أهمّية الأردنّ في العصر الأموي
الدولة الأُموية (41 - 132 هـ / 662م - 750 م) هي الدولة التي أسّسها معاوية بن أبي سفيان، ونقل عاصمة الخلافة فيها من المدينة المنوّرة إلى دمشق. وسمّوا الأُمويّين نسبة إلى أُميّة بن عبد شمس من قبيلة قُريش، واتّخذوا من اللون الأبيض شعارًا لهم. وبلغت الدولة الأُموية أوج اتّساعها في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك.
|
أذرُح أذرُح قرية أردنية في محافظة معان، وقعت فيها حادثة التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان حول أحقّية كلّ منهما في خلافة المسلمين، وفيها جبل أبي موسى الأشعري أحد المحكّمين في الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. |
دخل الأردنّ تحت حكم الأُمويّين في عام (41هـ / 662م) وحظي باهتمام خلفائهم، وذلك للأسباب الآتية:
- ولاء غالبية القبائل العربية فيه للأُمويّين.
- قربه من دمشق عاصمة الأُمويّين.
- وقوعه على طريق الحجّ الشامي.
- موقعه على الطرق التجارية بين شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر والعراق.
- وفرة الأراضي الخصبة والمحاصيل الزراعية فيه.
|
المسيحيون العرب في الأردنّ كان المسيحيّون العرب يُشكّلون أغلبية سكّان الأردن، وتحوّلوا تدريجيًّا إلى الإسلام في القرون الهجرية الأربعة الأولى، ويدلّ على ذلك كثرة الكنائس والأديرة المنتشرة في الأردنّ، مثل: الكنائس المُكتشفة في بلدة إرحاب في المفرق والتي بلغ عددها ثلاثًا وعشرين كنيسة ويعود بناء معظمها إلى العصر الأُموي، والكنيسة المُكتشفة في مدينة أم الرصاص. وهذا يدلّ على تسامح الأُمويّين مع أتباع الديانات الأخر. |
مظاهر اهتمام الأُمويّين بالأردنّ
أولى الأُمويّون عناية خاصّة بالأردنّ، ومن مظاهر اهتمامهم ما يأتي:
- كانت الكثير من مناطق الأردن مقرًّا لخلفاء بني أمية كالوليد بن عبد الملك ويزيد بن عبد الملك، مثل الموقر والقسطل وزيزياء والأزرق وعجلون وبيت راس وعمّان (جبل القلعة)، التي كان بها قصر الإمارة ودار سكّ النقود. وقد كان الوليد بن يزيد يجعل إقامته في موسم الحج في زيزياء (الجيزة) ليشرف على قوافل الحجّاج؛ إذ كان يُطعم الحجاج ثلاثة أيام ويَعلِف دوابّهم ويُيسّر أمورهم.
- أصبح الأردنّ في العصر الأموي ملتقى لأعظم شعراء الدولة الأُموية أمثال: كُثيّر عزّة والفرزدق وجرير وغيرهم.
- مشاركة القبائل العربية في الأردنّ في الفتوحات، فكانوا جزءًا من الجيش الأُموي، كما شاركوا زمن الخليفة الوليد بن عبد الملك في الفتوحات التي جرت في عهده في شمال إفريقيا والأندلس، ومن أبرز القبائل التي شاركت في الفتوحات قبيلتا جذام وغسّان.
- حافظت عمّان على مكانتها التجارية في العصر الأُموي؛ لموقعها الذي يتوسّط الطريق من دمشق إلى شبه الجزيرة العربية، وأصبحت مع مدينة جرش مركزين لضرب العملات الأُموية.
اهتمّ الأُمويّون بمدينة أيلة (العقبة) التي شهِدت ازدهارًا كبيرًا، وقد عثرت البعثات العلمية الأثرية في الأردن في عام (2018م) على ميناء أُموي فيها، ويُعدّ هذا الميناء أوّل عمارة بحرية غارقة يُكشف عنها في الأردنّ.
