رثاء المدن والممالك - قضايا ادبية 2007

شعر رثاء المدن والممالك

 

عاش الحكم الإسلامي في الأندلس فترة من التألق الحضاري، إلا أنه شهد بعد ذلك حالة من الضعف والتفكك في عصر ملوك الطوائف. هذه الفترة السياسية المضطربة تركت أثرًا بالغًا في نفوس الشعراء، حيث تجلى تأثيرها بوضوح في شعرهم، إذ تناولوا في قصائدهم أسى المدين التي انقض عليها الخراب والدمار، وعبروا عن مشاعر الحزن والغربة تجاه ما آلت إليه أوضاع الأندلس وازدهر نوع خاص من الشعر في هذه المرحلة عرف بشعر رثاء المدن، الذي عكس آلام الأمة الإسلامية في الأندلس بعد انهيارها السياسي والتشريعي. في هذا المقال، سنعرض أبرز سمات شعر رثاء المدن، وخصائصه الفنية، ودور هذا النوع من الشعر في التعبير عن الوضع السياسي والاجتماعي في الأندلس.

مظاهر شعر رثاء المدن :

يتميز شعر رثاء المدن بتوثيقه لآلام المدن الإسلامية في الأندلس في ظل ضعف الحكم وتفكك الدولة. فقد أرخ الشعراء ما حلّ بالمدن من خراب ودمار، كما في قصيدة الشاعر ابن خفاجة الذي رثى مدينته بلنسية، إذ عبر عن الحزن العميق لما حل بالمدينة من دمار، ممثلاً في انهيار القلاع والجدران التي كانت يومًا ما شاهدًا على عزّ الأندلس. هذا التدمير والخراب الذي لحق بالمدن لم يكن مجرد فقدان للمعالم، بل كان رمزًا للانهيار السياسي والعسكري للأمة.

كما اتخذ شعر رثاء المدن طابعًا يتضمن الموازنة بين ماضي المدن وحاضرها، حيث أشار الشعراء إلى ما كانت عليه هذه المدن من بهاء في فترة حكمها المزدهر، ثم تحولت بعد سقوطها إلى بؤر يأس ودمار. نجد هذا بوضوح في شعر ابن اللبانة الذي رثى دولة بني عباد في إشبيلية، حيث قارن بين حال المدينة في عصر المعتمد بن عباد وأيامه الحافلة بالعز والرفعة، وبين ما آلت إليه بعد سقوطها .

ذكر أسباب الهزيمة وتداعياتها لم يقتصر شعر رثاء المدن على تصوير الدمار الخارجي فقط، بل شمل أيضًا ذكر أسباب الهزيمة، مثل ضعف المسلمين واختلافهم وبعدهم عن تعاليم الدين الحنيف. فالشعراء أرجعوا هذا التفكك إلى تدهور الوضع الداخلي، وعدم قدرة الحكام على توحيد الصفوف. وقد تجلى ذلك في قصيدة الشاعر ابن الجد، الذي وصف حال ملوك الطوائف ودورهم في سقوط الأندلس بسبب سوء تدبيرهم وابتعادهم عن مبادئ الإسلام. كانت هذه القصائد بمثابة تحذير للأمة الإسلامية من التفرق والضعف الذي جعلها فريسة سهلة لعدوها.

ومن السمات البارزة في شعر رثاء المدن هو الاستنجاد بالمسلمين واستنهاض هممهم للقيام بنصرة إخوانهم في الأندلس. في هذا السياق، نجد أن ابن البار القضاعي أرسل بعد سقوط بلنسية قصيدته إلى أبي زكريا بن حفص سلطان تونس، مستنجداً به لنصرة الأندلس. هذه الاستغاثات كانت صرخة مدوية، تستنفر القوى الإسلامية للوقوف مع الأندلسيين ومساعدتهم في محنتهم، مما يعكس التزام الشعراء بقضايا أمتهم ورغبتهم في استعادة مجدها.

خصائص شعر رثاء المدن الفنية:

1. حرارة العاطفة: من أبرز الخصائص الفنية لهذا النوع من الشعر هو حرارة العاطفة وعمق الشعور الأسى والحزن. يعبر الشعراء في قصائدهم عن مشاعرهم تجاه ما آلت إليه مدن الأندلس من دمار، ويتجلى ذلك في قصائدهم التي تُظهر التأثر الكبير بالوضع السياسي والاجتماعي في تلك الحقبة.

2. أساليب الإنشاء الطلبي: يكثر في شعر رثاء المدن استخدام أساليب الإنشاء الطلبي، مثل النداء، والاستفهام، والتحسر والتفجع، حيث تزداد النداءات للتنبيه على الوضع المؤلم وتوجّه الأسئلة الممزوجة بالأسى عن أسباب هذا الخراب.

3. النزعة الدينية والحكمة: تغلب على شعر رثاء المدن النزعة الدينية، وتظهر الحكمة المستخلصة من التجارب المريرة. تجسد هذا بوضوح في أبيات الشاعر أبي البقاء الرندي الذي تحدث بحكمة عن تداول الأيام وتبدل الأحوال، مؤكدًا أن ما حل بالأندلس هو نتيجة حتمية لتقلبات الزمان.

وتعد نونية أبي البقاء الرندي: تعد نونيتة أبي البقاء الرندي من أشهر ما قيل في رثاء الأندلس. لأنها لا تركز على مدينة بعينها، وتحمل رمزية كبيرة، حيث ترثي الأندلس ككل. وقد تحدث فيها عن فراق الأندلس، مسلطًا الضوء على تبدل الزمان وتقلب الأحوال.

نهايةً يمكننا أن نرى كيف أثرت التقلبات السياسية التي شهدتها الأندلس في شعر شعرائها، خاصة في شعر رثاء المدن. إذ لم يكن هذا النوع من الشعر مجرد تعبير عن الحزن أو الأسى على المدن المدمرة، بل كان بمثابة تأريخ لحالة الضعف التي أصابت الأمة الإسلامية في تلك الحقبة. كما كان يحمل دعوات إلى الوحدة والتكافل، مطالبًا المسلمين بالعودة إلى قيمهم الدينية والمجتمعية. لقد كانت قصائد الرثاء بمثابة صرخة في وجه الفتن والانقسامات، لتذكير الأمة بأن الزمن يدور، وأن تبدل الأحوال هو سنة الحياة، ولكن العمل على التوحيد والنصرة يبقى هو الطريق إلى استعادة القوة والمجد.

 

وللتعرف أكثر إلى درس شعر رثاء المدن والممالك جهزت لكم منصة جو أكاديمي شرحاً تفصيليًا للدرس وأوراق عمل خاصة في هذا الدرس وحل الأسئلة الخاصة به وللاطلاع عليها من خلال الرابط الخاص بالدرس  اضغط هنا .