العلوم الإسلامية فصل ثاني

الأول ثانوي أدبي

icon

ابن خلدون أحد الذين تركوا ثروة علمية شمولية، وقد احتل ابن خلدون في التراث العربي والإسلامي وفي الفكر الغربي المعاصر مكانة متميزة، ويُنظر إليه على أنه صاحب رؤية خاصة في ما يتعلق بدراسة التاريخ البشري، والمجتمع الإنساني، والعمران الحضاري، حتى وصفوا شخصيته بالعبقرية في الفكر الاقتصادي والتربوي والسياسي وغير ذلك من الحقول المعرفية.

التعريف بابن خلدون

  • ابن خلدون هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، ولد في تونس في شهر رمضان من عام 732هـ.
  • نشأ في بيت علم ومجد عريق، فحفظ القرآن الكريم في وقت مبكر من طفولته.
  • درس على مشاهير علماء عصره، من علماء الأندلس.
  • درس القراءات وعلوم التفسير والحديث والفقه المالكي، والأصول والتوحيد، وعلوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة وأدب، وعلوم المنطق والفلسفة والعلوم الطبيعية والرياضيات.
  • كان مثار إعجاب أساتذته وشيوخه في كل تلك العلوم التي درسها.

صفاته ومناقبه

  • لم يعرف التاريخ السياسي العربي رجلًا ملئت حياته بالحوادث مثل ابن خلدون.
  • اتصف بصفات من أبرزها؛ الثقة بالنفس، وحب العمل.
  • أجمع كثير من الأعلام على أن معالم العبقرية المبدعة متوافرة في شخصيته. قال عنه المستشرق :Levi-provencal "إن صفات العبقرية عند ابن خلدون تتجلى في أنه أحرز قصب السبق في مجالات المعارف الإنسانية والتاريخ، وعلم الاجتماع، والتربية وغيرها".
  • مما ميز ابن خلدون وأوصله إلى هذه المكانة العلمية؛ كثرة أسفاره وتنقلاته بين الدول الغربية والأندلس، وكثرة قراءاته ودراسته، وخبراته الواسعة في ميادين السياسة، وخدمته في معية الملوك والأمراء.

حياته العلمية

يعد ابن خلدون رائدًا مجددًا في كثير من العلوم والفنون، منها ما يأتي:

1- ابن خلدون وعلم الاجتماع

  • يعدّ ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع أو علم العمران البشري، وهو ما يعرف بتلك العلاقات التي يقيمها الإنسان مع أفراد جنسه سواءً أكانت سكانية أم اجتماعية أم سياسية أم اقتصادية أم ثقافية.
  •  وقد ابتدأ أسسه بإيضاح أن الإنسان لا يستطيع العيش بمعزل عن أبناء جنسه حيث يقول: "إن الاجتماع الإنساني ضروري، فالإنسان مدني بالطبع؛ أي لابد له من الاجتماع الذي هو المدنية، وهو معنى العمران".
  • وقد ذكر في مقدمته بعضًا من فروع علم الاجتماع المعاصر، منها: علم الاجتماع العام، والبدوي، والسياسي، والحضري، والاقتصادي، والتربوي، وقد أصبح هذا العلم اليوم علمًا متخصصًا يُدرّسُ في الجامعات.

2- ابن خلدون وعلم التاريخ

يعد ابن خلدون مؤرخًا إسلاميًا بارزًا، تميز منهجه في تناول الأحداث التاريخية بروح التقصي والتحقق؛ ما أكسبه منهجية علمية تميزت بها كتبه، وجعلت مقدمته الشهيرة مرجعًا أساسيًا لمن أحب قراءة الحقبة الزمنية التي كتب عنها ابن خلدون.

ركز ابن خلدون في نظرته إلى التاريخ على الصلة الجوهرية بين التاريخ وأعمال البشر ونشاطاتهم وأوضاعهم وأحوالهم في حياتهم واجتماعاتهم.

وقد تميز البحث التاريخي عنده بما يأتي:

  • التاريخ علم له قواعده، سواء أكان في المفهوم أم في الصياغة النظرية للمفهوم، أم في الكتابة، أم في آلية التحقيق.
  • الطريقة التاريخية ذات أسلوب نقدي خاص، تتحد عناصرها الأساسية في: المؤرخ، ومفهوم التاريخ، وأسلوب الكتابة التاريخية، واستيعاب الخبر.
  • للتاريخ دور في صناعة المستقبل، فهو يهتم بالماضي لا لذاته، ولكن للوعي وللمستقبل، والتاريخ عِبَر، والعبر تعمل مع الآتي، لكي يكون كما نريد؛ أي أنه أراد إعادة ترتيب الماضي ليقدم لنا منه صورة مشرقة للمستقبل.

وهذا ما جعل منه أول من اقتحم ميدان ما يسمى بتاريخ الحضارات أو التاريخ المقارن.

