التَّعلُّمُ القَبْلِـيُّ
شرع الله تعالى الزّواج:
أ. سكنًا وراحة للزّوجين، يقوم على الألفة والمحبة بينهما.
ب. يعمل على تحقيق العفة.
ج. يحافظ على النسل.
د. يقوي الروابط الأسرية والاجتماعية.
الدليل: قال تعالى: (ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
أحاط الإسلام العلاقة الزوجية بكلِّ ما يدعم بقاءها واستمرارها، وشرع أحكامًا تُقوّي هذه العلاقة وتُعزِّزها عند حدوث الخلافات والنزاعات، أو النشوز؛ وهو امتناع أحد الزوجين عن أداء واجباته تجاه الآخر، واستعلاؤه عليه.
أَتدَّبرُ وأَستنتِجُ أَتدَّبرُ الآية الكريمة الآتية ثم أَستنتِجُ الحلّ الشّرعيّ عند نشوز أحد الزّوجين وتعسّر العلاقة الزّوجيّة. قال تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا). |
محاولة الإصلاح بين الزوجين |
الفهم والتحليل
شرع الإسلام الطّلاق ووضع له مجموعة من الأحكام لحفظ حق الطرفين والأبناء.
أوّلًا: مفهوم الطّلاق وحُكمه
الطّلاق هو: حلُّ رباط الزّوجيّة بعبارة تفيد ذلك، كقول الرّجل لزوجته: أنتِ طالق.
أَتوقَّفُ اعتاد الرجال في الجاهلية تطليق النساء من دون ضوابط أو قيود؛ إذ كان الرجل يُطلِّق زوجته ثمَّ يُراجِعها؛ لإضرار بها، ومنعها من الزواج بآخر. فلمّا جاء الإسلام أنصف المرأة، وحصر الطلاق في عدد مُحدَّد من المَراّت. |
شرع الإسلام الطلاق إذا توافرت دواعيه وأسبابه، مثل:
استحكام الخلاف بين الزوجين، وتعذُّر الإصلاح والتوفيق بينهما.
حرَّم الشرع الحنيف الطلاق إذا قُصِد به الإضرار بالزوجة، فيما يُعرَف بالطلاق التعسُّفي؛ بأنْ يكون من دون سبب مقبول شرعًا؛ لأنَّ في ذلك ظلمًا للمرأة.
وقد أجاز قانون الأحوال الشخصية الأردني للمرأة إذا طلَّقها زوجها طلاقًا تعسُّفيًّا أنْ تُطالِب بتعويض عن طلاقها.
وتضييقًا لحالات الطلاق، ورغبةً في الحفاظ على تماسُك الأُسرة؛ فقد جعل الإسلام حقَّ الطلاق للرجل دون المرأة.
حرَّم على المرأة طلب الطلاق من دون سبب مقبول شرعًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيُّما امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَها طَلاقَها مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرامٌ عَلَيْها رائِحَةُ الْجَنَّةِ ». (مِنْ غَيْر بَأْسٍ: من دون سبب مقبول شرعًا).
فإذا وُجِد سبب مقبول شرعًا جاز لها أنْ تطلب الطلاق، كما لو كان الزوج لا يُنفِق على زوجته.
وإنْ رفض الزوج الطلاق جاز لها أنْ تطلب من القاضي التفريق بينها وبين زوجها.
أَتدَبَّرُ وأَستنتِجُ أَتدَبَّرُ الآيتين الكريمتين الآتيتين، ثم أَستنتِجُ الوسيلة المذكورة في كلّ منها لتجنب وقوع الطّلاق: قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا). |
المعاشرة بالمعروف والمعاملة بالحسنى |
قال تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما). |
تدخل المصلحين من أهل الزوجين لمحاولة حل الخلافات |
ثانيًا: الحكمة من مشروعية الطلاق
حَثَّ الإسلام الزوجين على حُسْن العِشْرة بينهما، وعلى تجاوز الزوج أو الزوجة عمّا يقع من الآخر.
