النص الفلسفي
يتناول درس النص الفلسفي وبنيته والتساؤل الفلسفي وتحليل النصوص وفهمها، وسيتم تطبيق الدرس على نص فلسفي للفيلسوف ديكارت حول قيمة الفلسفة، وتحليل هذا النص حسب ما تم توضيحه.
هو نص يدور الحديث فيه حول مسألة فكرية معينة أو إشكالية فلسفية، ويتم طرح هذا النص وتداوله عبر بنية مترابطة ومتسلسلة من الأفكار والمفاهيم والحجج المتتابعة والمتكاملة، التي تتجّمع حول قضية محددة، ويكون الترابط فيه بشكل فلسفي محدّد، وغالبًا ما يكون النص الفلسفي مرتبطًا بفترة زمنية أو مكانية معينة، وقد تم طرح وبناء النص وفقًا لهذه الفترة الزمنية بروحها وفكرها، ويقوم الكاتب في النص الفلسفي بعرض الفكرة التي يريد طرحها وبيان موقفه منها سواء بشكل واضح وصريح أو بشكل ضمني. ومن ثم يسعى إلى دعم موقفه والبرهنة عليه بصورة متسلسلة ومترابطة ومعقولة.
بنية النص الفلسفي
يعبّر النص الفلسفي عن فكرة معينة، يقدمها الفيلسوف في صيغة مركبة مكونة من مفاهيم وأفكار وحجج، محاولًا التعبير عن الفكرة الجوهرية التي يسعى إلى طرحها، ولهذا يتكون النص الفلسفي من مصطلحات محددة ذات معانٍ ومضامين معبّرة عن الفكرة التي يسعى الفيلسوف إلى تقديمها، في لغة فنية متخصّصة مكونة من مفاهيم ذات دلالة معبّرة عن الفكرة ضمن المضامين الفكرية التي يتبنّاها في النسق الفلسفي أو المدرسة التي ينتمي إليها.
التساؤل الفلسفي
عادة ما يتم بناء النص الفلسفي على تساؤل أساسي يتعلق بفكرة معينة يريد الفيلسوف استجلاء (أي توضيح)مضمونها، وتتم عبر بنية مركّبة من مفاهيم وأفكار معينة، لذا يجب فهم هذه البنية المركّبة من هذه المفاهيم عبر التساؤل الذي يسعى إلى ما يأتي:
أ. تحليل الاستفهام الأساسي في النص، بمعنى هل نجح النص في طرح الفكرة الجوهرية؟ وهل أثبت الفيلسوف ما يريد إثباته أو نفيه؟
مثال: هل يمكن اعتبار العقل مصدرًا للمعرفة؟
في صيغة الإثبات نقول: يمكن اعتبار العقل مصدرًا للمعرفة، أما في صيغة النفي فنقول: لا يمكن اعتبار العقل مصدرًا للمعرفة.
ب. استخراج المفاهيم الأساسية في النص مع تعريفها وبيان مضمونها الأساسي. ا
التحليل الفلسفي لقراءة النصوص وفهمها
لا بدّ من قراءة النص الفلسفي بتمعن، وفهم الفكرة الرئيسة الموجودة فيه، ويتم ذلك بفهم مضمونه، للوصول إلى الفكرة الأساسية فيه، من حيث معرفة المذهب أو المدرسة الفلسفية التي ينتمي إليها النص، ومعرفة المفاهيم الفلسفية الأساسية فيه، ومن ثم الإشارة إلى الموضوع الذي يعرضه، لمعرفة الفكرة الأساس وذلك عبر طرح تساؤلات ومن ثم السعي إلى الإجابة عنها ويشتمل ذلك على ما يأتي:
أولًا: التحليل: يتضمّن التحليل شرح المفاهيم الأساسية في النص وتفسيرها، وذلك لاستخلاص الفكرة الأساسية الموجودة فيه، وبعد ذلك يتم التعامل مع الفكرة عبر دعمها وتعزيزها أو رفضها والرد عليها.
ثانيًا: المناقشة: تتضمّن المناقشة فكرة محاورة النص الفلسفي، وذلك باتخاذ موقف يبينّ مكامن القوة أو الضعف، وتكون النتيجة إما الاقتناع وربما طرح فكرة بديلة إذا كانت الفكرة الأساس فيه ضعيفة، وذلك باستدعاء أطروحات التحليل التي قد تكون متعارضة معها لبيان الفكرة الأصوب.
