دعا الإسلام الأمة الإسلامية إلى: أن تتواصل مع غيرها من الأمم. وتتعرف ثقافاتها وسلوكاتها وأساليب حياتها. لتأخذ منها ما ينسجم مع الدين الإسلامي وقيمه وثوابته.
ودل على ذلك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
وقد تواصلت الأمة الإسلامية مع غيرها من الأمم: وأفادت مما لديهم من منجزات حضارية. وأفادتهم مما لديها من منجزات وقيم. وحافظت الأمة الإسلامية على هويتها الخاصة.
واعتزت بهويتها، ولم تفرّط بخصائصها وتميزها، وفيما يلي بيان لمفهوم الهوية الإسلامية، ومقوماتها.
أولًا: مفهوم الهوية الإسلامية
الهوية الإسلامية: هي مجموعة المبادئ والقيم التي يتسم بها المجتمع المسلم.
والمجتمع المسلم يتصف بثقافته الإيمانية وأخلاقه وقيمه المستمدة من الإسلام.
فالمسلمون خير أمة أخرجت للناس ما داموا متمسكين بقيم التعاون على الخير والمعروف والتناهي عن المنكرات. محسنين صلتهم بالله تعالى.
قال الله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ}
ثانيا: مقومات الهوية الإسلامية
تتضح الهوية الإسلامية بجملة من المقومات هي:( الإسلام، اللغة العربية، التاريخ الإسلامي ومنجزات الحضارة في مختلف مجالات الحياة )، وفيما يلي بيان هذه المقومات
1- الإسلام
الإسلام يشكل ثقافة المجتمع المسلم وقيمه ومبادئه وذلك:
لأنه الدين الذي ارتضاه الله تعالى للناس جميعا.
وختمت به الرسالات السماوية.
وبه يعرف الإنسان مهمته في الحياة والغاية من خلقه.
وتتحدد علاقته بالله تعالى وبنفسه وبمن حوله.
ويدل على ذلك قول الله تعالى: {صِبْغَةَ ٱللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ}
2- اللغة العربية
وهي لغة القرآن الكريم، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}
واللغة العربية وعاء العلم والفكر والأدب.
وباللغة العربية أُلّفت علوم الحضارة الإسلامية ومنجزاتها.
واللغة العربية لا تزال قادرة على استيعاب فروع العلوم المختلفة بما تتمتع به من فصاحة ألفاظ وأساليب بيان.
وينبغي الاهتمام باللغة العربية الفصيحة والاعتزاز بها وذلك عن طريق:
- تعلمها وتطبيقها في حياتنا اليومية قراءة وكتابة ومحادثة.
- واستخدامها في الندوات والمؤتمرات.
- وترجمة كتب العلوم إليها في الجامعات.
- ولا يعني الاعتزاز باللغة العربية إهمال تعلم اللغات الأخرى، أو إهمال العلوم المؤلفة بغير العربية.
- فينبغي السعي لتعلم اللغات الأخرى و دراستها وذلك للأسباب الآتية:
- لتكون مفتاحا للتعامل مع أصحابها في العلاقات الدولية والتجارية وغيرها.
- وللاستفادة أيضا من العلوم والمعارف عند الأمم الأخرى.
3- التاريخ الإسلامي ومنجزات الحضارة الإسلامية في مختلف مجالات الحياة
بنى المسلمون حضارة عظيمة شهد لها العالم، وذلك بما وصلوا إليه من علوم ومعارف، وبما استحدثوه من نظم إدارية أو اجتماعية أو اقتصادية، وغيرها.
ثالثا: الهوية الإسلامية والانفتاح
الانفتاح: هو التواصل مع منجزات الأمم والحضارات الأخرى بمختلف مجالاتها والإفادة منها بما لا يخالف مبادئ الإسلام وقيمه.
ومحافظة المسلم على هويته الإسلامية والاعتزاز بها:
- لا يعني الانغلاق على الذات.
- بل يجب الانفتاح على الثقافات الأخرى؛ للانتفاع بما عندها من خير، وإفادتها بما لدينا من خير .
- ويدعو الإسلام إلى الانفتاح وعدم العزلة.
وقد ضرب لنا النبي ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم أروع الأمثلة في الانفتاح على الآخر.
- فقد كان النبي ﷺ يثني على حلف الفضول الذي شهده ﷺ مع قريش قبل البعثة، وكان هذا الحلف يدعو إلى نصرة المظلوم.
- ومن الأمثلة أيضا أنه ﷺ أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم العبرانية ليكاتبهم بها.
- وبعد خيبر أرسل النبي ﷺ عمرو بن مسعود الثقفي رضي الله عنه وغيلان بن سلمة رضي الله عنه إلى اليمن لتعلم صناعة المنجنيق.
وسار الصحابة على هدي رسول الله ﷺ في ذلك:
فدخلوا البلاد الواسعة مع تنوع ثقافاتها واختلاف معتقداتها، لكنهم حافظوا على عقيدتهم وقيمهم.
ونهضوا بحضارتهم الإسلامية من غير تخل عنها أو إهمال.
- ومثال انتفاع الصحابة بما عند الأمم الأخرى ما قام به عمر بن الخطاب حيث انتفع من الفرس في إنشاء الدواوين وغيرها.
رابعا: أسباب تراجع المسلمين في أدائهم الحضاري
يعود تراجع المسلمين في هذه الأيام إلى جملة أسباب منها:
1- ضعف تمسك المسلمين بدينهم وأخلاقهم وقيمهم.
2- الفهم الخاطئ للإسلام.
3- عدم الأخذ بمتطلبات البحث العلمي، في الوقت الذي يدعو فيه الإسلام إلى طلب العلم ويرفع من مكانته ومكانة العلماء.
4- استخدام منجزات الأمم الأخرى من غير التفكر في الأسس العلمية التي تقود إلى تطويرها.
ويعد الضابط الأساس في الانفتاح على ما عند غير المسلمين هو المحافظة على مبادئ الإسلام وقيمه.
- فالإسلام يدعو المسلمين إلى الأخذ بالمنجزات العلمية للأمم الأخرى.
- والعمل على تطويرها بما يحقق مصلحة المسلمين والبشرية وتطور المجتمعات.
- ما يتعارض مع حقائق الإيمان والتوحيد ومبادئ الإسلام والأخلاق، والسلوكيات التي لا تتوافق مع القيم الإسلامية وأحكام الإسلام، فلا يجوز الأخذ بها وذلك كالتقليد الأعمى لغير المسلمين في ممارساتهم وقيمهم التي تخالف القيم الإسلامية.
وموقف المسلم من المنجزات الحضارية عند الآخر:
- عدم التقليل من منجزات الآخر الحضارية التي انتفعت بها الأمم، دل على ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْاْ فِى ٱلْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}
وذلك لأن تجاهل تلك المنجزات يحرم المسلمين من خيرات الإنسانية ويتركهم في ذيل الأمم،
- وبالمقابل لا ينبغي أن يصاب المسلمون بالانبهار فيفقدون الثقة بالنفس، ويركنون إلى التقليد الأعمى فيتعمق لديهم الضعف والعجز وعدم القدرة على التقدم والرقي.