يُطلَقُ الجهاد على معنيين رئيسين:
(1) الجهاد بالمعنى العام: ويُراد به بذل الوُسعِ والطاقة في فعل ما أمر الله تعالى به وأحبّه، واجتناب ما نهى عنه وكرهه، قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج: ٧8]، ويكون من خلال:
- جهاد النفس: بحملها على الالتزام بأحكام الدّين وصدّها عن اتّباع الهوى.
- جهاد الشيطان: بمواجهة وساوسه وعدم اتّباع خطواته.
- جهاد الدعوة: وذلك بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وقول كلمة الحقّ بالحكمة والموعظة الحسنة.
(2) الجهاد بالمعنى الخاصّ: وهو المقصود في هذا الدرس، ويُراد به بذل الوُسعِ والطاقة في محاربة المعتدين، قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: ١٩٠]، وهذا الأمر من مسؤوليّة الدّولة وليس للأفراد ممارسته، دون إذن ولي الأمر.
وللجهاد بالمعنى الخاص مراتب:
(1) الجهاد بالنفس: وذلك بالخروج لملاقاة العدوّ، ومباشرة القتال وتقديم النفس رخيصة في سبيل الله دفاعًا عن الدّين والأوطان، قال تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ [التوبة: ١١١].
(2) الجهاد بالمال: ويكون بتقديم الأموال اللازمة لتجهيز الجيش وتزويده بالأسلحة اللازمة والمؤونة، وجميع ما يحتاج إليه في مواجهة الأعداء، ويدخل في ذلك بناء المصانع الحربيّة وتجهيز المستشفيات ورعاية عائلات المجاهدين، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَهَّزَ غازِيًا، فقَدْ غَزا، ومَن خَلَفَ غازِيًا في أهْلِهِ، فقَدْ غَزا » [رواه البخاري ومسلم].
(3) الجهاد بالكلمة: وذلك بإبداء الرأي والمشورة وبالإعلام والتعبئة المعنويّة.
|
حكمُ الجهاد
- فرض عين: وهو ما يجب على كلّ مسلم أن يقوم به كالصلوات الخمس. وقد أمر الإسلام بالجهاد في حالة الاعتداء على بلاد المسلمين أو دينهم، وجعله فرض عين؛ لدوره الكبير في المحافظة على الدّين وإعلاء كلمة الله تعالى، وردّ العدوان عن المسلمين وأوطانهم. قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٩٠ ].
- فرض كفاية: وهو ما يجب القيام به من مجموعة كافية من الأمّة، فإذا لم تقمْ به فإنّ الأمّة كلّها مسؤولة عن ذلك كالجهاد وصلاة الجنازة وما يكفي الأمّة وتستغني به عن غيرها مثل الزّراعة والصّناعة.
والأصل أنّ الجهاد فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين إلاّ أنّه يُصبح فرض عَين في حالات معيّنة كأن يأمر وليّ الأمر بالخروج لملاقاة الأعداء.
فضل الجهاد والمجاهدين:
- وعد الله عزَّ وجلَّ المجاهدين بالأجر العظيم، قال تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾، [النساء: 74].
- جعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان، فقد سُئل صلى الله عليه وسلم أيّ العمل أفضل؟ فقال: «إيمانٌ باللهِ ورسولِه. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجِهادُ في سبيلِ اللهِ. قيل: ثم ماذا؟ قال: حجٌّ مبرور» [رواه البخاري ومسلم].
- كما حذّر القرآن الكريم من ترك الجهاد والتّقاعس عنه؛ لما فيه من التعرّض لعذاب الله -عزَّ وجلَّ-، قال تعالى: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التوبة: 39].
|
- الجهاد ليس اعتداء على أحد، ولا استيلاء على مقدّرات الشعوب واستعمارهم، ولذلك أمر الإسلام بالتّمييز بين المحاربين وغير المحاربين من الأطفال والنّساء، ولمّا وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة في إحدى الغزوات قال: «ما كانتْ هذه لتُقاتِلَ »، ثم قال لأصحابه: «لا تَقتُلوا ذُرِّيةً ولا عَسيفًا » [رواه أحمد] (ذُريَّةً: نسل الإنسان والمرادُ في الحديث النِّساءُ، عسيفًا: أجيرًا على حفظ الدَّوابِّ)، وكان من وصيّته صلى الله عليه وسلم للمجاهدين: «لا تَغدِرُوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقتُلوا وَليدًا » [رواه مسلم] (الغلول: الأخذ من الغنائمِ دون إذن ولي الأمر).
- أمر الإسلام بالحرص على التزام العهود والمواثيق وعدم نقضها، قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٤].
- كان المسلمون حريصين على تجنّب الحروب -ما أمكن- ويدل على ذلك ما حصل في تفضيل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصّلح يوم الحديبية حين قال: «والذي نفسي بيدِهِ، لا يَسأَلوني خُطَّةً يُعظِّمونَ فيها حُرُماتِ اللهِ إلَّ أعطيتُهُم إيَّاها » [رواه البخاري]، وذلك بعد أن أخذ البيعة من الصحابة الكرام على الموت في سبيل الله تعالى، قال تعالى:﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ١٨ ].
- كما رفض الإسلام أيّ عدوان تمارسه الدُّول أو الجماعات أو الأفراد ظلمً وبغيًا على الإنسان وحقوقه كالقتل بغير حق ونشر الخوف والأذى وتهديد الآمنين وترويعهم، وسواء صدر هذا العدوان من المسلمين أو من غير المسلمين.
|