أتخيّلُ نفسي هناكَ: أتجوّلُ في قصرِ الحمراءِ في غرناطةَ، في قاعاتِهِ المَلكيةِ المُزيّنةِ بالزخارفِ، وأستكشفُ حدائقَهُ ونوافيرَهُ الرائعةَ، وعظمةَ الحضارةِ العربيةِ الإسلاميةِ.
الدولةُ الأُمويّةُ في الأندلسِ: إمارةٌ إسلاميةٌ تأسّسَتْ في القرنِ الثامنِ الميلاديِّ في شبهِ جزيرةِ الأندلسِ (جنوبَ إسبانيا حاليًّا)، وعاصمتُها قرطبةُ الّتي تُعَدُّ منْ أبرزِ معالمِ العمارةِ الإسلاميةِ ومركزًا مهمًّا للعلمِ والفلسفةِ والأدبِ.
عندما سقطَتِ الدولةُ الأُمويّةُ في المشرقِ، توجّهَ عبدُ الرحمنِ بنُ معاويةِ بنُ هشامِ بنُ عبدِ الملكِ (المعروفُ بعبدِ الرحمنِ الداخلِ) إلى الأندلسِ، وأقام دولتَهُ فيها بعدَ انتصارِهِ على أميرِها يوسفَ بنِ عبدِ الرحمنِ الفهريِّ، ودخلَ قرطبةَ واتّخذَها عاصمةً للدولةِ الأُمويّةِ في الأندلسِ. ولُقِّبَ عبدُ الرحمنِ بنُ معاويةَ بـصقرِ قريشٍ وسلطانِ الأندلسِ.
أفسّر: لُقِّبَ عبدُ الرحمنِ بنُ معاويةَ بعبدِ الرحمنِ الداخلِ.
لُقِّبَ عبدُ الرحمنِ بنُ معاويةَ بعبدِ الرحمنِ الداخلِ لأنه كان أول من أسس الدولة الأموية في الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية في دمشق على يد العباسيين. بعد رحلة طويلة مليئة بالمخاطر، تمكن عبد الرحمن من دخول الأندلس وتوحيدها تحت حكمه، حيث استطاع التغلب على الفوضى والنزاعات القبلية التي كانت تعصف بالمنطقة. هذا الإنجاز جعله يُلقب بـ"الداخل"، في إشارة إلى دخوله الأندلس وإعادة بناء الحكم الأموي فيها، مما جعله شخصية بارزة في التاريخ الإسلامي.
ازدهرَتِ الثقافةُ والعلومُ في الأندلسِ في عهدِ الدولةِ الأُمويّةِ، وشهدَتِ البلادُ تقدّمًا في العلومِ والفلسفةِ والأدبِ، وأصبحَتْ مركزًا للتبادلِ الثقافيِّ بينَ الشرقِ والغربِ، وموطنًا للتعايشِ السلميِّ بينَ الثقافاتِ. وحقّقَتِ إنجازاتٍ حضاريةً عدّةً، مثلَ: بناءِ جامعِ قرطبةَ الّذي كانَ مركزًا للعلمِ والثقافةِ ويضمُّ مكتبةً ضخمةً، وقصرِ الحمراءِ في غرناطةَ الّذي يعكسُ روعةَ الفنِّ والهندسةِ المعماريةِ الراقيةِ.
وطوّرَ العربُ في الأندلسِ الزراعةَ، ونقلوا أنواعًا منْ أشجارِ الفاكهةِ لمْ تعرفْها أوروبا قبلَ ذلكَ.
أشهرُ علماءِ الأندلسِ:
كانَتِ الأندلسُ مقصدَ العلماءِ وطلبةِ العلمِ منْ وسطِ أوروبا وجنوبِها، وشهدَ القرنُ السادسُ الهجريُّ تقدّمًا في العلومِ ومختلفِ المجالاتِ، وخاصةً علومَ الفلكِ والطبِّ والفلسفةِ، حتّى غدا كلُّ فيلسوفٍ طبيبًا، وكلُّ طبيبٍ فيلسوفًا. ومنْ أشهرِ علماءِ الأندلسِ:
1- عباسُ بنُ فرناسَ: كانَتْ لَهُ إسهاماتٌ عدّةٌ في مجالاتِ الرياضياتِ والهندسةِ والفلسفةِ والفَلكِ، ولُقّبَ بِـ "حكيمِ الأندلسِ". وكانَ إنجازُهُ الأكبرُ في مجالِ الطيرانِ، إذْ يُعَدُّ صاحبَ فكرةِ الطيرانِ، عندَما أقدمَ على القفزِ منْ برجِ مسجدِ قرطبةَ مستخدمًا المظلةَ الّتي صنعَها بنفسِهِ.