استغلّ الأُمويّون ما أمكنهم من الأراضي الزراعية، وعملوا على إحياء الأرض الموات عن طريق استصلاحها وتأمين المياه ووسائل الري لها لزيادة الإنتاج. ومن ثَمّ، زاد الخراج ونما دخل الدولة وزاد إنفاقها.
|
الخراج مقدار مُعيّن من المال تفرضه الدولة على الأراضي الزراعية التي فتحت صلحًا أو عنوة. |
اهتمّ الأُمويّون بالمشاريع المائية في الأردنّ؛ لتوفير مياه الشرب وسقاية الحجاج وريّ المزروعات، مثل: البركة الأُموية في عمان (جبل القلعة)، وبركة زيزياء، وبركة الموقّر، وبركة الضليل.
القصور الأُموية
بنى الأُمويّون قصورًا لهم في بادية الشام يقع تسعة منها في الأردنّ للأغراض الآتية:
- الاستجمام والترويح عن النفس بعيدًا عن حياة المدن.
- ممارسة هواية الصيد؛ لغنى البادية الأردنية بالغزلان والطيور المتنوّعة.
- إرسال أبنائهم للإقامة في البادية؛ لتعلّم اللغة العربية الفصيحة وتعلّم الفروسية.
- التواصل مع القبائل العربية الموالية للحكم الأُموي التي تسكن البادية.
- استخدامها مركزًا مهمًّا للاستثمار الزراعي.
- خدمة الحجّاج المسلمين والمسافرين على طريق الحجّ والطريق التجاري؛ إذ كانت محطات للاستراحة والتزوّد بالماء والمؤن.
من أشهر القصور الأُموية في الأردنّ: قُصير عمرة، وقصر المشتى، وقصر الأزرق، وقصر الحلابات (أو الحلبات من حلبات سباق الخيل والهجن)، وقصر البرقع، وقصر الطوبة، وقصر الحرّانة (الخرّانة)، وقصر الموقّر، وقصر القسطل.
1- قُصير عمرة
يقع قصير عمرة إلى الشمال الشرقي من العاصمة عمّان، بُنِي في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، ويتألف المبنى من مدخل واسع يفضي إلى قاعة الاستقبال التي يوجد فيها حوض مائي.
أُدرج قُصير عمرة على لائحة التراث العالمي في عام 1985م، إذ تُعدّ اللوحات الجدارية الواسعة التي تُمثّل مشاهد الصيد وصور الحيوانات والطيور ترافقها نقوش باللغتين اليونانية والعربية لمبنى الحمّام وقاعة الاستقبال، فريدة من نوعها في العمارة العربية الإسلامية في العصر الأموي
2- قصر المُشتّى
يقع قصر المُشتّى إلى الجنوب الشرقي من العاصمة عمّان في لواء الجيزة، بناه الخليفة الأموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويُقسم القصر إلى ثلاثة أجنحة ويُحيط به سور مُدعّم بالأبراج، وأهم ما يميز قصر المُشتّى واجهته الحجرية ذات الزخارف النباتية والهندسية التي نُقلت إلى برلين في عام 1904م هديةً من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني إلى الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني (بالألمانية Wilhelm II).
3- قصر الأزرق
يقع قصر الأزرق (قلعة الأزرق) إلى الشمال الشرقي من العاصمة عمّان. وتاريخ بناؤه غير معروف لأنّه مرّ بعدّة مراحل من أعمال الإصلاح والترميم والتغيير؛ إذ تُشير النقوش الموجودة فيه إلى أنّ القصر يعود إلى الفترة الرومانية واستُخدم في الفترة البيزنطية، ثُمّ تحوّل لاحقًا إلى واحد من القصور الأموية في عهد الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثُمّ أُعيد بناؤه مرّة أخرى في العهد الأيوبي، واستُخدم لحراسة قوافل الحجيج بعد تحوّل طريقهم إلى طريق بصرى - الأزرق ووادي السرحان فالحجاز؛ وذلك بسبب الغزو الفرنجي للمنطقة، ثُمّ فقد أهمّيته إبّان العهد العثماني بعد إنشاء سكّة حديد الحجاز، واتّخذت قيادات الثورة العربية الكبرى القصر مقرًّا لها.
