تاريخ الأردن أكاديمي فصل أول

الحادي عشر خطة جديدة

icon

أهمّية الأردنّ في العصر المملوكي

الدولة المملوكية (648-923هـ / 1250-1517م) هي الدولة التي تأسّست بعد سقوط الدولة الأيوبية في مصر، وشملت بلاد الشام والحجاز، وامتدّ حكمها إلى ما يربو على قرنين ونصف من الزمان، واتّخذت مدينة القاهرة عاصمة لها.

 

المماليك

أُطلِقت هذه الكلمة على فئات من الرجال والشباب الذين جُلِبوا من آسيا الصغرى، وعُمِل على تربيتهم تربية دينية وعسكرية صارمة؛ كي يُجيدوا فنون الحرب، إذ اعتمدت غالبية الدول الإسلاميّة على المماليك بوصفهم جزءًا أساسيًّا من القوّة العسكرية لديهم.

اعتمد عليهم الأيوبيّون بصورة كبيرة في الجيش، حتّى وصلوا إلى مناصب قيادية عليا، الأمر الذي أدّى إلى سيطرتهم على الجيش الأيوبي، وفي النهاية تمكّنوا من السيطرة على الدولة.

يُقسَم المماليك إلى: المماليك البُرجية الذين سكنوا أبراج قلعة الجبل في القاهرة، والمماليك البحرية الذين أسكنهم الملك الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب في جزيرة الروضة في نهر النيل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خضع الأردنّ لحكم المماليك بعد انتصارهم على المغول في معركة عين جالوت؛ إذ أدرك المماليك أهمّية موقع الأردن الإستراتيجي بوصفه الخطّ الدفاعي عن مصر من الخطرين المغولي والفرنجي، ومصدرًا مهمًّا لتوفير أرزاق الجند.

 

 

معركة عين جالوت

حدثت معركة عين جالوت في المنطقة الواقعة بين بيسان ونابلس شمالي فلسطين في عام (658هـ / 1260م)، بين المغول بقيادة (كتبغا)، والمسلمين بقيادة السلطان المملوكي سيف الدين قطز، وانتهت بانتصار المسلمين وخروج المغول من بلاد الشام.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مظاهر اهتمام المماليك بالأردنّ

أبدى المماليك اهتمامُا خاصًّا بالأردنّ، ومن مظاهر هذا الاهتمام ما يأتي:

