اللغة العربية 8 فصل ثاني

الثامن

icon

 

  • الدرس الأول: الاستماع

الطفيلة حاضرةُ التَّارِيخ والتراث

مدينة الطّفيلة كالفرقد في عنق الحسناءِ، وقد أحسّ ذلك كلّ من زارها وعرفها، ولا أتصوّر أرضًا كأرضها، حرصت أن تحتضنَ كلّ الأقاليم كالمعبر الضّيق بين شرق الشّمس ومغربها، تتساحب أمامك كشريط متموّج عبر كلّ المتوازيات والمتناقضات، فزادهـــا التّناظر نسقًا جميلًا وَسِعَ كل مقاييس الجمال. تبدو لي الطّفيلة كلّما أنعمت النّظر وأمعنت الفكر جنّةً مختلفة الأبعاد، أبدعتها يد فنان عتيق أورد فيها كلّ الأزهار.

إنّما العادات التّقليديّة العادات القديمة المتأصّلة الرّاسخة في الثّقافة الّتي تدوم طويلًا، فيأخذها الخلف عن السّلف، والّتي تبقى وتستمرّ على الرّغم من فناء أفرادها الّذين كوّنوها. إنَّ الإنسان ليولد في مجتمع له عادات قد وجدت قبله، وقد تتغير بعض الشيء في حياته، لكنّه حتمًا ميّت وهي حيَّةٌ في بقائها عبر الأجيال اللّاحقة.

وللعادات التّقليدية دور يشبه دور الوراثة في الحياة؛ فهي تنتقل جزئيًّا من الماضي للحاضر، فيكون لها الاستمرار والتّواصل بين الأجيال المتعاقبة، وليس ثمّة ثقافة دون عادات أو تقاليد؛ فكلّ الشّعوب المتمدّنة منها والمتأخّرة تتصل بالماضي لتستر شد به وتهتدي بهديه عن طريق العادات والتّقاليد.

ولعلّنا نضيء هنا بعض العادات والتّقاليد، ومنها العادات في الخطبة والزّواج، إنَّ للخطوبة مراسم خاصّة، فعندما ينــوي الشّــاب خطبة فتاة، يرسل لوالدها بعض الوجوه من أقاربه وجيرانه، أو ما يُعرف بـ «الجاهة» ، ويقدِّمُ والد الفتاة القهوة، ولا يتناولون القهوة إلّا بعد أن يقول أحدهم : ( الّذي جئنا لأجله نعـــود بــه»، فيوافق وليّ أمر الفتاة على ذلك، ثمّ يتكلّم وليّ أمر العريس، ويُطلب إليه أن يحدّد المهر الّذي له معجَّل . وفي الخمسينيات كان المهر أغنامًا وأرضًا وحبوبًا ومواشي، ويُحضر أهل العريس ذبيحة، وتقرأ الفاتحة وتُوزّع الحلويات، ثمَّ يُكتب الكتاب بعد ذلك.

ومتى يحن الزَّواج يُجهّز مكان واسع لأجل السّهرة، بعد ذلك يُنصَبُ بيتُ شَعْرِ أمام دار العريس، وتبدأ الزّغاريد، وتبدأ الحفلة -الّتي تشتمل على أغانٍ شعبيّة تُعرف بــ السَّحجة» أو « السَّامِرِ».

وفي ليلة الحنّاء ومتى تكون هذه اللّيلة؟ إنَّها اللّيلة الّتي تسبق يوم الزّفاف، وهي آخر ليلة تقضيها العروس في بيت أبيها، وتحضر النّساء من الأقارب والجيران، وتقوم إحدى النّسوة بتخضيب يدي العروس بحيث يكون لها رسم موشّح مزين، وتُنشد الحاضرات الأُغنيات. والجدير بالذّكر أنَّ أهل الطّفيلة يُدركون تمامًا ما للتّعاون من قيمة، ولذلك نجد تعاونهم تطوعيًا تلقائيًّا عن رضا وطيب خاطر. وتكمن فكرة التّعاون بالأمثال المحبّبة للنّفوس مثل ( اليد لليد تساعد» و « البركة في كثرة الأيادي» و «خادمُ النَّاسِ يجد النَّاسَ خُدَّامَهُ ، وهذَا التَّعاونُ يَبرز كثيرًا في حفل الزّفاف؛ إذْ نجد أن بيت العريس أو بيت العروس يموجان بالأقارب والمحبّين من رجال ونساء وأطفالٍ.

ومن عادات أهل الطّفيلة عند الصّلح بين الأفراد أَنَّهُ يَتمّ تعيين وجهاء للصّلح يوميًّا، ويُبلّغ المتخاصمون بأسماء وجهاء الصّلح، ويغلب أن يكون هؤلاء الوجهاء من شيوخ العشائر. وعند الصّلح تنصب بيوتُ الشَّعْرِ سرًّا قبل طلوع الفجر خلف المنزل للّذين يُطلب الصّلح منهم ، ويُعِدُّونَ الحطب والنّار بحضور الجاهة، وعند ضحى النَّهارِ يُقبل وفد الشّيوخ ومنهم بعض أقارب طالب الصّلح، ومعه ثلاث نسوة أو أربع عاقلات حكيمات، ويتقدّم هؤلاء كلهم مَن يُعرف بكفيل عطوة الإقبال، إشارةً إلى أنَّهُ مَنْ يحمي أقارب المسيء ذهابًا وإيابًا تمّ الصّلح أو لم يتم، ويتولى أمر التّفاوض أكبر الشّيوخ قدرًا ومنزلة وحكمة وبصيرة.

 

 

 

 

 

 

 

Jo Academy Logo