الآيات الكريمة من سورة الإسراء
قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)).
معاني المفردات والتّراكيب:
وَقَضَى رَبُّكَ: حكمَ ربُّك.
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ: أي تواضع لهما.
لِلْأَوَّابِينَ: للتَّائبين إلى الله تعالى.
وَابْنَ السَّبِيلِ: المسافر الَّذي انقطع عنه ماله أو ضاع منه، وليس كلّ مسافر ابن سبيل.
تفسير الآيات الكريمة:
جاءت الآيات الكريمة توجّه المسلم إلى مجموعة من مكارم الأخلاق الّتي تحقّق للإنسان العبوديّة لله تعالى والفوز برضوانه عزّ وجلّ، فاشتملت على الموضوعات الآتية:
- عبادة الله تعالى وحده وبرُّ الوالدين.
- استشعار مراقبة الله تعالى، والدَّعوة إلى الصَّلاح وتزكية النَّفس.
- رعاية الأقارب والمحتاجين.
- تحريم تبذير المال.
- التَّعامل الإنسانيّ مع الآخرين.
أولاً: عبادة الله تعالى وحده وبرّ الوالدين.
من مظاهر مكانة برّ الوالدين:
- أمر الله تعالى بإفراده وحده بالعبادة، وقرن بها أمرَ الإحسان إلى الوالدين؛ تأكيداً على وجوب برّهما.
- نهى عن كلّ ما يؤذيهما مهما صغُرَ، ولو بكلمة (أُفٍّ).
- كما أمر الله سبحانه بلين الكلام وأدب الخطاب معهما في كلِّ وقت وحال، وبخاصّة عند كبرهما، لحاجتهما إلى العناية في هذه المرحلة. جزاء ما بذلاه من جهد وعناية وتربية لأبنائهم في صغرهم.
- من فضل الله تعالى على الأبناء، أن جعل برّ الوالدين مستمّرا لا ينتهي بموتهما، وذلك: بالدعاء لهما بالرحمة والاستغفار، والصدقة عنهما وبرّ صديقهما.
- إن صدر من أحد الأبناء ما يسيء إلى الوالدين أو أحدهما، فعليه المبادرة إلى التوبة إلى الله تعالى، فهو يغفر للتائبين ويقبل توبتهم, بأن يعتذر عن إساءته، وألّا يعود إلى تكرار الخطأ في حقهما، وأن يبادر إلى الإحسان إليهما من جديد.
ثانياً: استشعار مراقبة الله تعالى، والدعوة إلى الصّلاح وتزكية النفس.
- بعدما تقدّم من الأمر بإفراد الله تعالى بالعبادة وحده، والإحسان إلى الوالدين، جاءت هذه الآية الكريمة للتأكيد على أهميّة استشعار الإنسان مراقبة الله تعالى له في فعله وسلوكه وأعماله، (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).
- وعلى من وقع في الإثم أو المعصية، أن يراجع نفسه، ويسارع بالتَّوبة الصَّادقة إلى الله تعالى، (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
ثالثا: رعاية الأقارب والمحتاجين.
- يأمر الله تعالى بالإحسان إلى الأقارب وصلتهم وتفقّد أحوالهم، والعناية الخاصة بالفقراء منهم بالنفقة عليهم، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).
- والإسلام يدعو إلى الرعاية والتكافل الاجتماعيّ، بحيث يحرص المسلم على تفقّد المحتاجين من أبناء مجتمعه من الفقراء والمساكين وابن السَّبيل، بتقديم ما يسدّ حاجتهم، ويغنيهم عن سؤال النَّاس. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ سُرُورًا أَوْ تَقْضِيَ عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تُطْعِمَهُ خُبْزًا).
رابعاً: تحريم تبذير المال.
- المال عصب الحياة، يجب المحافظة عليه، وإنفاقه فيما أحلّ الله تعالى.
- ويعدُّ التصرّف فيه في غير الوجه الشرعيّ المسموح به من التبذير المحرّم، كالإنفاق على الأمور المحرّمة مثل: المسكرات والمخدرات، ودفع المال لشهادة الزور.
- وقد ذمّ الله تعالى المبذرين وجعلهم أشباهًا للشياطين بسبب تبذيرهم، وتركهم طاعة الله بارتكاب معاصيه؛ واستعمال المال في معصيته سبحانه، وقد حذّرنا الله تعالى من الشيطان ووعوده الكاذبة الخادعة، (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
خامساً: التعامل الإنسانيّ مع الآخرين.
- بعد أن بيّنت الآيات الكريمة السابقة خطر وسوسات الشيطان وما يدعو إليه، جاءت هذه الآية الكريمة لتوجّه المسلم إلى أن يبتغي رحمة الله تعالى ورضوانه والأجر والثواب في كلّ فعل يقوم به.
- كما بيّنت الآية ما يجب أن يكون عليه المسلم من اللطف والرفق واللين مع الآخرين في أثناء نصحهم وإرشادهم.
القيم المستفادة من الآيات الكريمة:
- أبرُّ والدَيّ وأتلطف في الحديث معهما.
- أحرص على أداء الحقوق للآخرين.
- أتعامل مع الآخرين برفق ورحمة.
- أحرص عل ىالاعتدال في الإنفاق، وعدم الإسراف أو التبذير فيه.