تاريخ الأردن أكاديمي فصل أول

الحادي عشر خطة جديدة

icon

أهمية الأردنّ في العصر الأيوبي

الدولة الأيوبية (569-626هـ / 1173-1229م) هي الدولة التي أسّسها صلاح الدين الأيوبي في مصر، وامتدّت لتشمل الشام والحجاز واليمن وبعض أجزاء من ليبيا، واتّخذت من القاهرة عاصمة لها، وسُمّيت الدولة الأيوبية نسبةً إلى آل أيوب.

 

 

صلاح الدين الأيوبي

قائد مسلم أسّس الدولة الأيوبية التي وحّدت مصر والشام والحجاز واليمن في ظل راية الدولة العبّاسية، وقاد عدّة حملات ومعارك ضد الفرنجة لاستعادة الأراضي المقدسة التي استولوا عليها. هزم الفرنجة في معركة حطّين واستعاد القدس.

 

أدرك الأيوبيّون أهمّية الموقع الإستراتيجي للأردنّ بوصفه حلقة الوصل بين مصر والشام؛ لتوحيد الجهود العسكرية بين جيوش الشام وجيوش مصر، وأرضًا للحشد العسكري والتعبئة الحربية لمواجهة الفرنجة، وممرًّا لطريق الحجّ والطريق التجاري من الشام إلى مصر والحجاز، وغنيًّا بالثروة الزراعية.

 

مظاهر اهتمام الأيوبيّين بالأردنّ

أبدى الأيوبيّون اهتمامًا خاصًّا بالأردنّ، ومن مظاهر هذا الاهتمام ما يأتي:

  1. شيّد الأيوبيّون قلعة عجلون على قمة جبل مرتفع (جبل عوف) في عام (579هـ / 1184م)، من قبل عزّ الدين أسامة أحد قادة صلاح الدين الأيوبي؛ وذلك لمراقبة تحرّكات الفرنجة في المنطقة، وتأمين طرق التجارة بين بلاد الشام ومصر.
  1. أصبح الأردنّ جزءًا من الدولة الأيوبية التي شملت مصر وبلاد الشام، وحافظ على أهمّيته الإستراتيجية والدفاعية؛ إذ جرى الاعتناء بالأمن وحماية طريق الحجّ والتجارة، وحفر الآبار وإقامة خزّانات الماء على الطرق، وتلبية حاجات الحجّاج والقوافل من الطعام والماء والسكن والعلف وحيوانات النقل، وغيرها من المؤن.
  2. بعد تحرير صلاح الدين للكرك، أقطعها لأخيه الملك العادل الذي اهتمّ بها؛ فأعاد بناء أسوارها، وبنى المساجد والدور والمرافق فيها، كما اهتمّ بالمناطق المحيطة بها، وأصبحت إمارته تمتدّ من السلط شمالًا إلى العقبة جنوبًا. وبعد وفاة صلاح الدين الأيوبي، أصبح الأردن مقسّمًا بين أخيه الملك العادل وقائده عزّ الدين أسامة، وكان الحدّ الفاصل بينهما نهر الزرقاء، وبعد استئثار الملك العادل بالسلطنة، أعطى المنطقة الممتدّة من حمص شمالًا حتى العريش جنوبًا بما فيها الأردنّ لابنه الملك المعظّم عيسى الذي أولى الكرك عناية خاصّة.
  3. تأسيس إمارة الكرك الأيوبية في عهد الملك الناصر داود، التي ضمّت كلّ المناطق والمدن الأردنية الحالية بالإضافة إلى نابلس والقدس والخليل؛ فنظّم إمارته، وأحاط نفسه بنخبة من العلماء والفقهاء والأدباء، ووضع لها تنظيماتها الإدارية، وأسّس لها جيشًا، واتّخذ لنفسه الوزراء، وجدّد بناء قلعة الكرك، وبنى فيها قاعة كبيرة سمّاها القاعة الناصرية.
  4. بنى الأيوبيون قلعة السلط في مدينة السلط إلى الغرب من العاصمة عمّان، وتُشير المصادر التاريخية إلى أنّ الملك المعظّم عيسى هو مَن أمر ببناء حصن على قمّة جبل يُسمّى رأس الأمير.
  5. واصل الأيوبيّون بناء المساجد في الأردن؛ فمسجد عجلون الكبير الذي يقع في وسط مدينة عجلون الذي أمر ببنائه الملك الصالح نجم الدين أيوب وهذا ما يؤكّده النقش المثبّت فوق عتبة المدخل الشمالي للمسجد، يُعدّ من أقدم المساجد في الأردنّ.

