الدراسات الاجتماعية فصل ثاني

السابع

icon

                              نهايةُ الدولةِ الأُمويّةِ

 

أتخيّلُ نَفسي هُناكَ

في طريقِ زيارتِنا مدينةَ العقبةِ، أشارَ المُعلِّمُ المشرِفُ/المُعلِّمةُ المُشرفةُ على الرحلةِ إلى ضرورةِ زيارةِ قريةِ الحُميمةِ، وهُنا تساءلتُ عَنْ أهمِّيّتِها وما الذي يُميِّزُها، فأجابَ المعلِّمُ/المًعلِّمُة: لهذِهِ القريةُ أهمِّيّةُ كُبرى في تاريخِنا الإسلاميِّ؛ لأنّها كانَتْ مقرًّا للدعوةِ العباسيّةِ السرِّيّةِ التي أطاحَتْ بالدولةِ الأُمويّةِ. فتخيّلتُ كيفَ عمِلَ هؤلاءِ الدعاةُ على تنظيمِ دعوةٍ سرِّيّةٍ.

 

عواملُ ضعفِ الدولةِ الأُمويّةِ

نجحَتِ الدولةُ الأُمويّةُ في فتحِ مِساحاتٍ واسعةٍ مِنْ قارّاتِ العالَمِ القديمِ لمدّةٍ تُقاربُ قرنًا مِنَ الزمانِ، وتمكّنوا مِنْ نشرِ الإسلامِ واللغةِ العربيّةِ في البلادِ المفتوحةِ، وهَيمنوا على طرُقِ التجارةِ العالميّةِ؛ ما أدّى إلى ازدهارِ الحياةِ الاجتماعيّةِ والاقتصاديّةِ، ونَهضوا بالحياةِ العلميّةِ والفكريّةِ. إلّا أنّ عوامِلَ الضعفِ الكامنةَ في جسمِ الدولةِ والتي بدأتْ بالظهورِ في أواخرِ عهْدِ الدولةِ الأُمويّةِ، أثّرتْ فيها سَلبًا وأدّتْ إلى سقوطِها. ومِنْ هذِهِ العواملِ:

 

أوّلًا: نظامُ الحُكمِ وولايةُ العهْدِ:

تميَّزتِ الدولةُ الأُمويّةُ بنظامِ حُكمٍ سياسيٍّ يعتمِدُ على التوريثِ في العائلِة الأُمويّةِ، وكانَ هذا النظامُ - الذي انتهجَهُ مُعاويةُ بنُ أبي سُفيانَ - أحدَ أسبابِ عدمِ رِضا الكثيرِ مِنَ القبائلِ العربيّةِ، وبعضِ أبناءِ البيتِ الأُمويِّ أنفسِهِم؛ فظهرَتِ الانقساماتُ الداخليّةُ والنزاعاتُ، التي كانَ لَها أكبرُ الأثرِ في إضعافِ الجيشِ الأُمويِّ وتشتيتِ قواهُ وخسارتِهِ أمامَ الجيشِ العبّاسيِّ.

 

ثانيًا: المُكوِّناتُ الاجتماعيّةُ:

انقسَمَ المجتمَعُ العربيُّ في العصْرِ الأُمويِّ إلى قبائِلَ يمنيّةٍ وقبائِلَ قَيْسيّةٍ، وكانَ الخُلفاءُ الأُمويّونَ يُقرِّبونَ هذِهِ القبائلَ ويُبعِدونَها؛ إذْ وظّفَ الخُلفاءُ الأُمويّونَ هذِهِ الانقساماتِ لخِدْمةِ أغراضِهِم السياسيّةِ، بالإضافةِ إلى انقسامِ المجتمَعِ إلى عربٍ ومَوالي

 

ثالثًا: ضَعفُ بعضِ الخُلفاءِ الأُمويِّينَ:

عندَما توسّعَتْ رقعةُ الدولةِ الأُمويّةِ أصبحَتْ في حاجةٍ إلى خُلفاءَ أقوياءَ، إلّا أنّه في بعضِ الفتراتِ استلمَ زِمامَ الحُكمِ خُلفاءُ ضعفاءُ، انصرَفوا عَنْ أمورِ الحُكمِ إلى ترفِ الحياةِ وملذّاتِها، وتحكّمتْ بِهِم أهواءُ قادةِ الجيوشِ والولاةِ؛ ما أثارَ الخلافاتِ والنزاعاتِ بينَ بني أُميّةَ أنفسِهِم.

السببُ: تسلم بعض الحكام الضعفاء وأهمال أمور الحكم والاهتمام بترف الحياة وملذاتها

النتيجةُ: ظهورُ الانقساماتِ الداخليّةِ في البيتِ الأُمويِّ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رابعًا: اتِّساعُ رُقعةِ الدولةِ الأُمويّةِ:

امتدّتِ الدولةُ الأُمويّةُ على أجزاءٍ واسعةٍ مِنْ قارّاتِ آسيا إفريقيا وأُوروبّا؛ ما أدّى إلى صعوبةِ تطبيقِ نظامِ حُكمٍ صارمٍ، بالإضافةِ إلى وجودِ انقساماتٍ وقعَتْ في بعضِ الأمصارِ والولاياتِ.

