**يُروى أنّ أبا الأسودِ الدُّؤَلِيَّ قالتْ له ابنتُه يا أبَتِ، [ما أحسنُ السماءِ!] فقال لها: نجومُها، فقالتْ: إنّي لمْ أُرِد هذا، وإنّما تعجّبتُ مِن حُسْنِها. فقال لها: إذا شئتِ أن تتعجّبي فقولي: ما أحسنَ السماءَ! فحينئذٍ وضعَ النّحوَ، وأوّلُ ما رَسَمَ منهُ بابُ التّعجُّب.
- التعجب السماعي:
أبِنْتَ الدَّهْرِ عندي كل بِنْتِ فكيف وصلتِ أنتِ منَ الزِّحام؟!
المتنبّي / شاعرٌ عبّاسيّ
يا لَلْبراعة! لقد سجّلَ أخي ثلاثةَ أهدافٍ في مباراة واحدة.
ألقتْ ديمةُ قصيدةَ فدوى طوقان كاملةً من حفظِها أمامَ الجميع، فقالتْ مديرةُ المدرسةِ: ما شاءَ اللهُ!
لله درك من مهيب وادع نسر يطارحه الحمام هديلا!
محمد مهدي الجواهري/شاعر عراقي
عندما تتأمل الأمثلة التي وردت تجد أن عبارات التعجب فيها لا تتبع قاعدة ثابتة، بل تدل على التعجب من خلال سياق الكلام.
هذا النوع من التعجب يأتي على أسلوبين رئيسيين:
- أساليب مسموعة لم توضع في الأصل للتعجب، لكنها تُستخدم لهذا الغرض:
- الاستفهام: مثل قول الشاعر المتنبي: "فكيف وصلتِ أنتِ منَ الزِّحام؟!". هنا "كيف" لا تسأل عن كيفية الوصول، بل تعبر عن دهشة الشاعر من الوصول نفسه.
- النداء: مثل قول القائل: "يا لَلْبراعة!". هنا "يا" لا تستخدم للنداء الحقيقي، بل للتعبير عن شدة التعجب والإعجاب.
- عبارات موروثة تُقال للتعجب:
- "ما شاءَ اللهُ!".
- "للهِ دَرُّهُ!".
نستنتج مما سبق : إن أسلوب التعجب السماعي له خصائص معينة، وهي:
- لا يخضع لقواعد ثابتة: بل يُفهم من سياق الكلام الذي يدل عليه.
- يُعَبّر عنه بأساليب متنوعة، منها:
- أساليب مسموعة لم تُوضع في الأصل للتعجب، مثل الاستفهام والنداء.
- عبارات موروثة تُقال للتعجب، مثل "لله درك" و "ما شاء الله".
_____________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
- التعجب القياسي:
سمعَ خالدُ بنُ الوليدِ صائحًا في معسكر المسلمينَ يومَ اليرموك يقول: ما أكْثَرَ الرّومَ! وما أقَلَّ المسلمينَ! فقال خالدٌ: بل ما أقَلَّ الرّومَ، وأكْثَرَ المسلمينَ! إنّما تكثُرُ الجنودُ بالنّصر، وتَقِلُّ بالخِذلان.
أُعلِّلُ النّفسَ بالآمالِ أَرْقُبُها ما أَضْيَقَ العَيْشَ لولا فُسحَةُ الأمَلِ!
الطُّغْرائيّ / شاعرٌ عبّاسيّ
ولو يستطيعُ المسلمونَ لَقَسَّموا لكَ الشّطْرَ مِنْ أعمارِهمْ غيرَ نُدَّمِ
فَأَرْبح بها من صَفْقَةِ لِمُبايعٍ! وَأَعْظِّمْ بها أَعْظِمْ بها ثمَّ أَعْظِمِ!
كُثَيَّر عَزّة/ شاعرٌ أمويّ
ولا عيب فيها غير سِحرِ جُفونِها وأَحْبِبْ بِها سَحَارَةً حينَ تَسْحَرُ!
ابن نُباتةَ المِصريّ/ شاعرٌ مملوكيّ
هذا النوع من التعجب له صيغتان ثابتتان، يمكننا استخدامهما دائمًا لإنشاء التعجب:
1. صيغة "ما أفْعَلَ!"
