نشأت في الأردن حضارات عدة بعد استقرار الإنسان؛ بسبب هجرة القبائل العربية التي جمعتها وحدة اللغة والعرق والعادات والتقاليد من شبه الجزيرة العربية. ولمعرفة أسباب هجرة هذه القبائل,
بدأت القبائل العربية هجرتها من شبه الجزيرة العربية باتجاه الشمال قرابة عام ، 350 ق.م، إذ شيدت تلك التجمعات وهي تعود بأصولها إلى القبائل العربية القديمة، مثل الكنعانية والآرامية ومن أهمها الأدومية ، المؤابية ، والعمونية ، والأنباط
نشأت مملكة الأدوميين في منطقة الشراة جنوب الأردن، في الألف الثاني قبل الميلاد تقريبا، وامتد نفوذهم من العقبة جنوبا حتى وادي الحسا شمالًا. وقد شيدوا مدينة بصيرا (قرب الطفيلة). واتخذوها عاصمة لهم.
ونشأت مملكة المؤابيين في منطقة مؤاب (الكرك)، وامتد نفوذهم من وادي الحسا جنوبا- الذي كان يفصلها عن مملكة أدوم- إلى وادي الموجب شمالا، واتخذوا من ذيبان (جنوب مادبا ) عاصمة لهم، وكانوا على درجة من الرقي والتحضر وتطور فنون العمارة. ويعد الملك ميشع من أشهر ملوكهم، وقد دون أعماله وحروبه ودفاعه عن المنطقة، بوصفها سجلا تاريخيا، على حجر عرف بحجر ذيبان، أو ما يعرف بمسلة الملك ميشع.
لقد شيد العمونيون حضارة متطورة في الأراضي الواقعة إلى الشمال الشرقي من منطقة مؤاب تمتد من نهر الزرقاء شمالا حتى وادي الموجب جنوبا، واتخذوا من عمون في منطقة جبل القلعة في عمان - حاليا- عاصمة لهم، وجاؤوا إلى وادي عمان في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وأطلقوا عليها اسم « ربة عمون»؛ أي دار الملك، وقد كشفت التنقيبات الأثرية في موقع «تل سيران» في حرم الجامعة الأردنية عن وجود كتابات عمونية محفورة على قارورة برونزية، تحكي أعمال أحد الملوك العمونيين.
وقد استخدم العمونيون الأدوات الفخارية التي صنعت بأشكال بدائية، وقد صنعت الخناجر ورؤوس السهام من البرونز، وأدوات الزينة والأساور والخلاخل والخواتم من الحديد والبرونز. ودلت الحفريات الأثرية في الأردن على وجود آثار أقدم إنسان صانع للأدوات، وعلى القدرةعلى إشعال النار، وإجراء أولى التجارب الزراعية.
بينما الأنباط هم إحدى القبائل العربية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية في القرن السادس قبل الميلاد، وقد استقرت في جنوب الأردن بعد أن سيطرت على أراضي مملكة أدوم واستقر الأنباط في جنوب الأردن في منطقة وادي موسى، وأقاموا دولة عربية استمرت أكثر من خمسة قرون، حيث وصلت دولتهم إلى دمشـق شمالا، وسواحل البحر المتوسط غرباء ومدائن صالح جنوبا، وقد اتخذوا من البترا عاصمة لهم؛ وذلك للأسباب الآنية: موقعها الحصين بين الجبال، وقوعها على الطرق التجارية ، توفر المياه فيها.
وسع الأنباط حدود سلطنهم إلى المناطق المجاورة، إذ أعـادوا بنـاء الـمـدن المؤابية والأدوميـة القديمة، ويسطوا نفوذهم على سيناء وحـوران ودمشـق والبلقـاء ومديـن وشمال الحجاز وأقاموا مراكز جديدة لحماية القوافـل التجارية، من بينهـا أم الجمال، وأنشـؤوا أيضـا محطات لاستثمار الموارد الطبيعيـة، واستخراج ( القـار) من البحر الميت، والاتجار به للمصريين القدماء ليستخدم في أعمال تحنيط الموتى.
