التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ
جعل الإسلام المحافظة على المال مقصدًا أساسيًّا من مقاصد الشريعة الأساسية؛ لِما للمال من دور كبير في إعمار الأرض. ومن ثَمَّ، فقد أقرَّ الإسلام للإنسان حقَّ التملُّك، وأباح له أنْ يتصرَّف فيما يملك وَفق ضوابط تحفظ مصلحته ومصلحة المجتمعِ. وهذا ينسجم مع الفطرة في حُبِّ التملُّك، ويدفع الإنسان إلى العمل. قال تعالى:(وتحبون المال حبًا جمًا) (الفجر: ٢٠). كذلك بيَّن الإسلام أسباب التملُّك المشروعة للمال، مثل: البيع، والعمل، والهِبَة، والوصية، والميراث.
أُمَيِّزُ وَأَسْتَنْتِجُُ من أسباب التملك المشروع: (البيع، والعمل، والهِبَة، والوصية، والميراث). من أسباب التملك غير المشروع: (السرقة، الربا، القمار، الغصب والاحتيال). |
أَسْتَنْتِجُ سبب التملُّك الذي يشير إليه الحديث النبوي الشريف الآتي: قال رسول الله g: "ما أَكَلَ أَحَدٌ طَعامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يدِهِ" (رواه البخاري ومسلم). العمل |
الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ
حرص الإسلام على تنظيم حياة الناس، وإعطائهم حقوقهم كاملة في حياتهم وبعد وفاتهم، ومن ذلك الميراث.
أوَّلًا: مفهوم الميراث، وحكمة مشروعيته
الميراث: هو كلُّ ما يتركه الميت من أموال لورثته، مثل: البيت، والأرض، والسيّارة، والنقود، والذهب، والفِضَّة.
ثبتت مشروعية الميراث في كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعله الله تعالى حقًّا ثابتًا للوارث. وممّا يدلُّ على ذلك:
قال تعالى:(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا) (النساء: 7)
قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ مالً فَلِلْوَرَثَةِ » (رواه البخاري ومسلم).
يُعَدُّ الميراث نظامًا لتوزيع الثروة، ومنع تجمُّعها في يد فئة دون أُخرى؛ ما يُوثِّق الروابط الأُسَرية، ويزيد من تآلفها وتماسكها. وقد شرع الإسلام الميراث، وبيَّنه للناس؛ بُغْيَةَ تخليص النفوس من الأنانية، والتعريف بمَنْ له حقٌّ في مال المُتوفّى، ومَنْ ليس له حقٌّ فيه. وبذلك يرضى كلُّ إنسان بنصيبه، ويلزم حَدَّه؛ فلا يعتدي على نصيب غيره.
أَتَوَقَّفُ
تمتاز الشريعة الإسلامية باشتمالها على نظام تفصيلي لأحكام الميراث وحالاته؛ سواء أكان ذلك في القرآن الكريم، أم في السُّنَّة النبوية الشريفة.
ماذا يَحْدُثُ لَوْ؟ ماذا يحدث للعلاقات الأُسَرية لَوْ لم يُشرِّع الله تعالى الميراث؟ |
حدوث المشاكل والخلافات بين الناس وقلق الإنسان على ورَثَتِهِ وامواله من بعده مما قد يدفع كثيرًا من الناس إلى عدم العمل أو الاستثمار. ضعف الروابط الأسريّة وعدم تماسكها والاختلاف في توزيع الثروة. |
ثانيًا: أسباب الميراث في الإسلام
جعل الإسلام للميراث سببين، هما:
- القرابةُ: تشمل الآباء والأُمَّهات، والأبناء والبنات، والإخوة والأخوات، والأجداد والجَدّات.
- الزوجية: هي العلاقة الناشئة عن عقد زواج صحيح بين الرجل والمرأة؛ فإذا مات أحدهما في حال الزوجية، ورثه الآخر.
أُناقِشُ أُناقِشُ سبب حرمان المرأة من الميراث في بعض الأُسر والمجتمعات، وما يُخلِّفه ذلك من آثار سلبية. |
سبب ذلك الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية أو بعض العادات والتقاليد الفاسدة أو التقليد الأعمى. وحِرْمَانَ الإِنَاثِ مِنَ الْمِيرَاثِ له آثَارٌ وَأَضْرَارٌ، مِنْهَا: أ- انتشار الظلم بين الأهل والأقارب ج- انتشار الفقر والحاجة بين النساء. |
ثالثًا: من أحكام الميراث في الإسلام
وضع الإسلام للميراث أحكامًا تُنظِّمه، وتضبطه، منها:
- إذا مات الإنسان أُخرِجت من تِرْكته نفقات تجهيزه ودفنه أوَّلًا، ثمَّ قضاء الدَّين (إنْ كان عليه)، ثمَّ إخراج الوصية (إنْ كان قد أوصى بشيء قبل موته)، ثمَّ يُوزَّع ما تبقّى على الورثة.
أتوقف
سداد الدين مُقدَّم على تنفيذ الوصية؛ لأنَّ الدَّين حقٌّ واجب على الإنسان. ومع ذلك، فقد تقدَّمت لفظة (الوصية) على لفظة (الدَّين) في قوله تعالى:(من بعد وصية يوصى بها أو دين ) (النساء: ١١)؛ تأكيدًا لأهمية الوصية، فلا يتهاون الورثة في تنفيذها.