تتكون هذه الصيغة من ثلاثة عناصر:
- ما: اسم مبهم بمعنى "شيءٌ".
- أفْعَلَ: فعل ماضٍ على وزن "أفْعَلَ" (مثل: أكثرَ).
- المتعجَّب منه: الاسم الذي نتعجب من صفة فيه (مثل: الرومَ).
الإعراب:
- ما: اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
- أفْعَلَ: فعل ماضٍ جاء لإنشاء التعجب، وهو مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر تقديره (هو).
- المتعجَّب منه: مفعول به منصوب (مثل: الرومَ).
- الجملة الفعلية كلها (الفعل والفاعل والمفعول به) في محل رفع خبر للمبتدأ "ما".
2. صيغة "أفْعِلْ بِـ!"
تتكون هذه الصيغة أيضًا من ثلاثة عناصر:
- أفْعِلْ: فعل ماضٍ جاء على صيغة الأمر (مثل: أكثرْ).
- الباء: حرف جر زائد.
- المتعجَّب منه: الاسم الذي نتعجب من صفة فيه (مثل: بالرومِ).
الإعراب:
- أفْعِلْ: فعل ماضٍ جاء على صيغة الأمر لإنشاء التعجب، مبني على السكون.
- الباء: حرف جر زائد لا محل له من الإعراب.
- المتعجَّب منه: اسم مجرور لفظاً بالباء الزائدة، ولكنه في المعنى مرفوع على أنه فاعل للفعل.
أستنتج مما سبق:
- التعجب القياسي له (صيغتان هما: (ما أفْعَلَ!) و (أفْعِلْ بِـ!).
- تتألف صيغة ما أفْعَلَ! من ثلاثة عناصر: "ما" التعجبية، وفعل التعجب، والمتعجَّب منه.
- تتألف صيغة (أفْعِلْ بِـ!) من ثلاثة عناصر: فعل التعجب، والباء، والمتعجَّب منه.
لكي نصوغ التعجب من الفعل مباشرة على صيغتي "ما أفْعَلَ!" أو "أفْعِلْ بِـ!"، يجب أن يكون الفعل مستوفياً لسبعة شروط أساسية. وإذا اختل شرط من هذه الشروط، فإننا نلجأ إلى طريقة أخرى للتعجب.
الشروط السبعة لصياغة التعجب القياسي مباشرة:
- أن يكون الفعل ثلاثيًا:
- الشرح: يجب أن يكون الفعل مكوناً من ثلاثة أحرف في صيغته الماضية، مثل: كَرُمَ، حَسُنَ، كَثُرَ، قَلَّ. وهذا هو الأصل في أفعال التعجب.
- السبب: صيغة "أفْعَلَ" مشتقة من أصل ثلاثي. فإذا كان الفعل رباعياً أو خماسياً أو سداسياً (مثل: دَحْرَجَ، انْطَلَقَ، اسْتَخْرَجَ)، فإنك لا تستطيع أن تضعه على هذه الصيغة مباشرة.
- كيفية التعامل مع الأفعال غير الثلاثية: نستخدم طريقة غير مباشرة، بأن نأتي بفعل تعجب مساعد مستوفي للشروط (مثل: ما أحسنَ، ما أشدَّ) ثم نتبعه بالمصدر الصريح أو المؤول للفعل الأصلي.
- مثال: لا نقول "ما أَسْتَخْرَجَ!"، بل نقول "ما أحسنَ اسْتِخْراجَكَ!" أو "ما أحسنَ أن تَسْتَخْرِجَ!".
- أن يكون الفعل تامًا:
- الشرح: الفعل التام هو الذي يدل على حدث وزمن، ويكتفي بفاعله أو يحتاج لمفعول به لإتمام المعنى. على عكس الأفعال الناقصة (كان، صار، بات) التي لا تدل على حدث، بل على زمن فقط.
- السبب: أفعال التعجب تدل على حدث عظيم. والأفعال الناقصة لا يوجد فيها هذا المعنى الحدثي الذي يمكن أن نتعجب منه.
- كيفية التعامل مع الأفعال الناقصة: نتعجب منها بالطريقة غير المباشرة أيضاً.
- مثال: لا نقول "ما أكْوَنَ"، بل نقول "ما أحسنَ كونَكَ معنا!" أو "ما أحسنَ أن تكونَ معنا!".
