اللغة العربية8 فصل أول

الثامن

icon

حلم في بلد الرجال الصغار

دون أن أعرف السبب وجدتني واقفًا أمام باب الرجال الصغار وعلى الباب نقرأ

الأحكام  الآتية :

! ملعونونَ مَنْ هُم أكثرُ سعادةً مِنَّا

! ملعونونَ مَنْ هُم أذكى منَّا

! احترِموا مَنْ هُم أشقى منَّا، وأكثرُ بلادةً أو حِطَّة

! أثنُوا على مَنْ هُم أكثرُ ألمًا وفقرًا منَّا

ودونَ أنْ أعرفَ كيفَ حصلَ الأمرُ، كنتُ قدْ أصبحتُ منْ سكَّانِ هذا البلد، والحقُّ أن السكَّانَ هنا يأخذونَ هذهِ الوَصاي على مَحمَلِ التّطبيَقِ، فنَراهُم يَأْسَونَ لتعاسةِ الآخَرينَ، ولكنْ لا يُحسُّونَ بأيِّ رغبةٍ في إسعادِهِم، وذلكَ لانّهمْ يحبُّونَ الانتباه لسعادتِهم الخاصّةِ. والمريضُ هنا يستثيرُ الشّفقةَ لدى الجميعِ، ولكنْ لا أحدَ

يبتهجُ لهُ إذا ما شُفيَ وقد حدَثَ أنِ الْتقيتُ المرأةَ ذاتَ الشّهرةِ الفائقةِ بجمالِها،  فإذا بها الأشدُّ ذَمامةً. ولأنَّها تُعدُّ جميلةً، فإنَّ وعيَ النِّساءِ الأُخرياتِ أنَّهُنَّ  يتخطّيْنَها بشاعةً يُفْعِمُهُنَّ ارتياحًا أمَّا الجميلاتُ الحقيقيّاتُ، فإنهنَّ مقتنعاتٌ،  تحتَ تأثيرِ الانتقاداتِ، بأنَّهنَّ الأكثرُ قُبحًا وأشهرُ جبلٍ في هذا البلدِ هوَ الأقل ارتفاعًا، إنهُ الأشرفَ؛ إذ

. يُحتقرُ الجبلُ العَالي لغرورِهِ وتعجرُفِهِ وإنَّكَ لَتجِدُ الجميعَ يفتتنونَ بجمالِ العُشبِ المُصفَرّ قائلينَ: ((ما أجملَ هذا!)) ولكنْ إذا ما أطْرَيتَ جمالَ وردةٍ؛ فستُعَدُّ شخصًا متخلِّفًا والشّخصُ الّذي يُشارُ إليهِ في هذا البلدِ بمتفوِّقِ الذكاءِ هوَ في الواقعِ تراهُ تائها كلّ يوم متعطِّلًا، لا يعرفُ كيفَ يميِّزُ شِمالَه منْ يمينَهِ، وإذا نُعِتَ بالذَّكاءِ لا يُغتبطُ لذلكَ مُطلقًا، ثمَّ إنَّهُ لا يَغضبُ البتّةَ مهما لحِقَ بهِ؛ يَظلَّ حتّى لو صُبَّتْ عليهِ أقسى اللّعناتُ، والكلُّ يتلذَّذُ بالسُّخريةِ منْهُ في هذا البلدِ تجري العادةُ بأنْ يُظهِرَ واحدٌ سُخفَهُ، وإذا سَمحَ أحدٌ لنفسِهِ بأنْ يَشِفَّ عنْ بريقٍ منْ ذكاءِ؛ فإنَّهُ يُتَّهمُ بالوقاحةِ

والادِّعاءِ على الرّغمِ منْ سُخفِهِ والمثلُ الأعلى لهذا البلدِ هوَ أنْ تقارِنَ التّافهينَ بالتّافهينَ، وبقِدْرِ

ما تكونُ وَضيعًا تحظى بالاحترامِ، وأقلُّ خصلةٍ هيَ مكروهٌ وحينَ سألتُ أحدَهَم عنْ هذا الوضعِ أجابَني: إنّنا نتألَّمُ كثيرًا بمقدارِ ما لا نستطيعُ تحمُّلَ أفراحِ الآخريَنَ. وإظهارُ السّعادةِ هوَ فعلٌ إجراميٍّ يثيرُ غَيرةَ الآخرينَ وكراهيَّتَهُ قديمًا كانَ الرّجالُ المقاتلونَ مُلزَمينَ بأنْ يحتفظوا بالبسمةِ حتّى في لحظاتِ الألمِ منْ أجلِ مداهنةِ سادتِهمْ، أمَّا نحنُ فليستُ بنا حاجةٌ إلى أن نُداهَنَ أحدًا، حينَ نتألَّمُ ينعكسُ ذلكَ على وجوهِنا

