الدراسات الإسلامية فصل ثاني

التوجيهي أدبي

icon

التعلم القبلي

   أمر الله تعالى الناس بفعل الخير على اختلاف صوره؛ ما كان منه واجبًا وما كان منه تطوعًا، ومن ذلك: الحثُّ على العمل التطوّعي الذي يُحقق المنفعة للنفس وللآخرين؛ مثل: الصدقة، وتعليم العلم، وأعمال الإغاثة المختلفة. وقد عظَّم الإسلامُ ثوابَ العمل الخيريِّ ورفع درجات أهله.

وبيَّن القرآنُ الكريم حالةَ الندم لمَنْ فَوَّت الفرصة وضّيَّع على نفسه فِعْلَ الخيرِ بسبب تكاسله وتقاعسه عنه،  قال تعالى: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} [المنافقون: 10- 11].

أتأمل وأستنتج

أتأمل النصَّ الشرعي الآتي، ثم أستنتج ما يدعو إليه:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولُ اللهِ قَالَ: «تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً» [رواه البخاري ومسلم] (الدُّثُورِ: المال الكثير، يُعْتِقُونَ: يُحرِّرون الأسرى والعبيدَ).

← الإجابة: التنافس في عمل الخيرات واكتسابِ الأجر من الله تعالى.


الفهم والتحليل

دعا الإسلام إلى المسارعة في الخيرات، وحرص على بيان مجالاتِها وصُورِها، ورغَّب في تحصيل ثمراتها وفوائدها التي تعود بالخير على الفرد والمجتمع.

أولا: مفهوم المسارعة في الخيرات، وأهميتها

أتوقف
المسارعة: التقدّم في أداء ما ينبغي من أعمالٍ وأقوالٍ، وهي محمودةٌ، ونقيضها التسـرّع في أداء ما لا ينبغي فعلُه، وهو مذمومٌ.

* مفهوم المسارعة في الخيرات: هي المبادرة إلى فِعْلِ ما فيه خيرٌ من أعمال وأقوال، والسّبقُ إليها، من دون تردّدٍ أو تأخّرٍ.

* اهتمام الإسلام بالمسارعة في الخيرات:

أ. حثَّ الإسلامُ المسلمَ على فعل الخيرات. قال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨].

ب. أثنى الله تعالى على عـباده الـذيـن يسارعون إلى عمل الخير. قال تعالى: {أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: ٦١].

* أهمية المسارعة في الخيرات:

أ. تؤدي إلى استثمار جميع الطاقات والموارد لتحقيق الخير والفضيلة في المجتمع. قال رسول الله : «اغتنمْ خمسًا قبلَ خمس: شبابَك قبلَ هرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقمِك، وغِناك قبلَ فَقْرِك، وفراغَك قبلَ شُغلِك، وحياتَك قبلَ موتِك» [رواه الحاكم].

ب. فيصبح المجتمع متراحمًا متكافلا؛ حين يُسارع أفرادُه إلى استثمار طاقاتهم وتوظيفها في أبواب الخير. 

أربط

أربط بين دعوة الإسلام إلى المسارعة في الخيرات وقوله تعالى في ذكر نعيم أهل الجنّة: {وفي ذلك فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُون} [المطففين: 26].

 الإجابة: المنافسة بين الناس في إسراعهم إلى فعل الخيرات سببٌ للمسارعة إلى دخول الجنة يوم القيامة.


ثانيا: ثمرات المسارعة في الخيرات

تُفضي المسارعة في الخيرات إلى ثمراتٍ عديدة، منها:

أ. نيل مغفرة الله تعالى ودخول الجنة يوم القيامة. قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: ١٣٣].

ب. استجابة الدعاء. قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: ٩٠]، فدخول سيّدنا زكريا عليه السلام في زمرة الأنبياء عليهم السلام الموصوفين بالمسارعة في الخيرات والتوجّه إلى الله تعالى بالدعاء والخشوع، كان سببًا لإجابة دعائه بطلب الذريّة الصالحة.

ج. تحقيق المودة بين أفراد المجتمع:  فقد حرص الإسلام على نبذ الفرقة والخلاف بين أفراد المجتمع، فحثّ المتخاصمين على المسارعة إلى قطْعِ دابرِ العَداوةِ والبَغضاءِ، قالَ رَسولُ الله : «لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» [رواه البخاري ومسلم].

أقرأ وأنقد

أقرأ الموقف الآتي، ثم أنقده:

لمّا سمع الشاعرُ الأعشى بدعوة الإسلام، ارتحل من بلده إلى المدينة المنورة للدخول في الإسلام، وأنشد أبياتًا من الشِّعر في وصف رحلته إلى المدينة المنورة وشوقه للقاء سيّدنا رسول الله ﷺ. وبينما هو في الطريق مرَّ بقومٍ فعَلِمَ منهم أنّ الإسلام يُحرِّم الخمر، فقال: (أنصرِفُ فأتروَّى منها عامِيْ هذا، ثمَّ آتِهِ فأُسْلِم)، فمات قبل ذلك [البداية والنهاية لابن كثير].

←  الإجابة: التسويف يفوِّت الأجر والخير على الإنسان.


