نص استماع قضايا بيئيةٌ
عندما يزرعُ الإنسانُ قطعةً منَ الأرضِ فربّما لا يدركُ أنّهُ في الواقعِ يُنْشئُّ نظامًا بيئيًّا؛ فالبستانُ نظامٌ بيئيٍّ، وحقلُ القمح نظامٌ بيئيٌّ، والمزرعةُ نظامٌ بيئيٌّ، وحديقةُ المنزلِ نظامٌ بيئيٌّ. ونُورِدُ هنا قصّةً تَرويها كتبُ علمِ البيئةِ، لنوضَحَ أنّ الأرضَ المزروعةَ نظامٌ بيئيٌّ متكاملٌ ومتوازنٌ. تقولُ القصّةُ: إنَّ صاحب مزرعةٍ تَحوي خَضراواتٍ وأشجارَ فواكةَ وحظيرةَ دواجنَ لاحظَ وجودَ نوعٍ منْ طيورِ البُومةِ الجارحةِ يستوطنُ المزرعةَ ويعتدي أحيانًا على بعضِ أفراخِ الدّجاجِ، ويأكلُ منها بعضَ الأفرادِ، وعلى عَجَلٍ قرّرَ الرّجَلُ القضَاءَ على طائرٍ البومةِ باصطيادِهِ وتدميرِ أعشاشِهِ، وبعدَ مُدّةٍ يسيرةٍ كانَ لهُ ما أرادَ. لكنّهُ بعدَ بضعةِ أسابيعَ فوجى بهجْمةٍ مكثفةٍ تتعرّضُ لها نباتاتُ الخَضراواتِ في المزرعةِ منْ قِبَلِ أعدادٍ كبيرةٍ منَ القوارض، كفئرانِ الحقلِ، وغيرِها، مما سبّبَ لهُ خسارةً كبيرةً. فكّرَ الرّجلُ بالأمرِ واستشارَ مزارعينَ آخرينَ، فوصلَ إلى نتيجةِ مُفادُها أنّ إعادةَ طائرٍ البومةِ إلى المزرعةِ أربَحُ لهُ؛ إذْ إنَّ هذا الطّائرَ الجارحَ ينظّمُ أعدادَ القوارضِ فَتَسْلَمُ الخَضْراواتُ من أذاها، وليس الضّررُ كبيرًا إذا ما افتُرسَ بعضُ أفراخِ الدّجاجِ. حينَها توقّفَ الرّجلُ عنْ مُلاحقةِ طائرِ البُومةِ حتّى يمنحَهُ فرصة للعودة إلى المزرعةِ، لقدْ كانَ طائرُ البومةِ جزءًا منَ النظام البيئيِّ للمزرعةِ، وعندما أُقصيَ أَخذتِ القوارضُ فرصتها بالأزديادِ، وهجمتْ على الخَضراوات، ولوَّ تُركَ الأمرُ على تلك الحالٍ لاستهلكتِ القوارض كميات كبيرة من نباتات اخضروات وأفتتتها ، ولباتت القوارض بعد ذلكَ في مجاعةٍ.
إنّ ما يُحدثهُ الإنسانُ منْ تغييرٍ في بعضِ مكوِّناتِ النّظام البيتيّ في الأرضي المزروعةِ ليسَ كالتَغييرِ الَذي يُعدثهُ النظامُ البيئيُّ منْ تلقاءِ ذاتِها فالكُلّ منَّا يُلْحَظُ تَغيُّر النظامِ البيتيِّ في الأرضِ المزروعةِ معَ تعاقُبِ الفصولِ، فالمزروعةُ في الشُّتاءِ كامنةٌ ساكنةٌ وكأنها بلا حياةٍ. وعندما يَّحلُ الرّبيعُ ترِى الحياةَ في مشهدِ تَهيجٍ؟ تفتّحُ براعمُ الأشجارِ، وتخرجُ الحشراتُ منْ شرائِقها، وتتنشط الطَّيورُ في بناءِ أعشائِها فرِحَةً تُغْنِي أَناشيد الغَزَلِ، وتتزين الذكور للاناث . وفي الصيف تُنضجُ الحياة ( استعدادا لحفظ التنوع، وفي الخريف تَصْفَرٍّ أوراق الأشجارِ وتتساقط استعدادًا للعيش في سكون ، وتستعدُّ الحيوانات للرحيل او للبيات الشّتويِّ. إنها مواكبُ الفصولِ تمرٍّ على المزرعةِ في كلّ سنةٍ بانتظامٍ حاملةً معها رياح الْتَّغْيير، فلكلِّ فصلٍ بِسماتُهُ، والنّظامُ البيئُّ تظلُّ مكوَّنَاتهُ تتغيّر مُهيئةً الظروفَ لصورةٍ جديدةٍ منَّ الإتزانِ.