الأخلاق الفاضـلة تحمـي المجتمعات من الانحلال والتفكك، وتصـون الحضـارات والمجتمعات من السقوط والتراجع، وهي رمز لقوة المجتمعات وتحضرها ورقيها.
أولا: مفهوم الأخلاق وعناية الإسلام بها
الأخلاق: هي كل ما يتصف به الإنسان من صفات، تجعله محل تقدير واحترام بين الناس،وينال بها الأجر العظيم من الله.
قال تعالى:{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} [النحل:90].
- دلالة الآية الكريمة: حث الإسلام على التزام الأخلاق النبيلة وحذر من نقيضها، فدعا الإسلام إلى التزام مكارم الأخلاق، ونهى عن الرذائل والمنكرات.
- ومثال مكارم الأخلاق: العدل والإحسان والصدق في القول والعمل، والوفاء في العهود والمواثيق وسائر الالتزامات، وحسن الخلق في التعامل مع الآخرين، والتسامح والصفح والتعاون على الخير،
- ومثال الرذائل والمنكرات: الكذب، والظلم، والفحش في القول والعمل.
ثانيا: تربية النفس على الأخلاق الفاضلة
فطر الله تعالى الإنسان على الأخلاق الفاضلة، والأخلاق يمكن أن تكتسب وتُعلّم بمعنى أنّ الإنسان قد يتأثر بأخلاقيات مجتمعه ومحيطه سواء أكانت حسنة أم قبيحة، ومن طرق اكتساب الأخلاق:
(التدريب والتعويد والممارسة، البيئة الاجتماعية) وفيما يلي توضيح ذلك:
1- التدريب والتعويد والممارسة
الخلق الحسن يمكن اكتسابه بالتدريب والتعويد والحرص على ممارسته والدوام عليه، ويدل على ذلك، قول رسول الله ﷺ: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا"
بيّن الحديث طريقة اكتساب خلق الصدق حيث يكتسب:
- بالتزام الصدق والثبات عليه، وتحريه، حتى يستقر الصدق في السلوك ويصبح عادة ثابتة، وهكذا في الأخلاق جميعها.
ويبين النّبي صلى الله عليه وسلم أنّ ممارسة السلوك المحمود في حياتنا اليومية، طاعة لله تعالى، يعزز الأخلاق الفاضلة في النفس، وينميها، حيث قال ﷺ : "إنّما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه".
2- البيئة الاجتماعية
أوجب الإسلام اختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح، واختيار الصديق الصالح. وذلك لأنّ التنشئة على الأخلاق تتحقق من خلال البيئة الاجتماعية، كالأسرة والرفقة والصحبة لذلك.
قال الله تعالى: {الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِين} فدلّت الآية الكريمة على أن الإنسان يصاحب من يتوافق معه في صفاته وأخلاقه، فالصحبة في معصية الله تعالى في الدنيا عداوة في الآخرة، والصحبة في طاعة الله تعالى وتقواه باقية ودائمة في الدنيا والآخرة.
ثالثا: أهمية الأخلاق
للأخلاق في الإسلام أهمية عظيمة، ومكانة خاصة، تظهر في عدة جوانب، منها:
1- الإيمان
الأخلاق جزء من الإيمان، وثمرة من ثماره، قال تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون}[البقرة:177]
فدلت الآية الكريمة أنّ البر الذي هو حسن الخلق لا يكون بالعبادة وحدها، وإنما يكون بالإيمان بالله تعالى والبذل والعطاء في سبيل الله تعالى، والإحسان إلى المحتاجين من ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، والعمل على نشر الخير والفضيلة بين الناس، والوفاء بالعهود والصبر على مصائب الدهر.
وصلة الإيمان بالأخلاق تظهر بقوله ﷺ : "لا إيمان لمن لا أمانة له".
2- العبادات
الشعائر التعبدية في الإسلام لها مقاصد أخلاقية، فإذا قام بها العبد على أتم وجه حسنت سلوكه وقومته وفيما يلي بيان ذلك
- الصلاة تنهى عن الوقوع في الفواحش والآثام، قال الله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}
- والزكاة تهذب النفس وتطهرها من الشح والبخل، فتشيع المودة والمحبة بين أفراد المجتمع الغني منهم والفقير، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}.
