التربية الإسلامية فصل أول

الحادي عشر خطة جديدة

icon

التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ

جعل الله تعالى حفظ النفس البشرية من مقاصد الشريعة الإسلامية، فشَرعَ من الأحكام ما يُحقِّق لها المصالح، ويدرأ عنها المفاسد؛ فحرَّم الاعتداء عليها أو إيذاءها، ودعا الإنسان إلى الاهتمام بصِحَّته، وذلك بتناول الغذاء الصِّحِّي لاستمرار حياته، وبناء جسده بناءً سليمًا خاليًا من الأمراض؛ ليكون قادرًا على أداء واجبات تحقيق العبودية لله تعالى وإعمار الأرض.

الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ

يُعَدُّ الأمن الغذائي هدفًا استراتيجيًّا لمختلف دول العالَم؛ لذا هيَّأ الإسلام الأسباب اللازمة لتحقيقه، ووضع السُّبُل الكفيلة للمحافظة عليه.

أوَّلًا:مفهوم الأمن الغذائي

الأمن الغذائي: هو توفير الغذاء الصِّحِّي الكافي الذي يلبّي حاجات أفراد المجتمع في مختلف الظروف.

ثانيًا:أهمية الأمن الغذائي
يُعَدُّ الأمن الغذائي ركيزة من ركائز الحياة المستقرة الآمنة، لجميع الناس؛ لذا تسعى مختلف الدول لتأمين مخزونها الاستراتيجي من السلع الغذائية اللازمة للإنسان. قال تعالى:تعالى: ﴿وإذ قال إبراهيم ربِّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات﴾.

وهو من أعظم نِعَم الله تعالى على الإنسان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّما حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا».(سِربِهِ: أهله ومجتمعه، حِيزَتْ لَهُ: امتلكها).

ونظرًا إلى أهمية الأمن الغذائي؛ فقد امتنَّ الله على قريش بنعمة الأمن؛ فلم يخافوا، وبنعمة الأمن الغذائي؛ فلم يجوعوا. قال تعالى:﴿فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾.

ثالثًا: التشريعات الإسلامية لتحقيق الأمن الغذائي

جاءت الشريعة الإسلامية بجُمْلة من التشريعات التي تُحقِّق الأمن الغذائي للمجتمع، أبرزها:
أ . الالتزام بتقوى الله تعالى، والتوبة، والاستغفار، وصِلة الأرحام وشكر نِعَم الله تعالى؛ فهذه جميعًا سبب لرفع البلاء. وقد عَدَّ الإسلام حدوث المجاعة أو نقص الغذاء من أنواع البلاء الذي ينزل بذنوب العباد.
قال تعالى: ﴿وضرب الله مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون﴾.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم في حالات القحط والجفاف يُسارِع إلى دعاء الله تعالى، قائلًا : «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا».
ب. العناية بالزراعة؛ أَوْلى الإسلام الزراعة عناية كبيرة.

- حَثَّ المسلمين على استغلال الأراضي والانتفاع بها. وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل الزراعة في أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إنِْسانٌ، أَوْ بَهيمَةٌ إلَِّا كانَ لَهُ بهِِ صَدَقَةٌ».

- حَثَّ صلى الله عليه وسلم على استصلاح الأراضي وزراعتها، وأباح لمَنْ استصلح أرضًا لا مالك لها أنْ يتملَّكها بإذن ولي الأمر؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ».
- نهى صلى الله عليه وسلم عن كلِّ ما يُلحِق الضرر بالقطاع الزراعي، مثل الاعتداء على الأشجار بحرقها أو قطعها، وكانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده هي عدم قطع الشجر حتى في زمن الحرب؛ فقد وصّى الخليفة أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه الجيش قائلًا: «ولا تغرقوا نخلًا، ولا تحرقوا زرعًا، ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً». 
ج. العناية بالثروة الحيوانية؛ فقد حَثَّ الإسلام على العناية بالثروة الحيوانية؛ لِما لها من منافع كثيرة للإنسان. ومن ذلك:

- أنَّه دعا إلى تربية الأنعام، والاعتناء بها، وتوفير الطعام والماء لها، وعدم إيذائها. قال تعالى: ﴿والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون﴾.

- كذلك نهى الإسلام عن الصيد الجائر، مثل الصيد للهو والعبث. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ إِنْسانٍ يَقْتُلُ عُصْفورًا فَما فَوْقَها بِغَيِْر حَقِّها إِلَّا سَأَلَهُ اللهُ عَنْها».
د . الدعوة إلى الاعتدال في تناول الطعام والشراب، والنهي عن الإسراف والتبذير. قال تعالى:﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما مَلََ آدَمِيٌّ وِعاءً شًَّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كانَ وَلا بُدَّ فاعِلً فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفْسِهِِ ».

ه. العناية بالأسواق؛ فقد نظَّم الإسلام الأسواق على أساس المنافسة الحُرَّة ضمن ضوابط وقِيَم أخلاقية أسهمت في تهذيب التعاملات التجارية. وقد وضع المسلمون نظامًا للرقابة أطلق عليه العلماء اسم نظام الحِسْبة؛ للتأكُّد من خُلُوِّ المعاملات من الغِشِّ والاستغلال والاحتكار، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُراقِب الأسواق بنفسه، ويحرص على ضبط الموازين والمكاييل؛ فقد مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على كومة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قالَ: أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ صلى الله عليه وسلم: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ».

وقد ضبط الإسلام أحكام البيع، مثل تحريمه الاحتكار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ ».

نظام الحِسْبة: نظام للرقابة على الأماكن العامَّة، مثل الأسواق، تُشرِف عليه هيئة مُكلَّفة من ولي الأمر؛ صيانةً للمجتمع، وحفظًا للدين، وتحقيقًا لمصالح الناس وممّا يُشبِه نظام الحِسْبة اليوم في الأردن: المؤسسة العامة للغذاء والدواء، ومؤسسة المواصفات والمقاييس الأردنية
الاحتكار: حبس السلع التي تشتدُّ حاجة الناس إليها، وعدم بيعها حال عدم وجود بديل لها؛ بهدف رفع سعرها.

الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ

قدَّم القرآن الكريم أُنموذج تخطيط مُْكمً لتحقيق الأمن الغذائي عن طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتوفير مخزون استراتيجي من الغذاء، وتجنُّب حدوث مجاعة أو نقص في الغذاء، واستخدام طرائق فاعلة لمعالجة مشكلة الجفاف والقحط، وقد تمثَّل ذلك في تخطيط سيِّدنا يوسف  أيام المجاعة.
قال تعالى:﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)﴾.

من أُسس الأمن الغذائي التي اتَّبعها سيِّدنا يوسف عليه السلام:
1. زيادة الإنتاج،
وبيان كيفية الادِّخار والاستهلاك، وذلك بالتركيز على زراعة الحبوب؛ فهي محور الأمن الغذائي.
2. إدارة التخزين، ببيان طريقة توزيع المخزون على سنوات القحط والجدب والأزمات الزراعية، فيما يُعرَف حديثًا بتأمين المخزون الاستراتيجي من الغذاء، تبعًا لحاجات الناس.