 

خامسًا: ظهورُ الحركاتِ المعارضةِ للدولةِ الأُمويّةِ

شهِدَتِ الدولةُ الأُمويّةُ في أواخِرِ عهْدِها ظهورَ العديدِ مِنَ الثوراتِ والفِتَنِ؛ بسببِ ارتكازِها على العنصُرِ العربيِّ بصورةٍ كبيرةٍ، فظهرَ الخِلافُ بينَ العربِ والمَوالي؛ وهُم المسلمونَ غيرُ العربِ أوْ الأعاجمُ. ومِنَ الفئاتِ التي عارضَتْ حُكمَ الدولةِ الأُمويّةِ: الشيعةُ، وهُم أتباعُ الخليفةِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ؛ الذي يقولونَ في أحقِّيَتِهِ بالخلافةِ بعدَ وفاةِ الرسولِ ، والخوارجُ وهُم الذين خَرجوا على عليِّ بنِ أبي طالِبٍ ومُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ، والُمرجِئةُ الذينَ التزَموا الحيادَ وتَركوا أمرَ المختلِفينَ إلى اللهِ تعالى ويومِ القيامةِ، وكذلِكَ ظهرَتْ بِدايةُ الدعوةِ العبّاسيّةِ.

 

سادسًا: انتشارُ الأمراضِ والأوبئةِ:

كانَ انتشارُ الأوبئةِ والأمراضِ في عهْدِ الدولةِ الأُمويّةِ، سببًا في موتِ عددٍ مِنَ خُلفائِها وولاةِ عهدِها؛ ما أحدثَ فراغًا في السلطةِ وأضعفَ اقتصادَ الدولةِ أيضًا.

 

سابعًا: ظهورُ الدعوةِ العباسيّةِ:

استطاعَتِ الدعوةُ العبّاسيّةُ كسبَ كثيرٍ مِنَ المؤيّدينَ لَها مُنذُ انطلاقِ شرارَتِها في الحُميمَةِ في جنوبِ الأُردنِّ، التي شكّلَتْ مركزًا لانطلاقِ دعوتِهِم لبُعدِها عَنْ أعيُنِ الأًمويِّينَ، ووقوعِها على طريقِ التجارةِ وطريقِ الحجِّ الشاميِّ؛ ما جعلَها بيئةً مناسبةً لعقدِ الاجتماعاتِ ونشْرِ توجيهاتِ الدعوةِ العباسيّةِ ومبادئِها، وقَدْ انتشرَتْ في الكوفةِ وخُراسانَ أيضًا؛ لوجودِ المعارضينَ لسياسةِ القوّةِ والشدّةِ التي مارسَها الولاةُ الأُمويّوَن في تلكَ المناطقِ، وكانَ مِنْ أشهرِهِم والي العراقِ الحجاجُ بنُ يوسُفَ الثقفيُّ.

 

حاولَتِ الدولةُ الأُمويّةُ مقاومةَ الدعوةِ العباسيّةِ والتصدي لَها، وحينَ تولّى مَروانُ بنُ محمّدٍ الثاني – آخرُ خُلفاءِ الدولةِ الأُمويّةِ – الحُكمَ في عامِ (127هـ/744م)، كانَتِ الدولةُ الأُمويّةُ تُعاني مِنَ الضعفِ وانتشارِ النزاعاتِ والفِتَنِ. وعلى الرغمِ مِنْ خِبرتِهِ العسكريّةِ والإداريّةِ ومحاولاتِهِ إصلاحَ الأوضاعِ الداخليّةِ التي تُعاني مِنْها الدولةُ، إلّا أنّهُ لَمْ يتمكّنْ مِنَ التصدّي للدعوةِ العباسيّةِ التي انتشرَتْ في أجزاءٍ واسعةٍ مِنَ الدولةِ.

 

 

 

 

الحُمَيمةُ: قريةٌ تتبعُ محافظةَ مَعانَ في جنوبِ الأُردنِّ، شكّلَتْ مركزًا لمًؤسِّسِ الدعوةِ العباسيّةِ محمّدِ بنِ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ بنِ العبّاسِ، الذي قالَ بأحقِّيّةِ بني العبّاسِ في حُكمِ الدولةِ، وقَدْ وُلِدَ في الحمُيمةَ ثلاثةُ خُلفاءَ للدولةِ العباسيّةِ، وهُم:

  1. أبو العبّاسِ السفّاحُ أوّلُ الخُلفاءِ.
  2. أبو جَعفرٍ المنصورُ.
  3. المهديُّ بنُ المنصورِ، والِدُ هارونَ الرشيدِ

 

السببُ: الضعفِ وانتشارِ النزاعاتِ والفِتَنِ في الدولة الأموية

النتيجةُ: انتشارُ الدعوةِ العباسيّةِ في أجزاءٍ واسعةٍ مِنَ الدولةِ الأُمويّةِ.

 

 

 

 

أدّتْ هذِهِ العواملُ مجتمِعةً إلى إضعافِ جيشِ الدولةِ الأُمويّةِ، الذي واجَهَ هزائِمَ مُتكرِّرةً أمامَ جيوشِ الدعوةِ العبّاسيّةِ، كانَ آخرُها مواجهتَهُم في معركةِ الزابِ عندَ نهرِ الزابِ الكبيرِ أحدِ فروعِ دِجْلةَ في القُربِ مِنَ الموصلِ في العراقِ في عامِ (132هـ/750م)، انتهَتْ بهزيمةِ الجيشِ الأُمويِّ ومقتلِ آخرِ الخلفاءِ الأُمويِّينَ مَروانَ بنِ محمّدٍ الثاني، وانتهاءِ الدولةِ الأُمويّةِ في بلادِ الشامِ وانتقالِ الخِلافةِ إلى العبّاسيِّينَ. إلّا أنّ الأُمويِّينَ استَطاعوا إقامةَ دولةٍ لَهُم في الأندلسِ (إسبانيا حاليًّا) على يدِ عبدِ الرحمنِ بنِ مُعاويةَ الثاني المُلقّبِ بعبدِ الرحمنِ الداخلِ في عامِ (138هـ/756م) استمرّتْ أربعةَ قُرونٍ تقريبًا.