ثالثاً: التركيب: ويتم في عملية التركيب تقديم نتائج التحليل والمناقشة، وصياغتها بصورة مركّزة عبر الربط بين المفاهيم الأساسية التي وردت في النص، وتوسيع أفق التفكير في الفكرة أو المشكلة عبر الانفتاح على إشكاليات جديدة تتعلّق بما تغنيها وتعمقها.
نص فلسفي
هل للفلسفة قيمة...؟
"... وكنت أريد ... أن أوجّه النظر إلى فائدة الفلسفة، وأبيّن أنها نظرًا لكونها تشمل كل ما يمكن للفكر الإنساني أن يعرفه، فإنه يتوجب الاعتقاد بأنّ الفلسفة وحدها هي التي تميّزنا عن الأقوام المتوحشين والهمجيين، وأن حضارة كل أمة إنما تقاس بقدرة ناسها على تفلسف صحيح، وهكذا فإن الخير؛ كل الخير بالنسبة لأمة ما أن يكون فيها فلاسفة حقيقيون.
فضلًا عن ذلك، فليس نافعًا بالنسبة للإنسان أن يعيش وسط من يهتم بهذه الدراسة فقط، بل الأفضل له دائمًا أن يهتم هو بنفسه، كما أنّ استعمال المرء عينيه لهداية خطواته، واستمتاعه بواسطتها بجمال الألوان والضوء، بدون شك من أنّ يسير مغمض العينين مسترشدًا بشخص آخر.
لكن هذه الحالة الأخيرة، أفضل من حالة من يبقى مغمض العينين، وليس له من مرشد إلا نفسه، والحال أن يعيش بدون تفلسف، كالذي أغمض عينيه ولم يحاول فتحهما، وأن اللذة في مشاهدة كل الأشياء التي يكتشفها بصرنا، لا يمكن أن تقارن بالرضا الذي تمنحنا إياه معرفة الأشياء عن طريق الفلسفة.
وفي الختام، فإنّ هذه الدراسة أكثر ضرورة بالنسبة لتنظيم أخلاقنا وسلوكنا في هذه الحياة، من الحاجة إلى أعيننا لإرشاد خطواتنا. إنّ الحيوانات المتوحشة التي لا هم لها سوى المحافظة على أجسامها، تعنى باستمرار بالبحث عن وسائل تغذيتها، لكنّ الإنسان الذي يشكّل الفكر الجزء الرئيس منه، ينبغي له أن يوجّه اهتماماته الرئيسة نحو البحث عن الحكمة التي هي الغذاء الحقيقي للفكر...".
رينيه ديكارت: مبادئ الفلسفة، ترجمة د. عثمان أمين، مكتبة النهضة المصرية، 1960 ، ص 49 - 48
تحليل النص الفلسفي
سيتم تحليل نص الفيلسوف ديكارت وذلك بأبرز الأفكار والفكرة الجوهرية للنص، وتحليل النص والبرهنة، ونقد النص وتقييمه عبر التأمل.
أبرز الأفكار
- تتحدّد قيمة الفلسفة في أنها تساعد الإنسان على التطوّر وتحقيق الخير والسعادة في حياته الفردية والاجتماعية.
- تظهر قيمة الفلسفة في سلوك الفرد عبر فهمه ووعيه بنفسه وواقعه الذي يعيشه.
- تحقّق الفلسفة منافع للإنسان، وتسهم في توجيه الأخلاق والسلوك الإنساني الواعي.
الفكرة الجوهرية للنص: انتشر بين العديد من الناس أنّ الفلسفة لا قيمة لها في ذاتها، خاصة إذا ما ارتبطت بالذات الفردية، في المقابل تم الرد على هذه الفكرة ما أحدث نزاعًا بين الطرفين، فالتشكيك في قيمة الفلسفة استدعى ديكارت للرد على المشككين في قيمتها ودورها عبر نص عقلاني، أجاب فيه على السؤال المطروح:
هل للفلسفة قيمة؟ ما خصائصها؟
وهل قيمة الفلسفة مرتبطة بالذات أم بالموضوع؟
تحليل النص
يتّضح من النص أن صاحبه وهو الفيلسوف ديكارت يرى أنّ للفلسفة قيمة وفائدة في حياة الإنسان، كما أنها مرتبطة بمجموعة من الخصائص التي تحقّق الخير، أهمها: أنها متعلّقة بالذات لا غير. كما أنها مصدر حقيقي للمعرفة يمارسه الإنسان في جميع مراحل حياته، وهذا ما عبر عنه في قوله "فإنه يجب الاعتقاد بأنّ الفلسفة... تفلسف صحيح".