أُبْدي رَأْيي اعتاد بعض الناس المغالاة في تشييع الجنائز، وإقامة المآتم التي تستمرُّ عددًا من الليالي، وتشييد المقابر الضخمة، وكلُّ ذلك من تِرْكة المُتوفّى. أُبْدي رَأْيي في ذلك. |
هذا يعد من الإسراف والتبذير الذي نهت عنه الشريعة الإسلامية كما أن فيه تضييعًا لحقوق الورثة. |
- إذا تعمَّد الوارث قتل مُورِّثه، فإنَّه لا يَرِثه؛ لأنَّه يُخشى أنْ يعمَّ الفساد، وأنْ يَستسهل الناس قتل مُورِّثيهم من أجل الميراث. قال رسول الله g: "لَيْسَ لِلْقاتِلِ مِنَ الْميراثِ شَيْءٌ" (رواه النسائي وأبو داود)؛ إذ يُحرَم القاتل من الميراث، زجرًا له باستعجاله موت مُورِّثه، وإساءته إليه. أمّا القتل الخطأ فلا يمنع من الميراث.
أُفَكِّرُ وَأَسْتَنْتِجُ أُفَكِّرُ في القاعدة الفقهية: (من استعجل الشيء قبل أوانه عوقِب بحرمانه)، ثمَّ أَسْتَنْتِجُ علاقتها بأحكام كلٍّ من الوصية والميراث. |
أي أنه إذا قتل الموصى له الموصي انتهت الوصيّة/ وكذلك إذا قتل الوارث مورثه حُرِمَ من الميراث. |
رابعًا: أُسس توزيع الميراث في الإسلام
شرع الإسلام توزيع الميراث بناءً على أُسس مُعيَّنة، أهمُّها:
- مراعاة درجة القرابة بين الوارث (ذكرًا أو أنثى) والمُورِّث المُتوفّى؛ فكلَّما كانت الصلة أقرب زاد النصيب في الميراث. وفي حال مات إنسان، وترك ابنًا وأخًا، فالأخ لا يَرِث، والابن يأخذ التِّرْكة كلَّها.
- مراعاة المسؤوليات والالتزامات المطلوبة:
كلَّما كَثُرت المسؤوليات زادت حِصَّة الوارث من التِّرْكة. ومن الأمثلة على ذلك:
- منح الإسلام الأبناء نصيبًا أكثرَ من الآباء بالرغم من أنَّ درجة القُرْب واحدة؛ لأنَّهم أحوج للمال؛ فهم يستقبلون الحياة، والآباء يستدبرونها.
- منح الإسلام الذكر ضعف حِصَّة الأنثى (أحيانًا) إذا كان الورثة أولادًا ذكورًا وإناثًا؛ لأنَّ الأنثى مكفولة في كلِّ أحوالها، فلا تتحمَّل تكاليف الزواج، وليست مُكلَّفة بالنفقة على الأولاد، بل يجب على زوجها أو أبيها أنْ يُنفِق عليها.
أُفَنِّدُ يَدَّعي بعض الناس أنَّ الإسلام قد ظلم المرأة حين زاد نصيب الذكر على نصيب الأنثى في بعض حالات الميراث. أُفَنِّدُ ذلكَ. |
راعى الإسلام التكاليف والالتزامات المالية المطلوبة من الفرد؛ فالأنثى مكفولة في كلِّ أحوالها، ولا تتحمل تكاليف الزواج وليست مكلَّفة بالنَّفقة على الأولاد، لذا كان لها نصف نصيب الرجل، كما ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في أحوال أخرى، كالإخوة لأم، وتأخذ المرأة مثل الرجل في أحوال أخرى، كالأم والأب، وفي حالات أخرى يزيد نصيب المرأة عن نصيب الرجل، فنصيب البنت أكثر من نصيب الأب، وعليه فإن الإسلام لم يغفل الاهتمام بالمرأة، ولم يحرمها الميراث، بل أعطاها حقَّها منه حسب حاجتها، ومن الخطأ أن يقال: إن المرأة تأخذ نصف نصيب الرّجل دائمًا. |
الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ
من الأمثلة على حالات الميراث في الشريعة الإسلامية:
- إذا كان الورثة هم أبناء المُتوفّى وبناته، فللذكر مثل حَظِّ الأنثيين.
- إذا توفّي الزوج، فإنَّ الزوجة تَرِث الثُّمُن إنْ كان للزوج أولاد يَرِثونه، وتَرِث الرُّبُع إنْ لم يكن له أولاد يَرِثونه.
- إذا تُوفِّيت الزوجة، فإنَّ الزوج يَرِث الرُّبُع إنْ كان لها أولاد يَرِثونها، ويَرِث النصف إنْ لم يكن لها أولاد يَرِثونها.
- تَرِث البنت النصف إذا لم يكن للمُتوفّى ابنة غيرها، وليس له أبناء ذكور. أمّا إذا كان للمُتوفّى أكثر من ابنة، ولم يكن لهنَّ إخوة ذكور، فإنَّهنَّ يشتركن في الثُّلُثين.
وقد جاء القانون الأردني مُنظِّمًا أحكام الميراث في قانون الأحوال الشخصية والقانون المدني، وَفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
أَتَوَقَّفُ
ساوى الإسلام بين ميراث المرأة وميراث الرجل في أحوال مُعيَّنة، مثل الأُمِّ والأب؛ إذ يأخذ كلُّ واحد منهما السُّدُس إذا ورثا الابن مع وجود ابن الابن.
وقد يزيد نصيب المرأة على نصيب الرجل؛ إذ يكون نصيب البنت أكثر من نصيب الأب إذا ترك الميت بنتًا وأبًا وزوجةً؛ فالبنت تأخذ نصف التِّرْكة، والزوجة تأخذ الثُمُن، والأب يأخذ الباقي.
ولهذا، فإنَّه من الخطأ أنْ يقال: إنَّ المرأة تأخذ نصف نصيب الرجل دائمًا.