أَتَخَيَّلُ نَفْسي هُناكَ
أَتَجَوَلُ في قِوسِ عُكاظَ الَذي يَجْتَمِعُ فيهِ النّاسُ في حَلَقاتٍ واسِعَةٍ لِلِاِسْتِماعِ إِلى الشِعْرِ وَالْخَطابَةِ، حَيْثُ يَتَبادَلُ النّاسُ الَأَفْكارَ وَالْمَعارِفَ.
مُدُنُ الْحِجازِ
ظَهَرَتْ في مِنْطَقَةِ الْحِجازِ مُدُنٌ عِدَةٌ كانَتْ تُشْبِهُ الدُوَلَ، فَكانَتْ كُلُ مَدينَةٍ تُشَكِّلُ وَحْدَةً سِياسِيَةً مُسْتَقِلَةً، لَها نِظامُها السِياسِيُ وَالاجْتِماعِيُ وَالاقْتِصادِيُّ، وَمِنْ أَهَمِ هذِهِ الْمُدُنِ: مَكَّةُ، وَيَثْرِبُ )الْمَدينَةُ الْمُنَوَرَةُ(، وَالطّائِفُ.
أَتَأَمَلُ الْخَريطَةَ الْآتِيَةَ، ثُمَ أُجيبُ عَمّا يَليها:
أُحَدِدُ عَلى الْخَريطَةِ الْمُدُنَ: مَكَّةَ، وَيَثْرِبَ )الْمَدينَةَ الْمُنَوَرَةَ(، وَالطّائِفَ.
في أَيِّ جِهَةٍ مِنْ شِبْهِ الْجَزيرَةِ الْعَرَبِيَةِ تَقَعُ هذِهِ الْمُدُنُ الثَلاثُ؟
في الجهة الغربية.
أَوَّلًا: مَكَّةُ )مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ(
هِيَ واحِدَةٌ مِنْ أَكْبَرِ مُدُنِ شِبْهِ الْجَزيرَةِ الْعَرَبِيَةِ، وَتَقَعُ في وادٍ مُحاطٍ بِالْجِبالِ وَالتِلالِ مِنْ كُلِ مَكانٍ، ساعَدَ وُجودُ بِئْرِ زَمْزَمَ عَلى اسْتِقْرارِ عِدَةِ قَبائِلَ فيها، وَمِنْ أَشْهَرِها: قُرَيْشٌ، وَجُرْهُمُ، وَخُزاعَةُ.
تَمَتَعَتْ مَكَّةُ -وَما زالَتْ- بِمَكانَةٍ دينِيَةٍ بِسَبَبِ وُجودِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَفَةِ فيها، وَمَوْقِعُها الاسْتِراتيجِيُ مَنَحَها أَهَمِيَةً كَبيرَةً عَلى طَريقِ التِجارَةِ بَيْنَ الْيَمَنِ وَالشّامِ وَجَعَلَها مَرْكِزًا تِجارِيًا مُهِمًا.
1- الْأَحَوالُ السِياسِيَةُ في مَكَّةَ قَبْلَ الْإِسْلامِ
في الْبِدايَةِ كانَتْ مَكَّةُ تَحْتَ حُكْمِ قَبيلَةِ خُزاعَةَ، ثُمَ انْتَقَلَ أَمْرُها إِلى قَبيلَةِ قُرَيْشٍ، وَقَدِ اسْتَطاعَ زَعيمُ قُرَيْشٍ، قُصَيُ بْنُ كِلابٍ، أَنْ:
يُوَحِدَ الْقَبائِلَ وَيُنَظِّمَ شُؤونَ مَكَّةَ،
عدد أهم أعمال قصي بن كلاب؟
1- أَسَسَ دارَ النَدْوَةِ لِتَكونَ مَقَرَ اجْتِماعِ قادَةِ قُرَيْشٍ لِلتَشاوُرِ وَاتِخاذِ الْقَراراتِ الْمُهِمَةِ،
2- أَنْشَأَ مَجْلِسَ الْمَلَأِ الَذي كانَ يُشْبِهُ مَجْلِسَ شورى لِإِدِارَةِ أُمورِ مَكَّةَ،
3- نَظَّمَ شُؤونَ الْحَجِ مِنْ:
سِقايَةٍ )تَزْويدِ الْحُجّاجِ بِالْماءِ(
وَرِفادَةٍ )تَزْويدِ الْحُجّاجِ بِالطَّعامِ(
وَحِجابَةٍ )خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ(.
