(الْإِخْوَةُ الثَّلاثَةُ)
كانتْ ليلةً خريفيّةً يضيءُ فيها القمرُ ساحةَ البيتِ، وتَحَلَّقَ الأحفادُ حوْلَ الجدّةِ متلهّفينَ لسماعِ حكايتِها الّتي ستأخذهمْ في رحلةٍ إلى قارّةٍ أخرى، وبدأتِ الجدّةُ تَسْرُدُ حكايتَها: سأقصُّ لكمْ قصّةً منْ حكاياتِ التّراثِ الأفريقيِّ:
((نحنُّ الآنَ في قريةٍ هادئةٍ تستلقي حولَ بيوتِها الغاباتُ استلقاءً، فيها شيخٌ كبيرٌ اسمُهُ ((ماتاندا)) وعندهُ أبناءٌ ثلاثةٌ، وله ابنةٌ وحيدةٌ اسمُها «ماساكا»، كانتْ جميلةً وهادئةً، لكنّها مرضتْ مرضًا أعيا جسمَها، ولمْ يجدْ حكيمُ القريةِ لهُ علاجًا.
كانَ الأبُ قويًّا، غيرَ أنَّ حزنَهُ على ابنتهِ أضعفَ جسمَهُ، فنادى أبناءَهُ الثّلاثةَ، وطلبَ إليهمْ أنْ يرتحلوا في البلادِ؛ بحثًا عنْ دواءٍ. خرجَ الإخوةُ يهيمونَ في البلادِ، واتّفقوا على أنْ يفترقوا، وأنْ يتقابلوا بعدَ مدّةٍ فى هذا المكانِ بعدَ أنْ يُحضرَ كلَّ واحدٍ منهمْ ما يُمْكِنُ أنْ يكونَ علاجًا لأختِهِم.
مشى الأخُ الكبيرُ ((أَبورا)) حتّى وصلَ إلى سوقِ التقى فيهِ بتاجرٍ أمامهُ بساطٌ أزرقُ، فأُعجبَ بالبساطِ قائلًا: ما أجملَ هذا البساطَ!
وظلَّ يحدّقُ فيه طويلًا، فأخبرهُ التّاجرُ أنَّ هذا البساطَ يطيرُ. فلمْ يصدّقْ، وقرّرَ ((أبورا)) أنْ يتأكّدَ بنفسهِ، فجلسَ فوقَ البساطِ وأمرهُ أنْ يطيرَ، فطارَ، فدبَّ الرّعبُ في قلبهِ وأمرهُ بالنّزولِ، وقرّرَ أنْ يشتريَهُ حتّى يطيرَ بأختهِ إلى أبعدِ البلادِ، ويبحثَ عنْ مُداوٍ لها.
وأمّا الأخُ الأوسطُ ((بوتانجا)) فقدْ ظلَّ يجري بحثًا عنْ تاجرٍ يقالُ إنَّ عندَه عشبةً نادرةً، وكادتْ قدماهُ تسقطانِ تعبًا منْ طولِ المسافةِ، وعثرَ في أثناءِ جريِهِ على طائٍر جريحِ، فتوقّفَ لإسعافهِ ومداواتِهِ فلمْ يُفلح، وبحثَ عنْ شخصٍ يعالجُ الطّائرَ،
فوجدَ رجلا عجوزًا، وقالَ لهُ: أرجوكَ ساعدْهُ، فأمسَكَ الحكيمُ عصًّا ولوّحَ بها، فشُفِيَ الطّائرُ الَّذي طارَ مغرّدًا، وقالَ العجوزُ لِ (بوتانجا) مختبِرًا: فلتكنْ هذه العصا مصدرَ جبَروتٍ لكَ، فردَّ عليهِ قائلًا: بلْ هيَ عونٌّ لي في عملِ الخيرِ ومساعدةِ الآخرينَ.
وأمّا الأخُ الأصغرُ ((كوديلا)) فقدْ وصلَ إلى بلدةٍ بعيدةٍ، ورأى تاجرًا يبيعُ نظّارةً بثمنٍ غالٍ، وسألَ الأخُ التّاجرَ: ما الّذي يمكنُ أنْ تقومَ بهِ هذهِ النّظّارةُ؟ فقالَ التّاجرُ: إنّها تُريكَ البعيدَ البعيدَ: فجرّبَ الأخُ بنفسِهِ: يا لَلْعَجَبِ! لقدْ رأى قريتَهُ، وأباهُ واجمًا حزينًا، وتملّكهُ الحزنُ حينَ رأى أختَهُ المريضةَ، فعزمَ أنْ يشتريَ النّظّارةَ ليرى البعيدَ بحثًا عنْ طبيبٍ. وعادَ الإخوةُ والتقَوا في المكانِ عينِهِ، وتسامروا أحاديثَ حولَ ما جرى معهُم، بيدَ أنَّ الأخَ الأصغرَ قالَ: انتظروا، إنّي أرى ((ماساكا)) تئنُّ، وأبي تبيضُ عيناهُ بكاءً وحسرةً عليها.
جلسَ الإخوةُ الثّلاثةُ على البساطِ العجيبِ فوصلوا بيتَهمْ سريعًا، وقفزَتْ في ذهنِ الأخِ الأوسطِ حادثةُ الطّائرِ الجريحِ، فلوّحَ بعصاهُ السّحريةِ فمشُتْ ((ماساكا)).
وأنتمْ يا أحفادي ماذا تريدونَ شيئًا عجيبًا؟
- أريدُ أنْ تكونَ لي طائرةُ إنقاذٍ سريعةٌ مثلُ البساطِ السّحريِّ.
- وأنا أريدُ أنْ أمتلكَ جهازَ مراقبةٍ في غرفةِ الطّوارئِ، يرى المخاطرَ البعيدةَ مثلَ النّظّارةِ العجيبةِ.
- وأنا يا جدّتي أريدُ أنْ أخترعَ رجلًا آليًّا مُبَرْمَجًا لعلاجِ المرضى مثلَ العصا السّحريّةِ.
قصة من إفريقيا، إشراف وترجمة أحمد نجيب بالتعاون
مع المركز التربوي الدولي بفرنسا، دار الكتاب المصري،
الطبعة الأولى، بتصرف