متى يجوز اللجوء إلى الطلاق؟
1) إذا تعذَّرت الحياة الزوجية بينهما. 2) تحوَّلت المودَّة إلى شقاء. 3) استحال الإصلاح بينهما.
لماذا؟
الحكمة أنْ يفترق الزوجان حين يكون الفِراق أخفَّ الضررين؛ لأنَّ استمرار العلاقة الزوجية في ظلِّ احتدام الخلافات وانعدام العاطفة قد يؤدّي إلى أضرار أكبر.
أُفكِّرُ وأُناقِشُ ماذا سيحدث لو استحالت الحياة بين الزّوجين وكان الطّلاق غير مشروع؟ |
زيادة الخلافات الزوجية وربما يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة قد تصل إلى ارتكاب جرائم كالقتل أو الزنا وغيره. |
ثالثاً: أقسام الطلاق
جعل الإسلام إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق على ثلاث مَرّات؛ وقد قسَّم العلماء الطلاق بحسب الآثار المُترتِّبة عليه إلى ثلاثة أقسام، هي:
أ . الطلاق الرجعي:
● مفهومه: طلاق يملك فيه الزوج حقَّ إعادة زوجته إلى عصمته ما دامت في العِدَّة من غير حاجة إلى عقد ومهر جديدين، ولا يُشترَط رضاها في هذه الحالة.
* الدليل: قوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
● ومن أمثلته:
أنْ يُطلِّق الرجل زوجته طلقة أُولى أو طلقة ثانية بعد الدخول، ثمَّ يُراجِعها أثناء العِدَّة.
● من آثاره:
1. بقاء الزوجة على عصمة زوجها في أثناء العِدَّة.
2. وجوب إنفاق الزوج على زوجته في أثناء العِدَّة.
3. للزوج أنْ يُراجِع زوجته ما دامت في العِدَّة، ولا يحقُّ لها الامتناع عن الرجعة؛ حفاظًا على رابطة الزوجية والأسُْرة.
4. نقصان عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته،؛ فإذا طلَّقها طلقة رجعية أُولى بقي له طلقتان، وإذا طلَّقها طلقة رجعية ثانية بقي له طلقة واحدة.
ب. الطلاق البائن بينونة صغرى:
● مفهومه: طلاق لا يستطيع الزوج بعده إعادة زوجته المُطلَّقة إلى عصمته إلّا برضاها، وبعقد ومهر جديدين.
● من أمثلته:
1. أنْ يقع الطلاق قبل الدخول.
2. أنْ تنتهي العِدَّة بعد الطلقة الأُولى أو الطلقة الثانية من غير أنْ يُراجِع الزوج زوجته.
● من آثاره:
1. انتهاء العلاقة الزوجية بين الزوجين، فيَحرُم كلٌّ منهما على الآخر.
2. نقصان عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته؛ فلا يبقى له إلّا طلقتان.
3. عدم رجوع الزوجين إلى حياتهما الزوجية إلّا بعقد ومهر جديدين.
ج. الطلاق البائن بينونة كبرى:
● مفهومه:
هو أنْ يُطلِّق الرجل زوجته طلقة ثالثة. وفي هذه الحالة، لا يملك الزوج بعده الحقَّ في إعادة زوجته إلى عصمته إلّا بعد أنْ يتزوَّجها رجل آخر زواجًا صحيحًا مع شرط الدخول بها، ثمَّ يُفارِقها الزوج الجديد بموت أو طلاق، وتنتهي عِدَّتها. وفي هذه الحالة، يُمكِن للزوج الأوَّل أنْ يُنشِئ عقدًا جديدًا برضاها وبمَهْر جديد، فإذا عاد وتزوَّجها مَرَّة أُخرى مَلَك بالعقد الجديد عليها ثلاث طلقات.
* الدليل:
قال تعالى: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
● صورته:
أنْ يُطلِّق الرجل زوجته الطلقة الثالثة.