- والصيام حافز عظيم لترك السلوك المذموم، قال رسول ﷺ: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس الله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
وقد بين النبي ﷺ أنّ من يقوم بالعبادات المفروضة، ولا يؤذي الناس أفضل حالا عند الله تعالى ممن يؤدي العبادات المفروضة، ويكثر من النوافل إلا أنه يؤذي الناس؛ لأنه لم يحقق المقاصد المطلوبة من العبادة.
ومثال ذلك ما ذكره رسول الله ﷺ عن امرأة كانت تصوم النهار، وتقوم الليل وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال: "لا خير فيها، هي في النّار"، وامرأة تصلي المكتوبة، وتتصدق ببعض الطعام، ولا تؤذي أحدا بلسانها، فقال: "هي في الجنة".
3- الأحكام الشرعية
تكتسب الأخلاق في الإسلام لها أحكام شرعية، فمن هذه الأخلاق:
- ما هو واجب كالصدق والأمانة، حيث يثاب فاعلها ويأثم تاركها.
- ومنها ما هو مندوب كالشجاعة والكرم، يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها.
- ومنها ما هو حرام كالكذب والغش والكبر، يأثم فاعلها ويعزر ويؤدب على ارتكابها، ويثاب من تركها طاعة الله تعالى.
4- التقرب إلى الله تعالى والفوز برضوانه
تعد الأخلاق مجالا للتنافس بين العباد، وأساسا للتفاضل بينهم يوم القيامة، قال رسول الله : "إنّ خياركم أحاسنكم أخلاقا".
والأخلاق سبب للقرب من الرسول ﷺ في الجنّة، فقد قال ﷺ : "إنّ أحبّكم إلى الله أو إليّ، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا".
رابعا: شمولية الأخلاق
تتميز الأخلاق في الإسلام بشموليتها لكل مناحي الحياة، فقد نظمت علاقات الإنسان كلها، ومن هذه العلاقات:
1- ما يتصل بعلاقة الإنسان بالله تعالى، كتقوى الله تعالى، وتعظيمه، وتوثيق الصلة به سبحانه وتعالى، وتصديق كل ما أخبر به، والخوف منه ومراقبته، والتزام أوامره، واجتناب نواهيه، واللجوء إليه في الرخاء والشدة؛ بالدعاء والتوكل عليه.
2- ما يتصل بعلاقة الإنسان بنفسه، بتهذيب النفس باطنها وظاهرها، وتقويمها وتطهيرها من السوء والشرور، ومحاسبتها، وغرس القيم الرفيعة فيها، كالحياء، والحلم والرفق والشجاعة، فالأخلاق بالنسبة إلى الفرد وسيلة الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}
3- ما يتصل بعلاقة الإنسان بالناس، على المسلم أن تكون علاقته مع الناس قائمة على حسن الخلق؛ كالرحمة والعدل والإحسان وحسن الصلة والبر بهم؛ بما يحفظ نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، ويكفل عدم الاعتداء عليها، قال رسول الله ﷺ : "ألا أخبركم بمن يُحرّم على النار، ويمن تُحرَّم النار عليه، تَحرُم على كل هين لين قريب سهل".
وبذلك يكون المجتمع قويا متماسكا، يعيش بمحبة وسعادة.
4- ما يتصل بعلاقة الإنسان بالبيئة، تقوم علاقة المسلم مع البيئة على أساس الرفق والرحمة مع ما حوله من مخلوقات، فقد أخبر النبي ﷺ :" أنّ رجلا دخل الجنة في كلب سقاه، وأنّ امرأة دخلت النار في هرة حبستها" والسلوك الأخلاقي مع البيئة ومواردها يكون بحسن استخدامها وعدم إتلافها والمحافظة عليها.
وقد أوجب الإسلام على الإنسان الاهتمام بنظافة بيئته، والبعد عن الاستغلال الجائر أو الإسراف في استعمال المصادر الطبيعية، قال الله تعالى: {وَلا تَفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها}