الحياة الاقتصادية في الأردنّ بين عامَي (1968-1999م)
تسبّبت حرب 1967م، بأضرار بالغة في الاقتصاد الأردني، وعرقلت خططه التنموية؛ فشكّل احتلال الضفّة الغربية خسارة نحو نصف إنتاج الأردن القومي، وانعكس ذلك سلبًا على المجالات الاقتصادية جميعها.
لم يلبث الاقتصاد الأردني أن تعافى وازدهر نسبيًّا طوال عقد السبعينيات إلى منتصف عقد الثمانينيات، ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها: زيادة إنتاج مادّة الفوسفات وارتفاع أسعارها، حيث أصبح الأردنّ ثالث أكبر بلد في العالم منتجًا للفوسفات، بالإضافة إلى زيادة حجم المساعدات والمنح الخارجية، وتحويلات الأردنيين العاملين في دول الخليج العربي، بالإضافة إلى موقع الأردنّ الجغرافي والإستراتيجي، والقوى البشرية الأردنية الماهرة والمدرّبة، وإنشاء العديد من المدارس الأكاديمية والمهنية والصناعية في محافظات المملكة.
تطوّر قطاع الزراعة
أولت الحكومات الأردنية المتعاقبة اهتمامًا كبيرًا بقطاع الزراعة الأردني، لما حقّقه من تعزيز فرص العمل، ورفع مستوى الأمن الغذائي في المملكة. وتجلّى هذا الاهتمام بتطوير البحوث الزراعية، وإنشاء عدّة محطّات زراعية بحثية، وتطبيق النمط الزراعي العالمي، وتوجيه المزارعين لاستخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة في الزراعة، ومنح القروض المالية للمزارعين، وإقامة مشاريع الحصاد المائي بإنشاء العديد من السدود المائية في المملكة؛ كسدّ الملك طلال، وسدّ الوالة، وسدّ الموجب، وسدّ وادي العرب، والسدود الترابية في البادية الأردنية وحفر الآبار الارتوازية فيها.
وعلى الرغم التطوّر الذي شهده القطاع الزراعي، إلّا إنه عانى من بعض المشكلات، مثل محدودية الموارد المائية؛ بسب قلّة الأمطار وتذبذبها، وتناقص الأراضي الزراعية؛ بسبب الزحف العمراني عليها. بالإضافة إلى ضعف التسويق الزراعي، وصعوبة ممارسة الأعمال الزراعية في الغور الأردني نتيجة العمليات العسكرية شبه المستمرّة من الطرف الإسرائيلي.
تطوّر القطاع الصناعي
توالى الاهتمام بالقطاع الصناعي عبر وضع خطط التنمية الاقتصادية المتتالية؛ إذ لعب القطاع الصناعي دورًا رئيسًا في ترسيخ التنمية الاقتصادية الأردنية. وعلى الرغم من أنّ الاقتصاد الأردني قد تأثّر بالنتائج التي سببّتها حرب 1967م، بسبب توقّف خطط التنمية الاقتصادية، وانخفاض الاستثمارات المالية العربية والأجنبية، إلّا أنّ القطاع الصناعي استأنف نموّه باستكمال العديد من مشروعات البنية التحتية، وشهد عقدا السبعينيات والثمانينيات نموًّا كبيرًا في قطاع الصناعة الأردنية، حيث بلغ عدد المنشآت الصناعية (15,000) منشأة.
أمّا أبرز ملامح تطوّر الصناعات المحلّية، فهي:
- النقلة النوعية في قطاع الصناعات التعدينية والتحويلية؛ كصناعات البوتاس والفوسفات والإسمنت.
- الاهتمام بالصناعات الإلكترونية المتقدّمة، والصناعات الورقية والبلاستيكية والهندسية، والألبسة والمنسوجات.
- تطوّر الصناعات الكيماوية، ولا سيّما صناعة الأدوية.
- سن العديد من التشريعات التي سهّلت عمليات الاستثمار العربية والأجنبية، ومن أبرزها قانون تشجيع الاستثمار لعام 1972م.
