بعد أن حرر صلاح الدين الأيوبي قلعة الكرك عام ٥٨٤هـ/ ١١٨٨م من الفرنجة، سلم إمارتها لأخيه الملك العادل نظرا لأهميتها، وشملت مملكة الكرك آنذاك مدينة الكرك والشوبك والبلقا، والسلط، ثم توسعت بعد ذلك لتشمل دمشق وأجزاء من فلسطين وسيناء، وقد اهتم الأبويون بمملكة الكرك لأهمية موقعها، فهي حلقة وصل بين مصر وبلاء الشام، فضلا عن خصوبة أراضيها،
واهتم الأيوبيون بالعلم والعلماء، فقد كان بلاط الناصر داود يعج بالعلماء والفقهاء والأدباء، إذ كان أديبا وشاعرا، يحب العلماء ويجلس إليهم، ويجزل لهم العطاء، وقد لازمه عدد كبير العلماء، منهم الإمام شمس الدين عبد الحميد الخسروشاهي (ت ٦٥٢ هـ / ١٢٥٤م)، الذي كان عالما بالطب والحكمة، وتتلمذ له الكثير من علماء الكرك.
ومن المآثر الحميدة التي امتاز بها الأيوبيون بناء المدارس في كل أنحاء دولتهم في الديار المصرية وبلاد الشام، وكانوا يجهزونها بكل ما تحتاج إليه من نفقات عن طريق الموارد الكثيرة التي أوقفوها على المدارس.
وقد أسهمت عوامل عدة في انهيار مملكة الكرك، ومنها:
أ- إجراء الملك الأيوبي المغيث عمر ملك الكرك اتصالات مع التتار.
ب رغبة الظاهر بيبرس في إقامة دولة مملوكية قوية في مصر وبلاد الشام، وذلك بضم
ممتلكات الأبوين، ومن ضمنها الكرك.
ج - طموح الملك المغيث لاستعادة ملك الأيوبيين في مصر، ووجود العديد من المؤيدين .
له في صفوف جيش المماليك.
وبذلك استطاع المماليك القضاء على مملكة الكرك الأيوبية سنة 648هـ / 1262 مبعد القضاء على الدولة الأيوبية في مصر، وعندما وصل المماليك إلى الحكم وجهوا اهتمامهم إلى الأردن، فقد أصبح الأردن تابعا للحكم المملوكي في مصر، إذ أعلن الملك الأيوبي المغيث عمر بن العادل ولاءه للمماليك، فأبقاه السلطان قطر على الكرك والشوبك، حتى عام 648هـ 1262م عندما عزله الظاهر بيبرس، ولمعرفة مظاهر اهتمام المماليك بالأردن
واهتم المماليك بتحصين قلاع الأردن وتقويتها، وذلك بترميمها وأعمارها وتزويدها بالجنود والسلاح في كل من الشوبك والكرك والسلط وعجلون ولموقع الأردن في العصر المملوكي أهمية بسبب
1- ملتقى الطرق الحج الشامي والمصري.
2- وقوعه على الطريق التجاري وطرق المواصلات، وهو مركز لنقل البريد بين مصر وبلاد الشام والعراق.
3- خط الدفاع عن مصر في وجه الفرنج والمغول.
فانقسم الأردن في عصر دولة المماليك إلى قسمين، هما:
1 - نيابة الكرك: كان لها نظامها الإداري الخاص بها، إذ يسمى متوليها نائب السلطنة ويعينه السلطان المملوكي في القاهرة، وتميزت نيابة الكرك باستقلال كامل عن النيابات الأخرى من حيث إدارة شؤونها الداخلية، وشكلت ركيزة أساسية من ركائز دولة المماليك في مصر وبلاد الشام
ب - نيابة عجلون: كانت عجلون مدينة كبيرة زاهرة، ذات أسواق عامرة، وخيرات وافرة، وبساتين وفواكه كثيرة، ومن أسواقها سوق القطانين، وسوق البز العتيق، وسوق اللحامين، وعدد من الحوانيت للخبازين والطباخين والفرايين (صانعي الفراء)، والعلافين، وخان للتجار، وبنيت فيها المدرسة اليقينية، وفيها أكثر من مسجد، منها مسجد عجلون الكبير الذي شيد في العصر المملوكي، وقد كانت قرية الطيبة (غرب إربد) مركزا للبريد بين مصر وبلاد الشام، ثم نقل إلى قرية زحر القريبة منها، وكانت نيابة عجلون تضم ولاية البلقاء التي يتبع لها:
1. حسبان: اتخذت مركزا لولاية البلقاء
2. السلط: اهتم المماليك بقلعتها، فوسعوا أبراجها وجددوا خنادقها، ودعموا تحصيناتها، وخزنوا فيهـا الطعام والغلال والأسلحة
3. الأغوار: حظيت بعناية المماليك لوقوعها على طريق المواصلات بين دمشق والقاهرة، وخصوبة أراضيها وغلالها الوفيرة
كان المسلمون يشكلون غالبية السكان، وينقسمون إلى الحضر، وهم سكان المدن، وأمراء المماليك ومن يتبعهم من الموظفين المماليك، وسكان القرى والأرياف، والقبائل البدوية من جذام وبني ربيعة وبني نمير وبني زهير وبني مهدي، وكان المسيحيون يعملون في التجارة والزراعة والحرف، ويتمتعون بأوضاع معيشية جيدة، ويشاطرون إخوانهم المسلمين العيش المشترك في ظل التسامح الإسلامي وعلاقات المودة التي كانت سائدة آنذاك بين فئات السكان بطوائفهم جميعها.