كان نظام الحكم في مملكة الأنباط ملكيا وراثيا، ومن أشهر ملوكهم عبادة الأول (٩٥ – ۸۸ ق.م)، الذي هزم اليهود في موقعة قارة على شاطئ بحيرة طبريا. والحارث الثالث الذي توسعت في عهده مملكة الأنباط، فاستولى على دمشق، وسك فيها عملة نبطية تخليدا لدخوله
أصبحت البترا منذ القرن الرابع قبل الميلاد مدينة رئيسة على طريق القوافل، ومركزا لاستيراد التوابل والبخور والعطور؛ لأنها تربط بين جنوب شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام، وهذا جعلها تسيطر على الطرق المؤدية إلى مرفأ غزة غربا، والطرق المؤدية إلى بلاد الشام شمالا.
استطاع الأنباط أن ينحتوا مدينتهم في الصخر، وقد نحتوا أيضا بيوتهم وأماكن عملهم ومعابدهم ومقابرهم، وحفروا قنوات لنقل المياه من الينابيع والآبار في المرتفعات المجاورة إلى داخل عاصمتهم البترا، ومن آثارهم في مدينة البترا: الخزنة، الدير، القبور، المسرح، المدرج، قصر البنت، المحكمة، المذبح.
ومن المواقع التي تخلد حضـارة الأنباط أيضا خربة التنور (شمال شرق الطفيلة)، وقد عثر فيها على تمثال النصر وهو تمثال ضخم يحمل أبراجا فلكية، وتمثال تايكي المجنح، وتمثال النسر وهو شعار الأنباط، إضافة إلى قلعة السلع المنحوتة في وسط هضبة رملية جنوب غرب الطفيلة.
استخدم الأنباط اللغة الآرامية بوصفها لغة للتجارة، وكتبوا بالخط النبطي؛ تمييزا له عن الخطوط الآرامية. ويعد نقش النمارة أقدم نقش وصل إلينا، ويرجع تاريخه إلى عام ٣٢٨م، وقد دون بالخط النبطي، وهو من النقوش التي ورد فيها اسـم العرب ، ويعتقد أنه شاهد لقبر امرئ القيس بن عمرو أحد ملوك المناذرة. وتأثر الأنباط بديانة عرب الشمال، ومن أهم آلهتهم: اللات التي تمثل الشمس، ومناة، وذو الشرى الذي كان كبير الآلهة عندهم.
ومن الأساليب الهندسية التي ابتكرها الأنباط لجمع المياه ، ابتكروا تقنيات وأساليب ووسائل لجمع المياه، ،بنوا القنوات الفخارية والحجرية. أنشؤوا السدود الاعتراضية على مجاري الأودية ،شيدوا الخزانات والآبار في أرجاء المملكة النبطية.
مارس الأنباط صناعة بعض الأدوات المعدنية، فكانوا يسكون النقود من البرونز والفضة، واستعملوا البرونز لصناعة بعض التماثيل الصغيرة والحلي، وقد عرفوا حرفـة الحياكـة والنسيج وصناعة الفخار والأقـواس والسـهـام، واستخرجوا الحديد.والنحاس من منطقة فينان (في وادي عربة).
تعد التجارة المهنة الرئيسة للأنباط، ساعد على ذلك عوامل عدة، منها:
1. وقوع البترا على ملتقى الطرق التجارية بين اليمن جنوبا وبلاد الشام شمالًا، والخليج العربي شرقا ومصر غربا.
2. صناعة الأنباط السفن في ميناء أيلة على البحر الأحمر
3. بناء الأنباط محطات على طول الطرق التجارية، وتزويدها بالمرافق اللازمة للتجار مثل الخانات (لإقامة التجار والمسافرين)، والمنشآت المائية، والأسواق، والعمل على تحسينها.
وتراجعت الأهمية التجارية لمملكة الأنباط منذ النصف الثاني للقرن الأول الميلادي وذلك للأسباب الآتية:
1. تحول طرق التجارة عنها.
2. معرفة الرومان بأهمية الرياح الموسمية، وتحكمهم بمنافذ البحر الأحمر.
3 . سيطرة البطالمة (عائلـة مـن أصـل مقدوني) في مصر على الطريق المؤدي شمالا إلى دمشق،
4.تحول الطريق البحري من ميناء أيلة (العقبة) على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر إلى الساحل الغربي الذي يتبع للبطالمة