استمرّ الاهتمام بقطاع الصناعة، حيث أُنشئت العديد من المؤسّسات الداعمة لهذا القطاع، ومنها: مؤسّسة المناطق الحرّة في عام 1976م، ومؤسّسة المدن الصناعية في عام 1980م؛ حيث أُنشئت أوّل مدينة صناعية في عام 1984م، وهي مدينة سحاب الصناعية (مدينة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين الصناعية).
وعلى الرغم من الإنجازات التي تحقّقت في مجال القطاع الصناعي، إلّا أنّه واجه تحدّيات عديدة، مثل:
- ضعف رأس المال اللازم لقيام صناعات متطوّرة.
- انخفاض القدرة التنافسية للمنتجات المحلّية عالميًّا.
- صغر حجم السوق الأردني المحلّي.
- أقترح حلولًا لزيادة القدرة التنافسية للمُنتَجات الأردنية عالميًّا.
لزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الأردنية عالميًا، يجب التركيز على تحسين جودة المنتجات من خلال تبني معايير الجودة العالمية والحصول على شهادات الاعتماد المطلوبة. يمكن تعزيز الابتكار والتطوير من خلال دعم البحث والتطوير وإدخال تقنيات جديدة في عمليات الإنتاج. كما يمكن تحسين كفاءة سلسلة الإمداد وتخفيض التكاليف لزيادة القدرة على المنافسة من حيث الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز التسويق الدولي للمنتجات الأردنية من خلال المشاركة في المعارض التجارية العالمية وتحسين العلامة التجارية الوطنية. وأخيراً، يمكن تقوية العلاقات التجارية مع الدول الأخرى من خلال توقيع اتفاقيات تجارية تساعد في فتح أسواق جديدة للمنتجات الأردنية.
تطوّر القطاع التجاري
يُعدّ القطاع التجاري من القطاعات المهمّة في بنية الاقتصاد الوطني الأردني، وله دور أساسي في تحقيق الأمن الاقتصادي. وقد أسهمت العوامل الآتية في تطوّر القطاع التجاري الأردني:
- توفير شبكة متكاملة من مرافق البنية التحتية؛ كالطرق، ووسائل النقل، والاتّصالات، والمطارات، والمياه، والطاقة.
- تطوير ميناء العقبة وتوسيعه.
- إبرام العديد من الاتّفاقيات التجارية مع كثير من دول العالم.
- بناء نظام مصرفي فعّال ومتطوّر في الأردنّ.
ولعلّ أبرز ما واجهه القطاع التجاري الأردني من تحديات: العجز في الميزان التجاري، والأوضاع الأمنية وعدم الاستقرار في الإقليم، بالإضافة إلى ضعف المنافسة
عجز الميزان التجاري
مصطلح يُطلق على ارتفاع نسبة قيمة البضائع والمواد المستوردة، مقابل انخفاض قيمة نسبة الصادرات.
المناطق الحرّة
تُعدّ المناطق الحرّة شكلًا من الأشكال التنظيمية الاستثمارية التي تُنفّذها الدول؛ من أجل جذب الاستثمارات وتسهيلها وتشجيعها، بمختلف أشكالها وقطاعاتها ومصادرها. بدأت تجربة المناطق الحرّة في الأردنّ في عام 1973م، حيث أُقيمت في ميناء العقبة منطقة حرّة عامّة صغيرة؛ لتنمية التجارة الخارجية، وخدمة تجارة الترانزيت (العبور). وأُنشئت مؤسّسة المناطق الحرّة في عام 1976م، والتي من مهامّها إنشاء المناطق الحرة وإدارة الاستثمار فيها، بالإضافة إلى الإشراف عليها.