أضفْ إلى هذا أنَّ فعلَنا يُفهِمُ الآخرينَ بأنّهم ليسوا وحدَهم الّذين يتألّمونّ؛ إنَّهُ عملٌ خيريٍّ أعتقدُ أنَّكَ على صوابٍ جزئيًّا، ولكنْ حتّى لو أَخفيتُ دموعي فأنا أفضِّلُ أنْ أضحكَ

إنّكَ تَهْرفُّ؛ فأنتَ لو فعلتَ هذا دونَ أنْ تَحتاطَ لنفسِكَ، فإنّهمْ لن يَهْنؤوا بالًا إلا عندما يجعلونَك تبكي وهكذا فقد أخذتُ احتياطي دونَ الضّحكِ. وذاتَ يومٍِ وأنا  أتجوَّلُ، اقتربَ منِّي رجلٌ صغيرٌ وهوَ يترنَّحُ منَ التّعبِ، وباغتَنِي

بالسّؤالِ: إلى أيِّ شيءٍ تنظُرُ اللّحظةَ؟

كنتُ أنظرُ إلى الجبلِ، هناكَ في الأعلى:

هلْ تحبُّ هذا الجبلَ؟:

أوَليسَ هوَ الأكبرَ؟ أجبتُهُ دونَ خلفيَّةٍ تُذكرُ: كبيرٌ !... وهلٍ:

الكُبْرُ شيءٌ يُعجِبُ؟ إنّها مُنتهى العجرفةِ أنْ تكونَ كبيرًا

إيْ نعمْ! هذا صحيح.:

إنّني أغفرُ لكَ عملَكَ في هذهِ المرّةِ، ولكنِّي إذا ما ضبطتُكَ:

تُعجَبُ مرّةً أُخرى بهذا الجبلِ؛ فلنْ أسامحَكَ مُطلقًا، سأُخبرُ

الجميعَ، وسأقدِّمُ ضدَّكَ شكوى قائلًا إنَّكَ طَموحٌ وتستمتعُ بشقاءِ الآخَرينَ  فوعدتُهُ بأنّني منذُ الآنَ سأُبدي الاحتراسَ اللّازمَ

وبعدَ أنْ قطعتُ بضعَ خطواتٍ، عُدتُ أفكَّرُ في ما جرى بينَنا،وألفيتُني فجأةً مأخوذًا بطرافةِ هذا الشّيءِ؛ فانفجرتُ ضاحكًا، ثم إنّني وقدْ تبيَّنتُ خطأَ ما فعلتُ، وضعْتُ راحتي على فمي، ولكنْ بعدَ فواتِ الأوانِ؛ فقدْ لحقَ بيَ الرَّجُلُ الصّغيرُ لاهثا وهوَ يسألُ :

(ما الّذي يُضحكُكَ؟ وما العَجَبُ في ذلكَ؟ سأشكوكَ بتهمةٍ احتقار أعصاب الآخرين)

اغفرْ لي، أرجوكَ:

ما مِنْ أحدٍ يمكنُ أنْ يَتصوَّرَ أنَّ منَ الممكنِ سماعَ مثلِ هذا  الضّحكِ في بلدٍ يتألَّمُ فيهِ الجميع  أوَتحسبُ أنَّكَ وحدَكَ مَنْ يُحسُّ بالأهميّةِ؟:  كلَّا إنّكَ مُخطِئ عليكَ أنْ تتبعَني:

أخذني إلى مكانٍ تجمَّعَ فيهِ قومٌ كثيرونَ أنصِتوا جميعًا. أرى أنَّ هذا الرَّجُلَ يستحقُّ عقوبةَ الموتِ:  : أيَّ فعلةٍ ارتكبَ؟ إنَّهُ في وَضَحِ النّهارِ، ودونَ حياءٍ، أُعجِبَ بالجبلِ الّذي نكرهُهُ:   أشدَّ الكره  إذا كانَ ما تقولُ صحيحًا فعقوبتُهُ الموتُ:  ثمَّ إنَّهُ ضحكَ بملءِ شِدْقَيهِ وأفسدَ عليَّ تمامًا رصانةَ تفكيري، ولوْ أنَّكمْ سمعتُم هذا الضّحِكَ، لانقطعَتْ شهيّتّكُم عنْ كلِّ طعامِ  أيّامًا طويلةً الموتُ لهُ، الموتُ لهُ:  هوَ حُلْمٌ فحسبُ...... وهنا استيقظتُ وجسدي غارقٌ في العرَقِ هوَ حلْمٌ فحسبُ، وابتسمتُ موشانوكوجي سانيتزو، اختار هذهِ القصة أحمد المديني في كتابهِ: الليمونُ قصصٌ  منَ اليابانِ والصِّينِ

 

Jo Academy Logo