● من آثاره:
1. انتهاء العلاقة الزوجية بين الزوجين.
2. انتهاء عدد الطلقات المسموح بها للزوج.
3. وجوب النفقة للزوجة في أثناء العِدَّة.
أُفَكِّرُ أُفَكِّرُ في الحكمة من جعل الإسلام عدد الطلقات ثلاثًا. كي يفكر الإنسان ولا يتسرع بالحكم وفيه رحمة بالزوجين وحفاظًا على الأسرة ومنعًا من التلاعب والتساهل في أمر الطلاق |
رابعًا: آداب ما بعد الطلاق
حَثَّ الإسلام كُلًا من الزوج والزوجة على التعامل الحَسَن فيما بينهما، بعد انتهاء الحياة الزوجية.
الدليل: قال تعالى: ﴿ولا تنسوا الفضل بينكم﴾ (البقرة: 237 ).
فإذا انتهت الحياة الزوجية بينهما، تعيَّن على كلٍّ منهما الالتزام بما يأتي:
أ . الستر، وعدم إفشاء أسرار حياتهما الزوجية.
ب. رعاية الأطفال، وأداء حقوقهم، وألّا يمنع أحدهما الآخر من رؤية الأبناء.
ج. حُسْن المعاملة، ووجوب دفع الزوج النفقة أثناء العِدَّة، وأداء الحقوق التي عليه كاملة.
أَتَوَقَّفُ
يُلزِم قانون الأحوال الشخصية الأردني الزوج بتسجيل واقعة الطلاق والرجعة في المحكمة الشرعية، وإلّا تعرَّض للعقوبة التي حدَّدها قانون العقوبات الأردني.
الإثراء والتوسع
توجد أحكام فقهية أُخرى تتعلَّق بالطلاق، أبرزها:
● وقوع الطلاق بالكتابة: أيْ إذا كتب الزوج لزوجته: «أنتِ طالق»، ونوى الطلاق، فإنَّه يقع.
● تحدُّث الرجل إلى نفسه بالطلاق: لا يقع الطلاق ما لم يتلفَّظ به الزوج، قال صلى الله عليه وسلم: «إنَِّ اللهَ تَجاوَزَ عَنْ أُمَّتي ما حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَها ما لَم تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ».
●الطلاق الكنائي: هو التطليق بالألفاظ التي تحتمل معنى الطلاق وغيره، مثل قول الرجل لزوجته: أنتِ عليَّ حرام، أو قوله لها: الحقي بأهلكِ، إذ لا يقع الطلاق عندئذٍ إلّا إذا نوى الرجل الطلاق.
أمّا الطلاق الصريح فلا يحتاج إلى نِيَّة، مثل قول الرجل لزوجته: أنتِ طالق.
●الطلاق المُعلَّق: إذا علَّق الزوج طلاق زوجته على فعل أمر أو تركه، مثل قوله لها: إذا ذهبْتِ إلى بيت فلان فأنتِ طالق. فإذا قصد بذلك منعها من الذهاب فإنَّ الطلاق لا يقع، وإذا قصد به الطلاق فإنَّه يقع.
●الطلاق حال المُزاح والهَزْل: نظرًا إلى أهمية الأُسرة ومكانتها؛ فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزواج والطلاق محمولًا دائمًا على الجِدِّ، بعيدًا عن المُزاح والتسلية.
ولهذا جعل الإسلام الزواج أو الطلاق الذي يحصل حال المُزاح والهَزْل واقعًا؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهنَّ جِدٌّ: النِّكاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ».
● تكرار الطلاق في مجلس واحد: إذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق ثلاثًا، أو قال لها: أنتِ طالق، وكرَّرها أكثر من مَرَّة، فلا تقع إلّا طلقة واحدة.
القيم المستفادة
أُقَدِّرُ تشريع الإسلام للطلاق عند تعذُّر استمرار الحياة الزوجية.