- أن يكون الفعل متصرفًا:
- الشرح: الفعل المتصرف هو الذي يأتي منه الماضي والمضارع والأمر، مثل: جَمُلَ، يَجْمُلُ، اِجْمُلْ. أما الفعل الجامد فهو الذي يلزم حالة واحدة فقط (مثل: ليس، نِعْمَ، بِئْسَ، عَسَى).
- السبب: هذه الأفعال لا تُستخدم للتعجب إطلاقاً، ولا يمكن التعجب منها لا مباشرة ولا غير مباشرة.
- أن يكون الفعل مثبتًا:
- الشرح: يجب أن يكون الفعل غير منفي (غير مسبوق بحرف نفي مثل: ما، لا، لم).
- السبب: التعجب يكون من وقوع الحدث، والحدث المنفي لم يقع، فلا يمكن التعجب منه.
- كيفية التعامل مع الأفعال المنفية: نستخدم الطريقة غير المباشرة، مع استخدام المصدر المؤول أو المصدر الصريح.
- مثال: لا نقول "ما أحسنَ ما فازَ"، بل نقول "ما أحسنَ عدمَ فوز الرامي!" أو "ما أحسنَ ألا يفوزَ الرامي!".
- أن يكون الفعل مبنيًا للمعلوم:
- الشرح: يجب أن يكون الفعل مبنياً للفاعل، لا للمجهول.
- السبب: التعجب يكون من الفعل الذي قام به الفاعل، بينما الفعل المبني للمجهول لا نعرف فاعله.
- كيفية التعامل مع الأفعال المبنية للمجهول: نستخدم الطريقة غير المباشرة.
- مثال: لا نقول "ما أحسنَ يُرَدُّ"، بل نقول "ما أحسنَ أنْ يُرَدَّ الفضلُ إلى أهلهِ!".
- أن يكون الفعل قابلاً للتفاوت:
- الشرح: أي أن تكون الصفة التي فيه تقبل الزيادة والنقصان. فالجمال يختلف من شخص لآخر، وكذلك الكرم.
- السبب: التعجب يدل على المبالغة في الصفة، ولا يمكن المبالغة في صفة لا تزيد ولا تنقص. فلا يمكن أن نقول "ما أمْوَتَ!" لأن الموت لا يقبل التفاوت، فإما أن يموت الشخص أو لا يموت.
- كيفية التعامل: لا يُتعجّب من هذه الأفعال لا مباشرة ولا غير مباشرة.
- ألا يكون الوصف منه على وزن "أفْعَلَ" الذي مؤنثه "فَعْلاء":
- الشرح: هذه القاعدة خاصة بأفعال الألوان (مثل: حَمِرَ، خَضِرَ) والعيوب الخلقية (مثل: عَرَجَ). فمذكرها على وزن "أفْعَل" (أحمر، أعرج)، ومؤنثها على وزن "فَعْلاء" (حمراء، عرجاء).
- السبب: صيغة "أفْعَل" محجوزة أساساً لصفات الألوان والعيوب، لذلك لا يمكن استخدامها لإنشاء التعجب.
- كيفية التعامل: نستخدم الطريقة غير المباشرة.
- مثال: لا نقول "ما أخضرَ الزرعَ!"، بل نقول "ما أجملَ خُضرةَ الزرع!" أو "ما أجملَ أنْ يَخْضَرَ الزرع!".
_____________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
نستنتج مما سبق:
- لصياغة التعجب القياسي مباشرةً، يجب أن يكون الفعل مستوفياً لسبعة شروط، وهي أن يكون:
- ثلاثيًّا.
- تامًّا.
- مُتصرفًا.
- مُثبتًا.
- مبنيًّا للمعلوم.
- قابلاً للتفاوت.
- لا يكون الوصف منه على وزن "أفعل" الذي مؤنثه "فعلاء".
- إذا لم يستوفِ الفعل هذه الشروط (ما عدا الجامد وغير القابل للتفاوت)، فإنه يُتعجب منه بطريقة غير مباشرة.
- تكون الطريقة غير المباشرة بوضع فعل تعجب مساعد مستوف للشروط، يتبعه المصدر الصريح أو المصدر المؤول للفعل الأصلي.