3- ابن خلدون وعلم الاقتصاد

يبين ابن خلدون نظرته الاقتصادية بقوله: "إن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلهم من المعاش" وهذا قاده إلى أن الاقتصاد يقوم على مجموعة من مقومات تُعَدُّ حجر الزاوية في علم الاقتصاد الحديث منها:

  • دراسة الأساليب الإنتاجية التي تعاقبت عليها المجتمعات البشرية.
  • انتقال المجتمعات من البداوة إلى الحضارة؛ أي من الرعي والزراعة إلى الصناعة والتجارة.
  • يركز ابن خلدون على الصناعة جاعلًا منها السبب الأساسي في الازدهار الحضاري، ومن ذلك قوله: "إن الصنائع إنما تكتمل بكمال العمران الحضري وكثرته، وإن رسوخ الصنائع في الأمصار إنما هو برسوخ الحضارة وطول أمدها"، وتناول أيضًا مقولة تقسيم العمل بتأكيد أن "النوع الإنساني لا يتم وجوده إلا بالتعاون"، لعجز الإنسان عن تلبية حاجاته جميعها مهما كانت قدرته بمفرده.

ولابن خلدون العديد من النظريات الاقتصادية منها:

  • hلملكية الخاصة غريزة عند الإنسان، وهي التي تدفعه للعمل، ويعتقد أن الإنتاج غير ممكن إلا على أساس الملكية الخاصة.
  • بين أن العمل هو كسب الرزق والمعاش، وقد حث عليه الدين، وقد أعطاه الدور الفاعل في حياة الإنسان.
  • قسم السلع صنفين؛ سلع كمالية، وسلع ضرورية، وعدّ أن قيمة هذه السلع تمثل أسعارها، وهي التعبير الحقيقي عن قيمة البضاعة، والمقصود هنا العمل الذي يبذل في إنتاج هذه السلعة.
  • عَدَّ أن تزايد عدد السكان يؤدي إلى سعادة البشرية وقوة الأمة ورخص الأسعار ورفاهية الناس.
  • حدد وظائف النقود وبين قيمتها، وأنها وسيلة للتبادل التجاري على المستوى العالمي.

وبهذا يظهر فضل ابن خلدون بإحداث نقلة معرفية ومنهجية في دراسة علم الاقتصاد، ودوره في قيام الحضارات واستمرارها.

4-ابن خلدون وعلم التربية

أسهم ابن خلدون إسهامًا فاعلًا في علم التربية؛ ما مهد لجعله علمًا أكاديميًا مستقلًا، وقد عُملت دراسات كثيرة حول فكره التربوي، ويمكن إجمال أفكاره التربوية في الآتي:

  • التدرج والتكرار بما يناسب الطالب والموضوع معًا: وهو أن يُتدرّج مع الطالب بتلقينه مسائل من كل باب هي أصول ذلك الباب من غير الدخول إلى التفاصيل، وفي المرحلة الثانية شرح جزيئات من الموضوع أكثر ارتباطًا به، وبعد ذلك تأتي المرحلة الثالثة حيث يدخل إلى الجزيئات والتفاصيل الأصغر دقة.
  • عدم إرهاق فكر الطالب، والإحاطة بطبيعة هذا الفكر، يقول: إن الفكر الإنساني ينمو ويتطور تدريجيًا، ويتأثر بما يكتسبه من معلومات ومهارات، وما يعرض له من خبرات.
  • عدم الانتقال من فن إلى آخر قبل فهمه: وذلك خوفًا من الخلط المؤدي إلى عدم الفهم، وهو العلم والتعليم.
  • النسيان آفة العلم، تعالج بالتتابع والتكرار: والمراد تربية الملكات لدى الطالب، ليكون قادرًا على التذكر عند الحاجة.
  • عدم الشدة على المتعلمين: لم يَخْفَ على ابن خلدون ما للشدة والقسوة على الطالب وخاصة على المبتدئ من نتائج سلبية، لذا دعا إلى عدم استخدام العنف والقسوة مع المتعلمين.

5- ابن خلدون ومناصبه

  • قضى ابن خلدون أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب.
  • عمل بالتدريس في جامع الزيتونة بتونس، وفي جامع القرويين في المغرب، وبالجامع الأزهر في القاهرة، وبالمدرسة الظاهرية في دمشق وغيرها، وكان لا يدرس في هذه المراكز العلمية إلا صاحب علم وفضل.
  • في آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيهًا.
  • من بين شيوخه الإمام ابن عرفة. 

مؤلفاته

عاش ابن خلدون حياة مليئة بالأحداث، ومع ذلك فقد ترك مؤلفات عظيمة لا تزال البشرية جميعها تعتمد عليها، تدرسها وتتعلم منها، وأشهر مصنفات ابن خلدون ما يأتي:

1- التعريف بابن خلدون في رحلاته شرقًا وغربًا، تحدث فيه عن الكثير من تفاصيل حياته المهنية في مجال السياسة والتأليف والرحلات، ولكنه لم يضمنه كثيرًا من تفاصيل حياته الشخصية والعائلية.

2- تاريخ ابن خلدون المسمى بـ"كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، الذي خصصه للتاريخ العام، وتاريخ تعمير صقلية، وقد تُرجم هذا المجهود الكبير إلى لغات أجنبية عديدة وبالأخص الروسية، والإيطالية، والهولندية، والإسبانية، والبرتغالية.

3- مقدمة ابن خلدون: أكثر كتبه انتشارًا، وقد احتوت على مجمل التاريخ، وبيان لعلم الاجتماع، وموسوعة للعلوم الحية التي تهتم بالحياة البشرية.

وفاته

توفي ابن خلدون في مصر عام 808هـ، وله قصيدة في الحنين لموطنه تونس، وقد أثر هذا العالم في العديد من الشخصيات، وتأثر به العديد من العلماء.