اللغة العربية5 فصل أول

الخامس

icon

في الأصيلِ جلسَ سعيدٌ أمامَ حاسوبهِ بعدَ أنْ أنهى واجباتِهِ ومراجعةَ دروسِهِ، ودخلَ إلى فضاءِ التّواصلِ الاجتماعيِّ، فسجّلَ اسمَهُ وكلمةَ المرورِ، وأبحرَ في استعراضِ المعلوماتِ والصّورِ، وأخذَ يقرأُ بعضَ الأخبارِ والتّعليقاتِ، ويتجاوزُ بعضها الآخرَ لقلّة فائدتِها.

فجأةً شدّتْهُ صورةُ حادثٍ مريعٍ: ((حافلةٌ تسقطُ منْ عُلُوٍّ شاهقِ)) قرأَ الخبرَ فهالَهُ ما حدثَ وانقبضَ قلبُهُ وعيناهُ تتابعانِ

القراءةَ: ((رحلةٌ مدرسيّةٌ تنتهي بكارثةٍ حقيقيّةٍ). وتملّكَهُ حزنٌ وخوفٌ وهوَ يقرأُ التّفاصيلَ: (لمْ يستطعِ السّائقُ التّحكّْمَ في الحافلة عندَ المنحد, ف.الطّيق، الحيليّة، فان لقَتْ، واستقرّتْ في الوادي السّحيقِ)).

بكى سعيدٌ متأثّرًا؛ وكانتْ أُولى كلماتهِ: لا حولَ ولا قوّةَ إلا باللهِ! خوفي أنْ تكونَ هذهِ الرّحلةُ الّتي شاركَ فيها أخي مروانُ، وجرى إلى أمّهِ، وأعلمَها

بالخبرِ. اصفرَّ وجهُ الأمِّ، وتناولَتْ كرسيًّا قريبًا منها وجلسَتْ. لمْ تعدْ قدماها قادرتينِ على حملها، ثمَّ أخذَتْ هاتفَها وحاولَتِ الاتّصالَ بابنِها، كان هاتفُهُ مغلقًا لا يردُّ، زادتْ مخاوفُها، وبدَتْ متأكّدةً أنَّ ابنها أصابهُ مكروهٌ، لكنَّ الأمَّ المحتارةَ لمْ تيأسْ منَ الحصولِ على خبرٍ يقينٍ، فاتّصلَتْ بكلِّ منْ لهُ علاقةٌ بالرّحلةِ.

تمكّنتِ الأمُّ أخيرًا منَ الاتّصالِ بمديرِ المدرسةِ، فطمأنَها على سلامةِ المشاركينَ جميعِهم، وأخبرَها أنَّ الخبرَ شائعةٌ فحسبُ، نشرَها أحدُ المولَعينَ بنشرِ الأخبارِ الزّائفةِ، ليسََ لغرضٍ سوى جمعِ علاماتِ الإعجابِ، وزيادةِ عددِ المشاركينَ والمتفاعلينَ. تنفّسَتِ الأمُّ الصُّعَداءَ، وحَمِدَتِ اللهَ على سلامةِ المشاركينَ في الرّحلةِ، وقالَتْ: متى يدركُ هؤلاءِ العابثونَ آنّهمْ يرتكبونَ    جريمةً في حقِّ النّاسِ والوطنِ بنشرِهمُ الإشاعاتِ والأكاذيبَ؟

وسألَها سعيدٌ: هؤلاءِ الكذّابونَ لاهمَّ لهمْ إلّا تهويلُ الأخبارِ ونشرُ الأكاذيبِ، ألا يحاسبهُمْ أحدٌ؟ لمَ لا يغلقونَ شبكةَ ((الإنترنت))؟

ردَّتِ الأمُّ: المسألةُ معقّدةٌ يا بنيَّ، لكنْ يمكنُنا الانتصارُ على مثلِ هؤلاءِ بالامتناعِ عنْ نشرِ ما كتبوهُ وبالتّبيّنِ عندَ قراءةِ أيِّ خبرٍ. إنَّ الذّنبَ ليسَ ذنبَ الإنترنت، بلْ ذنبُ الّذينَ يسيئونَ استخدامَها وتوظيفَها.   

أثّرَ هذا الحدثُ في سعيدِ تأثيرًا كبيرًا، ولمْ يتركْهُ يمرُّ عابرًا، ولمْ ينسَهُ؛ ولذلكَ عقدَ سعيدٌ العزمَ أنْ يكونَ لهُ موقفٌ إيجابيٌّ تُجاهَ كلِّ تلكَ الأخبارِ الّتي تنتشرُ على صفحةِ الإنترنت وفي مواقعِ التّواصلِ الاجتماعيِّ. قرّرَ أنْ يدرسَ تخصّصَ أمنِ المعلوماتِ حينَ يكبُرُ، وأنْ يصمّمَ برنامجًا للهواتفِ النّقّالةِ والحاسوبِ؛ لاكتشافِ صدقِ الأخبارِ أوْ كذبِها، ووضعَ لهذا.

 

البرنامجِ اسمًا في فرحٍ وإصرارٍ: ((تَبَيِّنُوا).

سامي الجازي، دار الماسة،

بتصرّف

Jo Academy Logo