التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ
راعت الشريعة الإسلامية أحوال المُكلَّفين. قال تعالى: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾.
كان سيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم حريصًا على التخفيف عن الناس، ورفع المشقَّة عنهم. ومن ذلك أنَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا خُيِّرَ بين أمرين اختار أيسرهما، ما لم يكن معصية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسل بعض أصحابه رضي الله عنهم لتعليم الناس وتوجيههم، قال لهم: «يَسِّروا، وَلا تُعَسِّروا، وَبَشِّروا، وَلا تُنَفِّروا».
أُفَكِّرُ وَأُجيبُ
أُفَكِّرُ في الموقف الآتي، ثمَّ أُجيبُ عن السؤال الذي يليه:
سافر حامد وعلي من الرمثا إلى العقبة وهما صائمان في شهر رمضان المبارك، فأفطر علي، في حين أتمَّ حامد صومه.
- ما رأيك فيما فعله كلٌّ من حامد وعلي؟
ما فعله حامد أنه أخذ بالعزيمة، أما ما فعله علي فهو أخذ بالرُّخصة، وكلاهما جائز.
الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ
مِنْ يُسْر الشريعة الإسلامية أنَّها وضعت أحكامًا تناسب الناس على اختلاف أحوالهم من الصِّحَّة والمرض، والقوَّة والضعف، والسفر والإقامة، وغير ذلك.
أوَّلًا: حُكْم العمل بالعزيمة والعمل بالرخصة
العزيمة: أَخْذُ المُكلَّف بالأحكام الأصلية التي شََرعَها الله تعالى تشريعًا عامًّا لجميع المسلمين، مثل: أداء الصلوات الخمس تامَّة في أوقاتها، وصيام شهر رمضان.
الرخصة: ما شََرعَه الله تعالى من أحكام؛ تخفيفًا على العباد في حالات خاصَّة، مثل: قَصْر الصلاة الرباعية في السفر، وجمع الصلاة في السفر والمطر.
ثانيًا: مفهوم العزيمة، ومفهوم الرخصة
العمل بالعزيمة واجب؛ لأنَّها الأصل الثابت بالدليل الشرعي، ولا يجوز تركها إلّا لعذر شرعي.
أمّا الرخصة فقد شُرعت استثناءً من هذا الأصل لأعذار تبيح ذلك، وتحقيقًا لمبدأ اليُسْر ورفع المشقَّة.
قال تعالى: ﴿يريد الله أن يُخفف عنكم وخُلق الإنسان ضعيفًا﴾.
ثالثًا: تطبيقات على الرخصة في الشريعة الإسلامية
صُوَرٌ مُشْرِقَةٌ
من الصور المُشرِقة ما قام به آل ياسر؛ إذ أخذوا بالرخصة والعزيمة، فقد رفض ياسر وزوجته سُمَيَّة رضي الله عنهما النطق بكلمة الكفر أخذًا بالعزيمة، وفضَّلا الموت في سبيل الله تعالى عندما عذَّبهما أبو جهل، وأراد إكراههما على الكفر، في حين أخذ ابنهما عمّّار رضي الله عنه بالرخصة، فأجاب أبا جهل إلى ما أراد، وذكر آلهة قريش بخير، ونال من رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون اعتقاد بذلك؛ لينجو من العذاب، فتركه أبو جهل.
فلمّّا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «ما وَراءَكَ؟ »، قال: يا رسول الله، ما تُرِكْتُ حتى نِلتُ مِنْكَ، وذكرْتُ آلهتهم بخير، قال صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ تََجِدُ قَلْبَكَ؟ »، قال: قلبي مُطمئِن بالإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: «فَإِن عادوا فَعُدْ »، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكرهَ وقلبه مطمئنٌ بالإيمان﴾.
الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ
تُعَدُّ قاعدة (المشقَّة تجلب التيسير) إحدى القواعد الفقهية الأساسية؛ وهي تعني أنَّ من مقاصد الشريعة الإسلامية رفع الحرج والمشقَّة عن المُكلَّفين، والتخفيف عنهم في الأحوال التي فيها مشقَّة، أو عُسْر، أو حرج.
فإذا شَقَّ على الإنسان أداء الواجب الأصلي، انتقل إلى الرخصة، مثل الصلاة جالسًا لمَنْ شَقَّ عليه القيام في الصلاة بسبب المرض. وقد استُنبطِت هذه القاعدة من قول الله تعالى:﴿يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر﴾.
المشقَّة التي توجِب التخفيف هي المشقَّة التي تُفْضي إلى ضرر بالإنسان، مثل: ذهاب نفسه، أو تلف عضو من أعضائه، أو زيادة مرضه، أو تأخُّر شفائه، أو معاناته ألمًا شديدًا لا يُحتمَل.
أمّا المشقَّة المعتادة أو اليسيرة فليست سببًا للرخصة، مثل: الزُّكام اليسير المعتاد، والصُّداع الخفيف.