التربية الإسلامية فصل أول

الحادي عشر خطة جديدة

icon

التَّعَلُّمُ الْقَبْ لِيُّ

بدأ سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته في مكَّة المُكرَّمة، وواجه هو ومَنْ آمن معه مختلف أشكال الصَّدِّ والعذاب والاضطهاد ممَّنْ عارضوا دعوته، لكنَّه صبر صلى الله عليه وسلم مع صحابته رضي الله عنهم، ولم يُقابلِوا العدوان بمِثْله، بل استمرّوا يدعون إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحَسَنة. بعد ذلك هاجر صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى المدينة المُنوَّرة، لكنَّ المشركين استمرّوا في عدوانهم، ومحاولة صَدِّ المسلمين عن دينهم. ولمّا ازداد أذى المشركين أَذِن الله تعالى للمسلمين بالقتال. قال تعالى:﴿أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير﴾.


أَسْتَذْكِرُ وَأُعَدِّدُ
أُعَدِّدُ بعض المعارك التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم دفاعًا عن دين الله تعالى، ورَدًّا للعدوان.

بدر، أحد، الخندق، بني قريظة، بني قينقاع، بني النضير، فتح مكة.

الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ
الجهاد فريضة عظيمة من فرائض الإسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَأْسُ الْأمْرِ الْإسْلامُ، وَعَمودُهُ الصَّلاةُ، وَذُرْوَةُ سَنامِهِ الْجِهادُ في سبيلِ اللهِ».

أوَّلًا: مفهوم الجهاد، ومراتبه

يُطلَقُ الجهاد على معنيين رئيسين، هما:
أ . الجهاد بالمعنى العامِّ: يراد به بَذْل الوُسْع والطاقة في فعل ما أمر الله تعالى به، وأحبَّه (مثل: إقامة الصلاة، ومساعدة المحتاجين، ودعوة الناس إلى الخير، وتحمُّل المسؤولية المجتمعية، والالتزام بالقانون)، واجتناب ما نهى عنه، وكرهه، (مثل: الكذب، وشهادة الزور، والغِشِّ).

قال تعالى:﴿وجاهدوا في الله حق جهاده﴾.

ب. الجهاد بالمعنى الخاصِّ: يراد به بَذْل الوُسْع والطاقة في محاربة المعتدين؛ إعلاءً لكلمة الله تعالى، ودفاعًا عن الوطن وأمن المجتمع.
يأتي الجهاد بالمعنى الخاصِّ على مراتب عِدَّة، منها:
1. الجهاد بالنفس: يكون ذلك بمباشرة القتال، وبَذْل النفس في سبيل الله تعالى؛ دفاعًا عن الدين والوطن.
قال تعالى:﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم﴾.

وهذه المرتبة من الجهاد هي من مسؤولية الدولة لا الأفراد؛ إذ لا يحقُّ لهم خوض غماره من دون إذن ولي الأمر.

2.الجهاد بالمال: يكون ذلك بتقديم المال اللازم لتجهيز الجيش، وتزويده بالأسلحة والمؤونة وما يَلزم لمواجهة الأعداء، بما في ذلك بناء المصانع الحربية، وتجهيز المستشفيات، ورعاية عائلات المجاهدين.
قال تعالى: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَهَّزَ غازِيًا فَقَدْ غَزا، وَمَنْ خَلَفَ غازِيًا في أَهْلِهِ فَقَدْ غَزا». 
3. الجهاد بالكلمة: يكون ذلك بإبداء الرأي والمشورة، والإعلام والتعبئة المعنوية؛ فقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسّان بن ثابت رضي الله عنه أنْ يهجو المشركين، فقال صلى الله عليه وسلم: «اهْجُهُمْ وَجِبْيلُ مَعَكَ» (اهْجُهُمْ: ذمَّهم).

ثانيًا: حُكْم الجهاد، وفضله

فرض الإسلام الجهاد لدوره الفاعل في المحافظة على الدين، وإعلاء كلمة الله تعالى، ورَدِّ العدوان عن المسلمين وأوطانهم. قال تعالى:﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾.
والأصل في الجهاد أنَّه فرض كفاية، بحيث إذا قام به بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقين، لكنَّه يصبح فرض عين في حالات مُعيَّنة، مثل:

إعلان رأس الدولة النفير العام، أو تكليفه أشخاصًا بذلك.

قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل﴾.
أكَّد الإسلام أنَّ للجهاد والمجاهدين فضلًا عظيمًا؛ فقد وعد الله المجاهدين بالأجر العظيم. قال تعالى:﴿ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا﴾. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان؛ إذ سُئِل صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أفضل؟ فقال: «إِيمانٌ بِاللهِ وَرَسولِهِ» قيل: ثمَّ ماذا؟ قال: «الْجهادُ في سَبيلِ اللهِ» قيل: ثمَّ ماذا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرورٌ».