2- الشريفُ الإدريسيُّ: منْ أبرزِ العلماءِ العربِ المسلمينَ في مجالِ الجغرافيا. درسَ في قرطبةَ وقضى معظمَ حياتِهِ في التنقّلِ بينَ شمالِ أفريقيا وإسبانيا، وجمعَ كثيرًا منَ المعلوماتِ عنْ تلكَ البلدانِ. ومنْ أهمِّ كتبِهِ: "نزهةُ المشتاقِ في اختراقِ الآفاقِ"، الّذي أهداهُ إلى ملكِ صقليةَ روجرَ الثاني النورمانديِّ.
3- ابنُ رشدٍ: وُلِدَ عامَ 1126م/ 520هـ في مدينةِ قرطبةَ، الّتي كانَتْ عاصمةَ العلمِ، فكانَ لذلكَ أثرٌ كبيرٌ في نشأتِه. ألّفَ في الفلسفةِ والفَلكِ والطّبِّ وغيرِها، وتولّى منصبًا في القضاءِ في إشبيليةَ. تميّزَ بمكانةٍ عاليةٍ في عهدِ الخليفةِ المنصورِ. ومنْ أشهَرِ مؤلَّفاتِهِ: كتابُ "تهافتُ التهافتِ"، الّذي ردّ فيهِ على كتابِ الإمامِ الغزالي "تهافتُ الفلاسفةِ".
4- ابنُ زهرٍ: وُلِدَ في مدينةِ إشبيليةَ، ويُعَدُّ منْ أهمِّ العلماءِ في الأندلسِ في مجالِ الطبِّ. تركَ مؤلَّفاتٍ عدّةً، واكتشفَ أمراضًا عديدةً وأوجدَ لها العلاجَ. ومنْ مؤلَّفاتِهِ: كتابُ "التيسيرُ في المداواةِ والتدبيرِ"، الّذي كانَ بمثابةِ موسوعةٍ طبّيةٍ أظهرَتْ براعتَهُ في الصناعةِ الطبّيةِ.
5- أبو الحسنِ عليُّ بنُ نافعٍ الموصليُّ (زريابُ): موسيقيٌّ عاشَ في عهدِ الخليفةِ العباسيِّ المَهديِّ. استطاعَ بعلمِهِ أنْ يؤلّفَ ألحانًا عديدةً مستوحيًا أغلبَها منْ إقامتِهِ في بغدادَ. جَدّدَ اللونَ الموسيقيَّ في الأندلسِ وأثراهُ، وأنشأَ فيها معهدًا خاصًّا لتعليمِ الموسيقى سُمِّيَ "دارَ المدنياتِ". ولُقِّبَ بزريابَ؛ تشبيهًا بـطائرِ الزريابِ الأسودِ، وأضافَ للعودِ وترًا خامسًا. إلى جانبِ الموسيقى، اهتمَّ بـالفَلكِ والجغرافيا والرياضياتِ.
نهايةُ الدولةِ الأُمويّةِ في الأندلسِ:
بعد انتهاءِ فترةِ حكمِ الخليفةِ عبدِ الرحمنِ الناصرِ، عمَّتِ الفوضى والاضطراباتُ السياسيةُ الأندلسَ؛ بسببِ ضعفِ الحكامِ فيها، ما أدّى إلى ظهورِ دولِ الطوائفِ. قُسِّمَتِ الأندلسُ إلى اثنتَينِ وعشرينَ دولةً، منها: غرناطةُ، وإشبيليةُ، وسَرَقُسْطةُ، وطُلَيطِلةُ. لكنَّ ضعفَ حكامِها والنزاعاتِ المستمرةَ بينَهُمْ أدّى إلى طمعِ الفرنجةِ فيهم، وبعدَما استنجدَ ملوكُ الطوائفِ بـدولةِ المرابطينَ في المغربِ بقيادةِ يوسفَ بنِ تاشفينَ، استطاعوا وقفَ الزحفِ الفرنجيِّ. ومعَ ذلكَ، عادَتِ النزاعاتُ بينَ ملوكِ الطوائفِ الّذين استنجدَ بعضُهُمْ بالمَلِكينِ: فرناندو ملكِ أرغونَ، وإيزابيلا ملكةِ قَشتالةَ.
وكانَ آخرَ ملوكِ الطوائفِ محمّدٌ الثاني أبو عبدِ اللهِ الصغير، ملكُ غرناطةَ، الّذي بكى عندَ توقيعِهِ معاهدةَ تسليمِ غرناطةَ، فقالَتْ لهُ أمُّهُ: "ابكِ مثلَ النساءِ ملكًا ضائعًا لمْ تحافظْ عليهِ مثلَ الرجالِ".
|
السببُ: ضعف الحكام وعمت الفوضى والاضطرابات السياسية. |
النتيجةُ: ضعفُ الدولةِ الأُمويّةِ في الأندلسِ. |