أوَّلًا: مفهوم التعايش الإنساني
يُقصَد بالتعايش الإنساني تقبُّل الآخرين على اختلاف معتقداتهم وأعراقهم وثقافاتهم، واحترامهم، والتعامل معهم في جوانب الحياة المُتعدِّدة وَفق مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها.
ثانيًا: مبادئ التعايش الإنساني في الإسلام
أ . وحدة الأصل البشري:قال تعالى: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًًا كثيرًا ونساءً﴾.
ب. الكرامة الإنسانية: أثبت الإسلام مبدأ الكرامة الإنسانية لجميع البشر. قال تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾.
ج. العدالة: هي إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه. وقد أمر الإسلام بمعاملة جميع الناس بالعدل حتى لو كانوا أعداءً.
قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾.قوامين: قائمين. بالقسط: بالعدل. يجرمنكم: يدفعكم إلى ارتكاب جريمة الظلم. شنئان: عداوة.
حَثَّ الإسلام على دفع الظلم عن الناس؛ سواء كانوا من المسلمين، أو من غير المسلمين.
د . الحوار بالحُسْنى: دعا الإسلام إلى الحوار الذي يقوم على احترام الآخر.قال تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين﴾.
نهى الإسلام عن الجدال المذموم؛ لأنهَّ يُزعزِع دعائم التعايش السلمي، وكذلك نهى المسلمين عن سَبِّ الآخر وشتمه، وهذا ما أكَّده القرآن الكريم في قوله تعالى:﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم﴾.
هـ. البرِ والإحسان: حَثَّ الإسلام على الإحسان إلى الناس جميعًا حتى لو كانوا مخالفين لنا في الدين والعقيدة، ما لم يكونوا مقاتلين أو معادين للمسلمين. قال تعالى:﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾.وعلى هذا الأساس، حرص الإسلام على رعاية غير المسلمين الذين يقيمون في المجتمع المسلم، وكَفَل لهم حقوقهم ومصالحهم، وعمل على توثيق أواصر التعايش بينهم وبين بقية أفراد المجتمع.
ثالثًا: مجالات التعايش الإنساني
أ . التعايش الديني: هو الإقرار بحرية الناس في اختيار معتقداتهم. قال تعالى:﴿لكم دينكم ولي دين﴾.
ويكون ذلك:
- بالسماح لأهل الديانات الأُخرى بحرية الاعتقاد.
- حرية ممارسة شعائرهم الدينية.
- عدم الاعتداء على أماكن عبادتهم.
ب. التعايش الاجتماعي: هو إظهار الاحترام لمختلف شرائح المجتمع، وعدم المساس بما يُفْضي إليه هذا التنوُّع من عادات وتقاليد وأعراف مُتعدِّدة لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. قال تعالى: ﴿يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا﴾.
ومن أمثلة ذلك:
- إشاعة الوئام بين أفراد المجتمع.
- التكافل والتضامن معهم.
- الإحسان إليهم، وقبول هداياهم.
- مشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم عند المصائب.
والمحافظة - في الوقت نفسه- على الثقافة والقِيَم الإسلامية الأصيلة المُنبثقِة من العقيدة والشريعة السمحة.
ج. التعايش الاقتصادي: تُعَدُّ إقامة العلاقات الاقتصادية بين الشعوب ضرورةً حتميةً، وعاملًا مُهِمًّا لاستقرار الأوطان، وتحقيق السَّلْم المجتمعي، وجلب الرخاء الاقتصادي. ومن ثَمَّ، فقد كَفَل الإسلام لغير المسلمين الذين يعيشون في المجتمع المسلم حقَّ المشاركة في الحياة الاقتصادية؛ فقد «تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير ».
د . التعايش السياسي: كَفَل الإسلام حقَّ المُواطَنة لغير المسلمين داخل الدولة؛ بُغْيَةَ تحقيق التعايش السياسي بين جميع مُكوِّنات المجتمع؛ ما يُسهِم في:
- الحفاظ على السَّلْم والأمن الداخليين.
- يتيح لغير المسلمين تعرُّف الإسلام ومبادئه.
- المشاركة في السلطة السياسية.
ومن ذلك ما نصَّت عليه وثيقة المدينة المُنوَّرة التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم تجعل المُواطَنة للمسلمين وحدهم، بل شملت غير المسلمين، بمقتضى الإقامة في المدينة المُنوَّرة، والالتزام بأحكام الوثيقة.
هـ. التعايش الدولي: يُقصَد بذلك إقامة علاقات مع الدول الأُخرى، والتعايش معها بعيدًا عن الصدام، ما لم تكن مُعادِية ومُحارِبة للإسلام، أو مُعتدِية على المسلمين.
ويشمل ذلك: التبادل الاقتصادي، والعلمي، والثقافي، والحفاظ على مُقدَّرات البيئة، استنادًا إلى مبدأ التعامل بالمثِْل وعدم الاعتداء.
قال تعالى: ﴿إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون﴾.
صور مشرقة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل وفود غير المسلمين الذين يأتون إلى المدينة المُنوَّرة لمقابلته، ويلتقي بهم في المسجد؛ سواء كانت هذه الوفود حاضرة لطلب العلم، أو عَقْد المعاهدات وإبرامها.
من هذه الوفود: وفد نصارى نجران.
الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ
ضربت المملكة الأردنية الهاشمية أروع الصور في التعايش الإنساني بين أبناء المجتمع الأردني على اختلاف أديانهم وأعراقهم، وظهر ذلك جَلِيًّا في:
- رسالة عمّان.
- مبادرة «نحو كلمة سواء ».
- الوصاية الهاشمية على المُقدَّسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
- استضافة الأردن ملايين من اللاجئين على اختلاف معتقداتهم وأعراقهم، وتوفير الأمن لهم.
- الجهود الدؤوبة التي يبذلها جلالة المَلِك عبد الله الثاني بن الحسين - حفظه الله- من أجل الحوار والسلام العالميين.
- المبادرة التي قدَّمتها المملكة الأردنية الهاشمية للوئام بين الأديان.