شُيّد القصر من الحجارة البازلتية السوداء، ويتّخذ الشكل المستطيل ويرتفع إلى ثلاثة طوابق بقي منها طابقان، ودُعّمت الأسوار الخارجية للقصر بمجموعة من الأبراج لزيادة مناعته.
4- قصر الحلّابات (الحلبات)
يقع قصر الحلّابات شمال شرق مدينة الزرقاء، ويُعتقد أنّ البدايات الأولى لعمارة هذا الموقع تعود إلى مملكة الأنباط بوصفه محطّة تجارية مهمّة، ثم استُخدم في الفترة الرومانية حصنًا دفاعيًّا لحماية الطريق التجاري، الذي يربط بصرى الشام شمالًا والعقبة جنوبًا، واستمرّ كذلك في العصر البيزنطي.
وفي العصر الأموي، أمر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بإعادة تعمير القصر وأضاف إليه ملحقات أخرى. وشُيّد القصر من حجارة جيرية بيضاء وبازلتية سوداء مشذّبة. كما شُيّد إلى جانبه مسجد منفصل عنه.
5- قصر برقُع
يقع قصر برقع في منطقة الرويشد التابعة لمحافظة المفرق، ويعود بناؤه إلى عهد الوليد بن يزيد بن عبد الملك. بُنِي من حجارة البازلت السوداء، ويتألّف القصر من ثلاثة طوابق وسكن للجنودِ.
6- قصر الطوبة
يقع قصر الطوبة إلى الجنوب الشرقي من العاصمة عمّان، بُني في عهد الخليفة الأموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك على إحدى الطرق التجارية التي كانت تربط البلقاء في جنوب الأردنّ وشمال شبه الجزيرة العربية.
بُني القصر من الحجر الجيري والطوب الطيني، ويشبه في عمارته قصر المُشتّى. وهو مستطيل الشكل، وسقوفه على شكل أنصاف دوائر أسطوانية، ويحيط به سور مستطيل الشكل مُحصّن بمجموعة من أبراج نصف دائرية.
7- قصر الحرّانة (الخرّانة)
يقع قصر الحرّانة شرق العاصمة عمّان، شُيّد في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، ويتّخذ شكلًا مماثلًا لشكل قلعة مربّعة البناء، وبُني من الحجر الرملي والطين، ويتكوّن من طابقين يتألّفان من مجموعة من الغرف تتوسّطها ساحة مكشوفة.
8- قصر الموقّر
يقع قصر الموقّر إلى الشرق من العاصمة عمّان، بُني في عهد الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك، وحظي بمكانة لدى الشعراء والأدباء. يُحيط به أربعة أبراج، ويمتاز بالزخارف التي عُثِر عليها، مثل تيجان الأعمدة التي نحتت على الطراز البيزنطي، وتاج عامود عثر عليه في البركة القريبة من القصر حُفِرت عليه كتابات عربية بالخطّ الكوفي، كان يُستخدم لقياس ارتفاع الماء في البركة.
9- قصر القسطل
يقع قصر القسطل إلى الجنوب من العاصمة عمّان، شُيّد في عهد الخليفة يزيد بن عبد الملك، ويحتوي الجدار الخارجي للقصر على (١٢) برجًا دائريّ الشكل، ويُحيط به حمّام ومسجد وقرية ومقبرة، بالإضافة إلى العديد من الآبار وسدّ لتجميع المياه.
يتميّز مسجد قصر القسطل عن غيره من المساجد الإسلامية بأنّه يحتوي على أقدم مئذنة ما زالت قائمة في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى شكلها الأسطواني الذي بُنِي على قاعدة مربّعة يجري الصعود إليها عن طريق درج حلزوني.