ومن المساجد الأخرى التي تعود إلى العصر الأيوبي في الأردنّ، مسجد قرية ريمون في جرش، ومسجد إربد القديم، ومسجد طبقة فحل في الأغوار الشمالية، ومسجدا حبراص وبيت راس في إربد.

بقي الأردنّ في ظلّ الحكم الأيوبي حتّى نهايته. وفي عام (658هـ /1260م) هاجم المغول دمشق، ودخلت قواتهم أرض الأردنّ، ولكنّ قلعة عجلون استعصت عليهم فحاصروها إلى أن استسلمت بعد قتل حاميتها وهدم أجزاء منها.

 

المغول

مجموعة من القبائل البدوية عاشت في منغوليا في أواسط آسيا، وتمكّن قائدهم جنكيز خان من توحيد هذه القبائل وتأسيس إمبراطورية ضمّت أجزاء من الصين وشمال شرق آسيا وآسيا الوسطى، ثم توسّع خلفاؤه غربًا على حساب الممالك الإسلامية حتّى وصلوا إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية ودمّروها في عام (656هـ / 1258م) وواصلوا تحرّكهم حتّى بلاد الشام. تصدّى لهم المماليك وهزموهم في معركة عين جالوت.

 

الحياة العلمية والثقافية في الأردنّ في العصر الأيوبي

اهتمّ الأيوبيّون بالحركة العلمية في دولتهم، فبنوا المدارس وأثّثوها وزوّدوها بالمدرّسين والكتب. وقد عمدت الدولة الأيوبية إلى تخصيص الأوقاف لهذه المدارس للإنفاق عليها ورعايتها.

شجّع الملك المعظّم عيسى العلماء وقربّهم إليه، وأمر بتدريس العلوم العقلية (الفلسفة والفلك والطبّ والرياضيات والكيمياء) والعلوم النقلية (الحديث والفقه والعلوم الأدبية والنحوية والتاريخ) في الكرك، كما أحاط الملك الناصر داود نفسه بالعلماء والأدباء والمؤرّخين.

تطوّرت الحياة العلمية في الأردنّ، وبلغت درجة كبيرة من التقدم نجم عنها نبوغ عدد كبير من العلماء والأطبّاء والأدباء والشعراء والفقهاء، وانتشروا في أنحاء الدولة الأيوبية للتدريس وإشغال الوظائف في الدولة، وبرز الكثير من العلماء الذين نُسبوا إلى مناطق عديدة من البلاد، فمنهم من نُسب إلى أيلة والشوبك والكرك وحُسبان وعجلون وباعون وغيرها، وكان في داخل المسجد الأموي في دمشق القبة الباعونية للتدريس التي تُنسب إلى باعون في محافظة عجلون، وكان يجتمع تحتها العلماء وطلبة العلم. كما أسهم العلماء في إغناء المكتبة العربية الإسلامية بالكثير من المؤلفات، ومن أبرز هؤلاء:

  • العالم الحكيم عبد الحميد بن عيسى بن يونس بن خليل الخسروشاهي، الذي عاش في الكرك، واشتُهر بتدريس العلوم الطبّية والفلسفية والفقهية والشرعية، وله عدّة مؤلّفات منها: كتاب (مختصَر المهذّب في الفقه).
  • موفّق الدين يعقوب بن إسحاق القفّ، من أهالي الكرك المسيحيّين، وكان أديبًا متميّزًا باللغة العربية وفنونها الأدبية.
  • علي بن يوسف بن حريز بن معضاد، المعروف بالشيخ نور الدين الشطنوفي اللخمي الشافعي، أصله من البلقاء، ودرس اللغة العربية وعلم القراءات في مصر، ودرّس الحديث والتفسير في الجامع الطولوني في القاهرة.
  • المؤرّخ سبط بن الجوزي مؤلف كتاب (تاريخ مرآة الزمان)، وهو من أشهر العلماء الذين أقاموا في الكرك.
  • المؤرّخ جمال الدين محمد بن سالم بن واصل، مؤلف كتاب (مُفرّج الكروب في أخبار بني أيوب)، قدم مع والده من حماة إلى الكرك زمن الملك الناصر داود.
  • محيّ الدين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الشافعي، وعُرف بقاضي عجلون. كان عالمًا بالفقه وتولّى وكالة بيت المال في دمشق.
  • شهاب الدين أحمد بن محمد بن مكيال الربعي الكركي، كان أديبًا وعالمًا في اللغة العربية.