البرهنة: أكّد الفيلسوف ديكارت موقفه، ودافع عنه بحُجج عقلية ومنطقية بيّن فيها قيمة الفلسفة وتأثيرها في حياة الإنسان. وقد تمثلت الحجة العقلية في المقارنة بين الأشخاص الذين يمارسون الفلسفة، والذي يحقّق لهم منافع وقدرة عقلية وتعبير عن الذات، بينما يكون القوم المتوحشون بعيدين عن الفكر وهذا ما يُملي عليهم إشكالات متنّوعة، ويبعدهم عن الحقيقة، وقد استدل بمثال عبر فيه عن الإنسان الذي يرى بعينيه ويسترشد بهما على عكس الإنسان الذي يمشي مسترشدًا بشخص آخر، وهذا ما عبّر عنه في قوله "فليس نافعًا...بصرنا" كما استخدم الحُجّة الاجتماعية، والتي تمثّلت في كون الفلسفة تنظم سلوك الإنسان وأخلاقه، وهذا ما يظهر في استمرارية البحث وإمكانية بناء فكر صحيح قائم على الحكمة، وهذا ما عبر عنه في قوله: "إن هذه الدراسة أكثر ضرورة...الغذاء الحقيقي للفكر".
ولوضع الفكرة في صيغة منطقية على شكل حجة:
- الفلسفة تميّزنا عن الأقوام المتوحشين.
- التفلسف لا يتم إلا بمجموعة من خصائص معينة للإنسان.
يشتق من الفكرة:
إن للفلسفة قيمة لا يمكن تجاهلها تظهر في تنظيم سلوك الإنسان وأخلاقه.
حليل الن الأفكار
النقد والتقييم:
من مكاسب النص أنّ الفلسفة نموذج حي للفكر الإنساني، وعلى أساس هذا النص نستطيع أن نقوّي الخطاب الفلسفي وننمّي قدرتنا على التأمل، وهذا المكسب وحده القادر على استمرارية البحث واكتشاف الحقائق، وقد عبر كثير من الفلاسفة عن أهمية التفلسف وعن قيمة الفلسفة من بينهم/ سؤال مقترح من صاحب العبارة الآتية؟
) باسكال( القائل "كلّ تهجّم على الفلسفة تفلسف"
و)برتراند راسل) "الفلسفة استراتيجية غايتها البحث المستمر والكشف عن المعرفة"،
ولكن ما يعاب على النص أنه ربط تحقيق المنافع بصدق النتائج، وليس التأمل العقلي المجرد فقط، والدليل على ذلك أن التطوّرات الحاصلة في مجال العلم كانت نتائجها صحيحة. كما أن الفلسفة ليست وحدها القادرة على تنظيم سلوك الإنسان، والدليل على ذلك أن الأخلاق بُنيت على مبادئ أولية موجودة في المجتمع الذي يغرسها في الأفراد وكذلك عن طريق الدين، والعادات والتقاليد، والقيم. 3
بناء الرأي الخاص:
يفترض بعد قراءة أي نص فلسفي أن تحدّد موقفك من هذا النص، هل تتفق مع أفكاره أم تختلف معها ولماذا، لا شك في أنّ كلًّا من العلم والفلسفة له قيمة في تحقيق المعرفة، والدليل على ذلك أن العلوم أضحت واضحة الأهمية في دورها المعرفي، لهذا فالفلسفة والعلم لهما قيمتهما التي تظهَر في ضبط حدود المعرفة وبنائها بناء صحيحًا للوصول إلى الحقيقة التي يسعى الإنسان إليها.
تقديم فهم للنص:
يمكن القول إنّ الفلسفة ضرورية في حياة الإنسان، ولا يمكن تجاهل قيمتها نظرًا للصفات التي تميزها، فهي سبيل لتنمية القدرة العقلية على فهم مختلف المنطلقات الذهنية، ودفع العقل على توظيف مبادئه الجوهرية، وهذا لا يتعارض مع التأكيد على قيمة العلم نظرًا للتطورات الحاصلة في واقع الناس المشاهد.