2- الْأَحَوال الاقْتِصادِيَةُ في مَكَّةَ قَبْلَ الْإِسْلامِ
كانَتْ مَكَّةُ تَعْتَمِدُ بِشَكْلٍ كَبيرٍ عَلى التِجارَةِ، وَكانَ أَهْلُها يَذْهَبونَ في رِحْلَتَيْنِ تِجارِيَتَيْنِ كُلَ عامٍ،
إِحْداهُما إِلى الْيَمَنِ في الشِتاءِ، وَالْأُخُرى إِلى بِلادِ الشّامِ في الصَيْفِ،
وَتَوَسَعَ نَشاطُها التِجارِيُّ بِإِقامَةِ عَلاقاتٍ تِجارِيَةٍ مَعَ الرّومِ وَبِلادِ الشّامِ وَالْيَمَنِ وَالْحَبَشَةِ وَالْعِراقِ.
وَمِنْ أَجْلِ حِمايَةِ الْقَوافِلِ التِجارِيَةِ عَلى الطُّرُقِ عَقَدَتْ قُرَيْشٌ اتِفاقِيّاتٍ مَعَ قَبائِلَ أُخْرى عَلى طولِ الطَّريقِ التِجارِيِّ عُرِفَتْ بِالْإيلافِ، وَكانَتِ الْكَعْبَةُ مَرْكِزًا رَئيسًا لِلْقَوافِلِ التِجارِيَةِ الَتي تَأْتي مِنْ شَتّى أَنْحاءِ شِبْهِ الْجَزيرَةِ الْعَرَبِيَةِ وَالْعالَمِ الْقَديمِ.
3- الْأَحَوالُ الدّينِيَةُ وَالاجْتِماعِيَةُ في مَكَّةَ قَبْلَ الْإِسلامِ
اكْتَسَبَتْ مَكَّةُ أَهَمِيَةً دينِيَةً بِسَبَبِ وُجودِ الْكَعْبَةِ الَتي بَناها سَيِدُنا إِبْراهيمُ وَابْنُهُ إِسْماعيلُ عَلَيْهِما السَلامُ، فَأَصْبَحَتْ مَكانًا يَقْصِدُهُ الْحُجّاجُ مِنْ أَنْحاءِ شِبْهِ الْجَزيرَةِ الْعَرَبِيَةِ كافَةً.
وَانْتَشَرَتْ فيها الدِيانَةُ الْحَنيفِيَةُ وَالدِيانَةُ الْمَسيحِيَةُ، إِضافَةً إِلى عِبادَةِ الْأَصَنامِ الَتي كانَتْ مُنْتَشِرَةً حَوْلَ الْكَعْبَةِ.
كانَ مُجْتَمَعُ مَكَّةَ قَبَلِيًا تَسودُهُ عاداتُ الْعَرَبِ، مِثْلُ: الْكَرَمِ، وَالشَجاعَةِ، وَنُصْرَةِ الْمَظْلومِ،
وَقَدِ اشْتُهِرَ أَهْلُ مَكَّةَ بِالْخَطابَةِ وَالشِعْرِ، وَكانوا يُمارِسونَ هذِهِ الْأَنَشِطَةَ في أَسْواقٍ خاصَةٍ بِهِمْ،
مِثْلِ: (أسواق مكة )
سوقِ ذي الْمَجازِ، وَسوقِ مِجَنَةَ.