وقد حذَّر القرآن الكريم من ترك الجهاد، والتقاعس عنه؛ لِما في ذلك من مَدْعاة لعذاب الله في الدنيا؛ بأنْ يُسلَّط عليهم الأعداء، ويُلقَوا في النار يوم القيامة؛ لتركهم هذا الواجب العظيم.
قال تعالى: ﴿إلا تنفروا يعذبكم عذابًا أليمًا ويستبدل قومًا غيركم ولا تضروه شيئًا).

 فرض العين؛ وهو ما يجب على كلِّ مسلم أنْ يقوم به مثل: الصلوات الخمس.

فرض الكفاية؛ وهو ما يجب أنْ تقوم به مجموعة كافية من الأُمَّة، فإنْ لم يقم به أحد أَثِموا جميعًا، مثل: الجهاد، وصلاة الجنازة.

ثالثًا: أخلاقيات الجهاد في الإسلام

حرص الإسلام على إشاعة السَّلْم بين الناس، وعدم اللجوء إلى الحرب إلّ إذا تهيَّأت دواعيها وأسبابها.
وممّا يدلُّ على ذلك، تفضيل سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح يوم الحديبية حين قال: «وَالَّذِي نفَْسِ بيَِدِه،ِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيها حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا».
ضوابطَ الجهاد
أ . عدم الاعتداء على الآخرين بغير وجه حقٍّ، مثل: تهديد الآمنين وترويعهم، أو الاعتداء على البيئة والحياة فيها، مثل: قتل الحيوانات، وحرق الأشجار أو قطعها، وهدم المنازل، وقتل المدنيين.
ب. أمر الإسلام بالتمييز بين المحاربين وغير المحاربين من الأطفال والنساء؛ فحين وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة في إحدى الغزوات قال: «مَا كَانَتْ هَذِهِ لتُِقَاتلَِ»، ثمَّ قال لأصحابه: «لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً وَلَ عَسِيفًا»
(ذُرِّيَّةً : نسل الإنسان. والمراد في هذا الحديث هو النساء، عَسِيفًا: أجيرًا على حفظ الدواب)، وكان من وصيته صلى الله عليه وسلم للمجاهدين: «لَا تَغْدِرُوُا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَليِدًا» (تَغُلُّوا: تأخذوا من الغنائم دون إذن ولي الأمر). 
ج. الحرص على التزام العهود والمواثيق وعدم نقضها. قال تعالى: ﴿إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئًا ولم يظاهروا عليكم أحدًا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين﴾.

الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ

مَرَّ تشريع الجهاد بمراحل عديدة، يُمكِن إجمالها في مرحلتين، هما:
المرحلة الأولى: الجهاد بالدعوة والكلمة وعدم اللجوء إلى القوَّة واستخدام السلاح:

فقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عامًا في مكَّة المُكرَّمة يدعو الناس إلى الإسلام، ويُربّ مَنْ آمنوا بدعوته، ويُعِدُّهم إعدادًا عقديًّا وأخلاقيًّا، ويأمرهم بالصبر على أذى المشركين، والكَفِّ عن قتالهم.
المرحلة الثانية: الإذن بالقتال واستخدام القوَّة:

وذلك بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى المدينة المُنوَّرة، حيث قَوِيَتْ شوكتهم، واستمرَّ عدوان المشركين عليهم، فأَذِن الله سبحانه لهم بالقتال ورَدِّ العدوان. قال تعالى: ﴿أُذنَ للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله﴾.بعد ذلك أمرهم الله تعالى برَدِّ العدوان. قال تعالى: ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾.

فعمل المسلمون على رَدِّ عدوان المشركين بمثله استجابةً لأمر الله تعالى. والمُتتبِّع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنَّ المشركين هم الذين بدؤوا الاعتداء على المسلمين، وحاولوا رَدَّهم عن دينهم، وإخراجهم من ديارهم، ومنع الناس من الدخول في الإسلام.
 

صُوَرٌ مُشْرِقَةٌ
في الحادي والعشرين من شهر آذار عام 1968 م، اعتدت قوّات الاحتلال الإسرائيلية على الأراضي الأردنية، وحاولت احتلال بعض الأجزاء منها، فتصدَّت لها القوّات المُسلَّحة الأردنية (الجيش العربي) ببسالة في معركة الكرامة، وألحقت بها هزيمة نكراء مُذِلَّة.