- اللزوميات
يحرص الشاعر العربي التقليدي في قصيدته العمودية على الالتزام بـ: وحدة الروي، ووحدة القافية.
وتقتضي الأصول الشعرية التقليدية (أو ما يُعرف بـ 'ما يَلزم') أن يحافظ الشاعر على وحدة القافية وحرف الروي في ختام كل بيت من أبيات القصيدة. غير أن بعض الشعراء لم يكتفوا بهذا القدر، بل اختاروا أن يزيدوا على أنفسهم قيداً إضافياً يُعرف بـ (لزوم ما لا يلزم)، وهو أن يلتزموا بتكرار حرف أو أكثر قبل حرف الروي في جميع الأبيات.
ويُعد هذا النوع من الالتزام تكلّفاً شكلياً ظاهرياً لم يألفه شعراء العصر الجاهلي، وظل نادراً حتى في العصور التي تلتهم، وإن وجدنا له أمثلة قليلة، كما هي الحال عند الشاعر الأموي كُثَيِّر عَزَّة في قصيدته التي مطلعها:
خَليلَيَّ هَذا رَبْعُ عَزَّةَ فَاعْقِلَا قلوصَيكُما ثُمَّ ابْكِيَا حَيثُ حَلَّتِ
وما كنت أَدري قَبلَ عَزَّةَ ما البُكا وَلا مُوجِعاتِ القَلبِ حَتَّى تَوَلَّتِ
نلحظ جليًّا أن الشاعر لم يكتف بأن يلتزم وحدة الحرف الأخير (التاء)، بل ألزم نفسه وحدة الحرف الذي يسبقه (اللام) وهذا ما يُعرَف بـ لزوم ما لا يلزم.
ثمّ إنّ هناك معنَّى آخرَ خاصًّا دقيقًا للزومياتِ يتجلَّى في كونِها: قصائدَ وضعها أبو العلاءِ المَعَرِّيّ في ديوانٍ له سمّاه اللُزوميّات.
- مَنحنى اللزوميّات: أثبتَ أبو العلاء عبر لزوميّاته أنّه إنسانيُّ ذو أخلاقِ وفضيلة؛ فقد امتلكَ جُرأةً عظيمةً في تقديمِ الأخلاقِ والفضائِل ليس من منطلق ذاتيّ وإنما من منطلق إنساني.
|
أبو العلاء المعرِّيّ (363 - 449 هـ = 973 - 1057 م) هو أحمدُ بنُّ عبدِ اللهِ المَعَرِّيّ: شاعرٌ فيلسوف. ولدَ ومات في مَعَرَّة النُّعْمان. كان نحيفَ الجسم، أصيبَ بالجدريّ صغيرًا فعمِيَ في السنةِ الرابعةِ من عمره. وقال الشعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة. كان يلبسُ خشنَ الثياب. وكانَ في آخرِ عمره قد التزم بيتَه فلُقِّب ((رهين المحبسين: العمى، والبيت)). وعرف عنه أنّه مُتَشَائِم لكنه ليس شديد التَطَّيُّر كابن الرومي. وأهمُّ ما أبدعَ ديوان اللّزوميّات، وديوان سِقْط الزَّنْد، ورسالةُ الغفران. |