهـا مـتحرّكٌ في النَّفسِ لو وَجَدَتْ هُناك مُثيرا
وتَخالُها والشمسُ تَجْلو لَوْنَها نــاراً وألــسُـنَها اللَّـواحسَ نورا
ففي هذه الأبيات يصف الشاعر البركة التي تحيط بها تماثيل الأسود، وتتدفّقُ المياه من أفواهها بصورة جميلة حيث صوّر صوت خرير الماء بصوت زئيرها، كما صوّر الماء المتدفق بألسنة تلك الأسود المتدلّية من أفواهها.
وقد أبدع شعراء الأندلس في وصف المائيات؛ لأنَّ الأندلس شبه جزيرة حيث تحيط بها المياه من جهات ثلاثة، فأثارت خواطر الشعراء فأبدعوا في تصويرها.
4- مناجاة الطبيعة وبثّ الهموم والمشاعر إليها وجعلها تشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، كما جاء في قول ابن خفاجة مخاطبًا الجبل:
وَأَرعَـنَ طَـــــــمّـــــــــاحِ الــذُؤابَـةِ بـــاذِخٍ يُـطـاوِلُ أَعـنـانَ السَـماءِ بِغارِبِ
يَـسُـدُّ مَـهَبَّ الريحِ عَن كُلِّ وُجهَةٍ وَيَـزحَمُ لَـيلاً شُـهـبَهُ بِالـمَـناكِـبِ
وَقـــورٍ عَــلى ظَـهـــــرِ الــــــفَلاةِ كَأَنّهُ طِـوالَ اللَيالي مُفَكِّرٌ في العَواقِبِ
أَصَختُ إِلَيهِ وَهوَ أَخرَسُ صامِـتٌ فَـحَدَّثَـني لَـيـلُ السُـرى بِالعَجائِبِ
ففي هذه الأبيات يضفي ابن خفاجة على الجبل طابع الكائنات الحية، حيث صوّره بالإنسان الذي يناجيه ويبثُّ له شكواه وهمومه. وهذا أيضا أسلوب تشخيص.
الخصائص الفنية لشعر وصف الطبيعة. (يحفظها الطلبة)
1- يغلب عليه طابع أسلوب التشخيص: حيث تظهر الطبيعة في صور كائنات حيّة، كما جاء في وصف ابن سفر المريني حيث جعل الزهر يبتسم طربا والأغصان تصغي إلى شدو الطيور، وكما ظهر في أبيات ابن خفاجة حيث جعل الجبل إنسانًا يخاطبه.
2- سهولة الألفاظ والمعاني الواضحة المستمدة من البيئة الأندلسية، كالأنهار ، والورود، والأشجار.
3- دقّة الوصف وجمال التصوير، كما جاء في وصف البهار، ووصف نافورة الأسود.
الدّورة الصيفية 2022: البيت الشعري الذي يمثِّل استخدام أسلوب التشخيص في شعر وصف الطبيعة الأندلسي هو:
1- وَقـَـدْ بَــدَتْ لِـــــــلْـــــــبَــــــــــــــهَارِ أَلْوِيَةٌ تَعْبَقُ مِسْكًا طُلوعُها عَـجَـبُ
2- وتَخالُها والشمسُ تَجْلو لَوْنَها نــاراً وألــسُـنَها اللَّـواحسَ نورا
3- قدْ مُيِّزَتْ من جِهاتِ الأرضِ حين بَدَتْ فــريـدةً وتــولّـى مـيـزَها الــمَــاءُ
4- لِـذاك يـبسـمُ فـيهـا الـزّهـرُ مـن طـربٍ والطّيـرُ يشـدُو وللأغصانِ إصْغاءُ