ثالثا: من مجالات المسارعة في الخيرات

   حثّ الإسلام على المسارعة إلى عمل الخير في جميع مجالات الحياة، ومن أبرز المجالات التي تتحقق فيها المسارعة في الخيرات:

أ. المسارعة في أداء العبادات:

   دعا الإسلام إلى المسارعة في أداء العبادة؛ بالقيام بها في وقتها من دون تأخيرٍ أو تثاقلٍ؛ مثل: المسارعة إلى الصلاة بأدائها في وقتها، والمسارعة في أداء فريضة الحج لمن تيسَّر له ذلك؛ فقد دعا النبيُّ ﷺ إلى ذلك خشية حصول الموانع التي يُتعذَّر معها أداء هذه الفريضة، وإرشادًا للأمة في استغلال جميع الفرص المتوافرة لعمل الخير. قال : «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» [رواه أحمد].

ب. المسارعة في الإنفاق في سبيل الله تعالى:

كان الصحابة رضي الله عنهم يتنافسون في الإنفاق في سبيل الله تعالى، فعن سيّدنا عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: «أَمَرَنا رسولُ الله يوماً أن نَتَصَدَّقَ، فوافق ذلك مالًا عندي، فقلتُ: اليومَ أسْبِقُ أبا بكر، فجئتُ بنصفِ مالي، فقال رسولُ الله : ما أبقيتَ لأهلِكَ؟ قلتُ: مِثْلَه، قال: وأتى أبو بكر بكُلِّ ما عنده، فقال له رسولُ الله : ما أبقيتَ لأهلِكَ؟ قال: أبقيتُ لهم اللهَ ورسولَه، فقلتُ: لا أسابِقُكَ إلى شيءٍ أبدًا» [رواه أبو داوود].

وقد بيَّن النبيُّ  عِظَم ثواب المسارعة في الصدقة على الفقراء والمحتاجين.

أبحث

باستخدام بالرمز المجاور، أرجع إلى موقع دائرة الإفتاء الأردنية الإلكتروني، ثم أطلع على الفوائد المتعلقة بتعجيل الزكاة.

 

ج. المسارعة في تحمّل المسؤولية المجتمعية:

حثّ الإسلام على المسارعة في الأعمال المجتمعية التي تُسهم في بناء الأوطان، ومن ذلك: المسارعة في قضاء الحوائج وتفريج الكُرَب عن الناس، فتتعمّق بذلك معاني الأُخوّة بين الأفراد جميعا، وينال السابقون أجرهم يوم القيامة بدخول الجنة.

فقد سأل رسولُ الله أصحابَه في أحد الأيّام: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» [رواه مسلم].

د. المسارعة في ردّ الحقوق لأصحابها:

حرّم الإسلام الاعتداء على دماء الناس وأعراضِهم وأموالِهم، قال رسول الله : «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» [رواه البخاري] (فَلْيَتَحَلَّلْهُ : يُبرئ ذمَّته)، فقد حثَّ الحديث النبويُّ الشريف على المسارعة في ردِّ الحقوق إلى أصحابها؛ لكي يظلَّ المجتمع المسلم بعيدًا عن الظلم والطغيان الذي يؤدي إلى وقوع العداوة والبغضاء.

أتأمل وأستنتج

أتأمل حديث رسول الله : «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ؛ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» [رواه أحمد]، ثم أستنتج منه مجالًا من مجالات المسارعة في الخيرات.

 الإجابة: المسارعة في العناية بالبيئة، ومن ذلك: زراعة الأشجار.


الإثراء والتوسُّع

كما أنّ المسارعة في الخير من صفات المؤمنين؛ فإنّ المسارعة في الشرّ من أعمال المشـركين والمنافقين، فقد جاء في وصف المشركين قولُ الله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [المائدة: 62] (السُّحْتَ: الخبيث المحرَّم).

وأمّا المنافقون فقد وصفهم الله تعالى بقوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}[المائدة: 52] (دَائِرَةٌ: مصيبة)، فهم يُسارعون في التآمر مع الأعداء على الإسلام وأهله.

وقد ذكر القرآن الكريم هذه الأوصاف؛ للتحذير منها، وبيان الفرق بين أوصاف المؤمنين المسارعين في الخيرات وأوصاف المشركين المسارعين في فعل ما حرَّم الله تعالى.


دراسة معمقة

أُفرِدت دراساتٌ وكتبٌ عديدة للحديث عن موضوع المسارعة في الخيرات، مثل كتاب: (البركة في فضل السعي والحركة)، الذي أوضح فيه المؤلفُ أهمية السعي لأداء العبادات وأعمال الخير، وحذَّر من تَبِعاتِ التسويف والتقاعس والكسل، مبيِّنًا بعض المجالات التي تحسُن المسارعة في تحصيلها، وما ورد في النصوص الشرعية من بيان الفضل لكلٍّ منها.

باستخدام الرمز المجاور، أرجع إلى القسم السابع من الباب الثالث في هذا الكتاب؛ لبيان فضل الاجتهاد بالطاعة أوّل النهار.

← الإجابة: بيّن النبي فضل ذكر الله تعالى بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، فمِن ذلك أنه سببٌ للرزق ومانعٌ للفقر، كما رتب النبي على ذلك الأجر العظيم، فجعل ثوابَه مساويًا لثواب عمرة تامّة، ووَعَد فاعلَ ذلك بمغفرة الذنوب، وبحفظ الله ورعايته طوال ذلك اليوم.


القيم المستفادة

أستخلص بعض القيم المستفادة من الدرس.

1) أسارع إلى فعل الخير.

2) أتجنّب التسويف عن فعل واجباتي.

3) أقدّر رحمة الإسلام بجعل مجالات الخير كثيرةً ومتنوّعة.