استماع (من زهد أحد الخلفاء) مِن زُهدِ خامسِ الخلفاءِ الرّاشدينَ
عمر بن عبدِ العزيزَّا تولَى عُمَرُ بنُ عبدِ العَزيز الخلافةَ زَهِدَ في الدُّنيا، ورفضَ مَا كَانَ فيهِ الخلفاءُ منْ إسرافٍ وتَرَفٍ قبلَه، وَتركَ أَن تخْدِمَهُ الخدَمُ، وكانتِ امرأتُهُ فاطمةٌ بنتُ عبدِ الَملِكِ تصبرُ على ذلكَ معَه، وتَرضَى الزّهدَ الَّذي اختارَهُ لنفسِه، وهيَ بنتُ الخلفاءِ وأختُ الخلفاءِ، كما تركَ ألوانَ الطَّعَامِ، وما كانَ يرضى أن يلبَسََ من فاخرٍ الثّيابِ، فمَنْ نظرَ في حالِ طعامِهِ وثيابِه عدَّهُ منَ الفقراءِ. وَجَاءَتْ إِلَى عمرَ بنِ عبدِ العَزِيزِ امْرَأةً منْ أهلِ الْكُوفَةِ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ المؤمنِينَ، مَا أصبتُ أَنا وَلّا بَنَاتِي بِمَّا قسَمَ أَمِيرُ المؤمنِينَ قَلِيلًا وَلّا كثيرًا. فقَالَ: ارجعي إِلَيّ حَتَّى العَشِيَّةِ، فأكتب لَكِ، ثمَّ قَالَ: انتظري؛ فلعلّي لا أبلغُ العِشاءَ، ادخلي على فَاطِمَةً بنتِ عبدِ الَمَّلِكِ، ثمّ دخلَ فتوضّاً، فرأتْهُ المرأةُ يَسكُبُ الوَضوءَ لنفسِه، لا يُعينُهُ على ذلكَ زوجةٌ وليسَ في بيتِهِ خادمٌ، فتعجّبتْ منْ حالِه.
وجيءَ إلى عُمَرَ بسلَّتَيْ رُطَبٍ منِ الْأُرْدُنّ هديّةٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُّوا: رُطبٌّ بعثَ بِهِ أَمِيرُ الْأُردُنّ. فقَالَ: على أيّ شيءٍ حُملتِ السّلّتانِ؟ قَالَ رجلٌ: على دَوَاب البَرِيد يا أميرَ المؤمنين.
فلمْ يَطبْ لهُ أنْ يأكلَ منها مع أنَّها هديّةٌ؛ لأنَّ هذهِ الدّوابَّ الّتي حَمَلَتِ الرُّطَبَ إنّما هي لبيتِ مالِ المسلمينّ، فصارَ للمسلمينَ.