المناطق الحرّة
تُعدّ المناطق الحرّة جزءًا من إقليم الدولة، يدخل ضمن حدودها ويخضع لسلطتها الإدارية، ويجري التعامل فيها وفقًا لأحكام ضريبية ونقدية وجمركية تُحدّدها الدولة
شهد الأردنّ بين عامَي (1973-1984م) نموًّا اقتصاديًّا سريعًا واستقرارًا ماليًّا نسبيًّا، تزامنًا مع الازدهار الاقتصادي الذي شهدته المنطقة العربية؛ بسبب ارتفاع أسعار النفط، ما أدّى إلى تدفّق المعونات المالية الخارجية وزيادة تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج. كما زاد معدّل النمو الاقتصادي والاستثمارات؛ فتضاعف الدخل السنوي للفرد، ما انعكس إيجابًا على مستوى المعيشة، وانتشار التعليم بمستوياته المختلفة، واتّسعت شبكة الطرق، وتحسّنت الخدمات الحكومية، من رعاية صحّية واتّصالات سلكية ولا سلكية وخدمات الماء والكهرباء.
الأزمة الاقتصادية في عام 1989م
أدّت الزيادة في الإنفاق العامّ، والاعتماد على القروض والمساعدات المتوقّعة، وتراجع قطاعا الصناعة والإنشاءات، وانخفاض أسعار الفوسفات والبوتاس والأسمدة عالميًّا نتيجة حالة الكساد العالمي؛ إلى التأثير سلبًا في الاقتصاد الأردني، وارتفاع نسبة البطالة.
لجأت الحكومة الأردنية في مواجهة الأزمة الاقتصادية إلى عدّة تدابير، منها: الحصول على مساعدات مالية عربية لدعم الدينار، والتوسّع في فرض الضرائب، والاستدانة من البنوك المحلية. كما فرضت قيودًا على الموازنة العامة، وألغت أيّ زيادات على رواتب موظّفي القطاع العام، وجمّدت النفقات العسكرية، ولجأت إلى رفع أسعار المشتقّات النفطية والمياه، ورفعت الدعم عن كثير من المشاريع التنموية؛ فانخفض سعر صرف الدينار إلى نصف قيمته، وقد قوبل هذا الوضع باحتجاجات شعبية واسعة، انتهت إلى تقديم الحكومة استقالتها في نيسان 1989م، وتشكيل حكومة جديدة في الأردنّ، ووضع خطط جديدة لتطوير الاقتصاد الأردني وتحسينه.
تعرّض الاقتصاد الأردني لهزّة جديدة في مطلع التسعينيات من القرن الماضي؛ نتيجة لتداعيات أزمة الخليج (1990-1991م)، الناجمة عن احتلال العراق للكويت، وعودة آلاف الأردنيين المغتربين العاملين في دول الخليج العربي إلى البلاد بصورة مفاجئة؛ ما أدّى إلى انخفاض حجم التحويلات المالية، وتزايد الطلب على الموارد والخدمات الأساسية، وارتفاع نسبة البطالة، وتوقّف الصادرات الأردنية إلى دول الخليج العربي. وشهدت الأسواق المحلية إقبالًا على شراء السلع خوفًا من توسّع الحرب؛ ما أسهم في ارتفاع الأسعار محلّيًّا، وتزامن ذلك كلّه مع توقّف المساعدات والمعونات المالية العربية والأجنبية وبخاصّة الأمريكية.
تأثّر الاقتصاد الأردني بالظروف العربية المحيطة؛ ما أدّى إلى تراجع التنمية الاقتصادية، ونقل الكثير من الاستثمارات إلى خارج المملكة. وعليه، اتّخذت الحكومة الأردنية عدّة إجراءات لإنعاش الحياة الاقتصادية تمثّلت بإصدار قانون جديد لتشجيع الاستثمار في عام 1995م، وتشجيع الاستثمارات المحلّية والعربية والأجنبية وجذبها، وتوقيع العديد من الاتّفاقيات الاقتصادية، ومن أبرزها: اتّفاقية الشراكة مع الاتّحاد الأوربّي في عام 1997م، واتّفاقية منطقة التجارة الحرّة العربية في عام 1998م.