ثانِياً: يَثْرِبُ )الْمَدَينةُ الْمُنَوَّرَةُ(
كانَتْ يَثْرِبُ مَشْهورَةً بِوَفْرَةِ الْمِياهِ وَالتُرْبَةِ الْخِصْبَةِ، مِمّا جَعَلَ الزِراعَةَ مِنْ أَهَمِ الْأَنَشِطَةِ الاقْتِصادِيَةِ لِسُكّانِها، وَكانَتْ تَتَمَتَعُ بِتَضاريسَ مُتَنَوِعَةٍ وَمَوْقِعٍ جُغْرافِيٍ مُهِمٍ عَلى الطُّرُقِ التِجارِيَةِ. اسْتَقَرَتْ فيها قَبيلَتا الْأَوَسِ وَالْخَزْرَجِ، إِضافَةً إِلى بَعْضِ الْقَبائِلِ الْعَرَبِيَةِ الْيَهودِيَةِ.
كانَ أَهْلُ يَثْرِبَ يَعْمَلونَ في الزِراعَةِ )مِثْلِ: زِراعَةِ النَخيلِ، وَالْخَضْراواتِ(، وَالتِجارَةِ، وَاشْتُهِروا أَيْضًا بِالصِناعاتِ الْحِرَفِيَةِ. وَانْتَشَرَتْ فيها عِبادَةُ الْأَصَنامِ وَالدِيانَةُ الْيَهودِيَةُ الَتي اعْتَنَقَتْها قَبائِلُ بَني قُرَيْظَةَ، وَبَني النَضيرِ، وَبَني قَيْنُقاعَ.
ثالِثًا: الطّائِفُ
ما سبب تسمية الطائف بهذا الاسم؟
سُمِيَتِ الطّائِفُ هذا الاسْمَ؛ لِأَنَ أَهْلَها بَنَوْا أَسْوارًا حَوْلَ الْمَدينَةِ؛ لِحِمايَتِها مِنَ الْأَعَداءِ.
سَكَنَتْها قَبيلَتا ثَقيفٍ وَهَوازِنَ، وَانْتَشَرَتْ فيها عِبادَةُ الْأَصَنامِ إِلى جانِبِ الدِيانَةِ الْحَنيفِيَةِ قَبْلَ الْإِسِلامِ. كانَتِ الطّائِفُ مَرْكِزًا حَضارِيًا وَتِجارِيًا مُهِمًا في شِبْهِ الْجَزيرَةِ الْعَرَبِيَةِ، تُشْتَهَرُ بِمُناخِها الْمُعْتَدِلِ. اعْتَمَدَ أَهْلُ الطّائِفِ في حَياتِهِمْ عَلى زِراعَةِ الْخَضْراواتِ وَالْفَواكِهِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالنَخيلِ.
وَقَدْ كانَتِ الطّائِفُ مَكانًا نَشِطًا ثَقافِيًا، (فسر ذلك؟)
1- كانَتْ مَوْطِنًا لِعَدَدٍ مِنَ الشُعَراءِ وَالْأُدُباءِ،
2- كانَ سوقُ عُكاظَ الْقَريبُ مِنْها مَكانًا شَهيرًا يَلْتَقي فيهِ الشُعَراءُ وَالتُجّارُ وَالْأُدُباءُ.
3- كانَتْ دارُ الْحِكْمَةِ فيها مَرْكِزًا عِلْمِيًا مُهِمًا يَقْصِدُهُ الْباحِثونَ مِنْ مُخْتَلِفِ أَنْحاءِ الْجَزيرَةِ الْعَرَبِيَةِ.
سوقُ عُكاظَ:
مِنْ أَهَمِ أَسْواقِ الْعَرَبِ في الْعُصورِ الْقَديمَةِ وَأَشْهَرِها.
يَقَعُ في شَمالِ شَرْقِ مَدينَةِ الطّائِفِ، وَكانَتْ لَهُ أَهَمِيَةٌ ثَقافِيَةٌ وَتاريخِيَةٌ وَتِجارِيَةٌ كَبيرَةٌ، إِذْ كانَ الْعَرَبُ يَجْتَمِعونَ فيهِ لِلْبَيْعِ وَالشِراءِ، وَيَسْتَمِعونَ إِلى الشُعَراءِ وَالْخُطَباءِ.