  • قسّم المماليك الأردنّ إداريًّا إلى نيابتين: نيابة الكرك التي تمتدّ من وادي الموجب شمالًا إلى العقبة جنوبًا، ونيابة دمشق التي تضمّ في الأردنّ المنطقة الممتدة من نهر اليرموك شمالًا إلى وادي الموجب جنوبًا.
  • أعاد المماليك تحصين القلاع في الأردنّ لمواجهة الخطر المغولي؛ فقد استرجع السلطان المملوكي سيف الدين قُطز قلعة السلط من أيدي المغول وأمر بترميمها وتحصينها، كما أمر السلطان المملوكي الظاهر بيبرس بترميم قلعتَي عجلون والكرك، وزاد في تحصينهما، ونقل إليهما الجنود، وزوّدهما بالأسلحة والمؤن.
  • بنى السلطان المملوكي قانصوه الغوري قلعة العقبة على أنقاض حصن فرنجي وبرج أيوبي.
  • استحدث المماليك وظيفة أمير العربان، وكان أبرز من تقلّدها من قبائل الأردنّ الأمير شطّي بن عقبة أمير بني عقبة، الذي أُوكلت إليه مهمّة حراسة طريق الحج وتوفير الأمن في المنطقة، مقابل أن يُقدّم قواته للسلطان عند الحاجة.
  • أنشأ المماليك محطات للبريد بين الشام ومصر مرورًا بالأردنّ، وكانت هذه المراكز تُزوّد بالخيول والطعام والعلف. ومن المراكز البريدية في الأردن: غور الصافي والكرك والربّة ووادي الموجب وذيبان وحُسبان، وجسر المجامع على نهر الأردن، والشونة الشمالية وزحر وإربد.
  • استخدم المماليك الحمام الزاجل لنقل الأخبار بسرعة من مكان إلى آخر، وأنشأوا لها المراكز كالبريد البرّي؛ فأقاموا لها الأبراج وزوّدوها بالأقفاص، وعيّنوا لها أشخاص يقومون على خدمتها سمّوا البرّاجين، ومن مراكز الحمام الزاجل في الأردن: الكرك وحُسبان والبرج الأبيض (مرج الحمام) وعمّان وعجلون وإربد، كما استخدموا النار لإيصال الإشارات.
  • نمت العديد من البلدات الأردنية مثل العقبة والشوبك والكرك وحُسبان وعمّان والسلط وإربد وعجلون، وأصبحت مراكز جذب للسكّان.
  • اهتمّ المماليك بالزراعة لتوفير الأرزاق للجيش الإسلامي، وكان الفائض يُخزّن في القلاع كمخزون احتياطي لأوقات القحط والجفاف.
  • اهتمّ المماليك بزراعة قصب السكّر في منطقة الأغوار الأردنية، وبلغت صناعة السكّر أوج ازدهارها بسبب جودته ونقائه، فأنشأوا المصانع لعصره؛ إذ كان يُنقل إلى المعصرة على الدواب، ثمّ يُنظّف ويُقطّع من قِبَل العمال في المصنع، ثمّ يُهرس في الأحواض الحجرية، ثمّ يُغلى بأحواض ويُنتَج بنوعيه الأسود والأبيض؛ إذ عُثِر في الأغوار الجنوبية على أقدم مصنع للسكّر يعود إلى الحقبتين الأيوبية والمملوكية، وأطباق فخّارية لتجفيف السكّر وأماكن لتخزينه وتصديره إلى الخارج. وأشارت الوثائق إلى وجود سكّر الكرك والشوبك في أسواق فلورنسا في إيطاليا من بين السلع الشرقية المعروضة في أسواقها.
  • أبدى المماليك اهتمامًا بما يُنتجه الأردنّ من ثروات؛ فقد كان الحديد يُستخرج ويُصهر في عجلون، والنحاس من وادي فينان، والكبريت والقار (الحُمّر) من البحر الميت.
  • أولى المماليك عناية خاصّة بطريق الحجّ الشامي والمصري المارّين بالأردنّ، عن طريق توفير الأمن وسُبل الراحة للحجّاج والقوافل التجارية؛ فأقاموا الخانات كخان (قلعة) القطرانة، وأنشأوا مراكز خاصّة بجمع المكوس (الضرائب التي كانت تُفرض على البضائع المستوردة) كمركزَي الحسا والعقبة. 

 

الحياة العلمية والثقافية في الأردنّ في العصر المملوكي

ازدهرت الحركة العلمية في بلاد الشام ومصر في العصر المملوكي، وحظي الأردنّ بنصيب وافر من هذا الازدهار؛ فقد نال علماء الأردن في العصر المملوكي مكانة مرموقة في إثراء الحركة العلمية في كلّ من الشام ومصر، وبرع علماؤه وفقهاؤه في شتّى أنواع العلوم والمعارف؛ كالدراسات القرآنية وعلوم الحديث والفقه واللغة والشعر والطبّ وغيرها. وتُشير المصادر التاريخية إلى عدد من المدارس التي انتشرت في الأردن في العصر المملوكي، مثل المدرستين الشافعية والصالحية في الكرك، ومدرسة حُسبان، والمدرسة السيفية في السلط.

 ومن أبرز علماء الأردن في العصر المملوكي:

  • عائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر الباعونية، وُصِفت بالصلاح والعلم، ولها العديد من المؤلفات، منها: كتاب (الملامح الشريفة والآثار المنيفة).
  • محمد بن يونس بن علي العجلوني، مُحدّث عجلون وأحد شعرائها.
  • قاسم محمد الأربدي الشافعي، فقيه ومحدّث، اشتغل بتدريس الحديث والفقه في المدرسة الأتابكية في دمشق.
  • تاج الدين الحُسباني، من أشهر القضاة في العصر المملوكي، درّس بالمدرسة الأمينية في دمشق، وتولى فيها الحِسبة.
  • محمد بن عبد الله بن أحمد الهكاري الصلتي (السلطي)، دَرَس في السلط، وتولّى قضاء القدس ثم نابلس والخليل وحمص، ومن مؤلفاته: كتاب (مختصر ميدان الفرسان).
  • الطبيب أبو الفرج بن يعقوب بن إسحاق بن القفّ الكركي، وهو من مسيحيي الكرك، ومارس مهنة الطبّ في دمشق، وله العديد من المؤلفات منها: كتاب (الشافي في الطبّ)، وكتاب (العمدة في صناعة الجرّاح).