الحضارةُ البابليةُ (1894- 1175 ق. م)
أتخيّلُ نفسي هناكَ: أتجوّلُ في متحفِ اللوفَرِ في باريسَ، وأستمتعُ بالاطلاعِ على القطعِ الأثريةِ التي تروي قصصَ التقدُّمِ والابتكارِ والثقافةِ التي خلّفَتْها حضاراتُ بلادِ الرافدَينِ.
الحضارةُ البابليةُ مزيجٌ منَ الحضارتَينِ: السومريةِ، والأكاديةِ، وقدِ اشتُهِرَتْ بتطويرِها العلومَ والثقافةَ والفلسفةَ، وتركَتْ إرثًا عظيمًا منَ المعارفِ والعلومِ، وسُمّيَتْ بذلكَ نسبةً إلى "بابلَ" الّتي تعني في اللغةِ الأكاديةِ "بوّابةَ الإلهِ".
الموقعُ والنشأةُ
استوطنَ البابليونَ جنوبَ بلادِ الرافدَينِ خلالَ الألفَينِ: الثانيِ والأوّلِ قبلَ الميلادِ، حيثُ توجدُ الأهوارُ الغنيةُ بالمياهِ والأراضي الخصبةِ، وقدْ بَنوا مدينةَ بابلَ الّتي اتّخذَها ملكُهُمْ حمورابي عاصمةً لمملكَتِهِ، وكانَ ملكًا قويًّا ضمَّ جنوبَ بلادِ الرافدَينِ إلى مُلكِهِ، وعُرِفَ بتشريعاتِهِ وقوانينِهِ ونشرِهِ الأمنَ والعدلَ، واهتمَّ بالزراعةِ والرِّيِّ وإنشاءِ المعابدِ.
الحياةُ الاقتصاديةُ
امتازَ موقعُ البابليينَ في جنوبِ بلادِ الرافدَينِ بوفرةِ المياهِ وخصوبةِ التربةِ، وقدْ أسهمَ هذا في تعدُّدِ مُنتَجاتِهِمْ وتنوُّعِها، ما أدّى إلى ازدهارِ التجارةِ البَرّيّةِ والبحريةِ. وتفوّقَ البابليونَ في صناعةِ الفخّارِ، وبرعوا في نحتِ التماثيلِ للآلهةِ، وزيّنوا بها معابدَهُمْ وقصورَهُمْ.
مظاهرُ الحضارةِ البابليةِ
أسهمَ البابليونَ إسهامًا كبيرًا في بناءِ حضاراتِ بلادِ الرافدَينِ وتوسيعِ العلومِ فيها، ومنْ أهمِّ إنجازاتِهِمْ:
1- قانونُ حمورابي: تُعَدُّ تشريعاتُ الملكِ البابليِّ حمورابي أقدمَ التشريعاتِ الّتي نظّمَتِ الحياةَ العامّةَ في تاريخِ البشريةِ، وقدْ نُقِشَتْ على مِسَلَّةٍ منْ حجرِ الديوريتِ الأسودِ وسُمّيَت باسمِهِ، ولا تزالُ محفوظةً في متحفِ اللوفرِ بباریسَ، وتحتوي على 282 مادةً نظّمَتْ شؤونَ المجتمعِ والأفرادِ، والمعاملاتِ التجاريةَ، إضافةً لفرضِها غراماتٍ وعقوباتٍ لتحقيقِ العدالةِ.
حملَتْ ديباجةُ قانونِ حمورابي عباراتٍ مُؤثِّرةً على لسانِهِ، منها: " في قلبي حملْتُ أهلَ أرضِ سومرَ ... وبحكمتي قيّدْتُهُمْ؛ حتى لا يظلمَ الأقوياءُ الضعفاءَ، وحتى ينالَ العدالةَ اليتيمُ والأرملةُ ... فليأْتِ أيُّ إنسانٍ مظلومٍ لَهُ قضيةٌ أمامَ صورتي أنا، ملكَ العدالةِ، ليقرأِ النقشَ الّذي على أثري، وليُلْقِ بالَهُ إلى كلماتيَ الخطيرةِ! لعلَّ أثرى هذا يكونُ هاديًا لَهُ في قضيّتِهِ، ولعلَّهُ يفهمُ منهُ حالتَهُ! .... ولعلَّ الملكَ الّذي يكونُ في الأرضِ في ما بعدُ، وفي المستقبلِ، يرعى ألفاظَ العدالةِ الّتي نقشْتُها على أثري".
|
- أستنتجُ القِيَمَ والحقوقَ الواردةَ في النصِّ السابقِ. واربطها مع مواثيق حقوق الإنسان الحديثة.
- يتناول النص مبدأ المساواة والعدالة بين الاقوياء والضعفاء كما اشار النص الى الاطفال وحقوقهم وكذلك الأرامل من النساء وكل تلك المفاهيم تتطابق مع ما تنادي به مواثيق حقوق الإنسان الحديثة.
2- أسدُ بابلَ: نُحِتَ منَ البلاطِ المُزجَّجِ القديمِ على أبوابِ بابلَ القديمةِ، ويرمزُ إلى قوّةِ بابلَ.
- لِمَ اختارَ البابليونَ الأسدَ رمزًا لبابلَ؟
رمزاً للقوة
3- رسمُ الخرائطِ: أتقنَ البابليونَ عملياتِ مسحِ الأراضي وإفرازِها، ورسمِ خرائطِها الّتي تحدّدُ مُلكياتِهِمْ. فقدْ عُثِرَ في جنوبِ العراقِ على خريطةٍ محفورةٍ على لوحٍ منَ الفخّارِ، تمثّلُ قطعةَ أرضٍ مُقسَّمةٍ إلى أشكالٍ هندسيةٍ، ومُسجَّلٍ عليها المسافاتُ والمساحاتُ.
السببُ: رسمُ البابليينَ الخرائطَ. |
النتيجةُ: تحديد الملكيات |
4- المُعتقَداتُ الدينيةُ: آمنَ البابليونَ بتعدُّدِ الآلهةِ، مثلِ: آنو (إلهِ السماءِ)، وإنليلِ (إلهِ العواصفِ والرياحِ)، وعشتارَ (آلهةِ الحبِّ والجمالِ والحربِ والخصوبةِ).
5- تأسيسُ علمِ الفلكِ: اهتمَّ البابليونَ بمراقبةِ حركاتِ الكواكبِ والنجومِ، وكانوا يدوّنونَ ملاحظاتِهِمْ ويتقنونَ حساباتِهِمُ الفلكيةَ، واستخدموا نظامًا حسابيًّا متطوّرًا لتحديدِ المواقيتِ في حياتِهِمُ الدينيةِ والزراعيةِ.
6- الطّبُّ: اهتمَّ البابليونَ بالطّبِّ، فطوّروا الأدويةَ، وعالجوا الأمراضَ بالمراهمِ والعقاقيرِ، وكانوا يعتمدونَ في تشخيصِ الأمراضِ على التاريخِ الطبّيِّ المُسجَّلِ للمريضِ/ المريضةِ، وأسهموا في تطويرِ علومِ الكيمياءِ والأحياءِ.
ضعفُ الحضارةِ البابليةِ
استمرَّتِ الدولةُ البابليةُ في الازدهارِ حتى تمكّنَتِ الدولةُ الأخمينيةُ منَ القضاءِ عليها؛ بسببِ ضعفِ الملوكِ وكثرةِ الفتنِ والحروبِ الداخليةِ.