خلق الله تعالى الإنسان وكلفه :
-
أن يقوم بدوره تجاه نفسه ومن حوله
-
وأن ينظم واجباته ومهامه وعندما تتزاحم الواجبات والمهام على الإنسان كان ولا بد أن يحدد أيهما يقدم وأيهما يؤخر ؟
أولا :تعريف تنظيم الأولويات
تنظيم الأولويات هو : ترتيب البدء بتنفيذ الحقوق والواجبات والمهام وفق اعتبارات تتعلق بالأهمية والنتيجة والقدرة والحاجة والوقت .
ملاحظة مهمة : ينطبق مفهوم تنظيم الأولويات على الأعمال المشروعة فقط ، أما الأعمال المحرمة وغير المشروعة التي يجب تركها وتجنبها فلا تقع ضمن تنظيم الأولويات ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )
ثانيا : نماذج لمراعاة الأولويات في الشريعة الإسلامية :
1 * تفاخر المشركون من أهل مكة على المسلمين بسقاية الحجاج وعمارة المسجد الحرام ، فأنزل الله آية في القرآن الكريم تبين أن الإيمان بالله تعالى والتوحيد والجهاد في سبيل الله أفضل من سقاية الحجاج وعمارة المسجد الحرام ، قال الله تعالى ( أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) وهذا توجيه من القرآن إلى ترتيب الأعمال وفق أهميتها ونتائجها على الفرد والمجتمع
2 * ورد في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من التساؤلات عن أي العمل أفضل ؟ وأيها خير ؟ وأيها أحب إلى الله ؟ ولم تكن إجابات النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأسئلة إجابة واحدة بل كانت مختلفة بسبب :
أ - اختلاف أحوال السائلين فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجيب كل قوم بما هو أولى لهم / ومن أمثلة ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل ؟ فقال : إيمان بالله تعالى ، قيل ثم ماذا ، قال : الجهاد في سبيل الله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور ؟
ب - اختلاف الأوقات وما يتناسب معها / ومن أمثلة ذلك أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد ، فقال له : أحي والداك ؟ قال نعم ، قال : ففيهما فجاهد )
ثالثا : كيفية تحديد الأولويات :
تحدد الأولويات ضمن ضوابط شرعية وحسب اعتبارات كثيرة مثل : الأهمية والحاجة والقدرة والنتيجة والوقت
ومن الأمثلة على كل اعتبار ما يأتي :
1 * ترتيب الأعمال وفق الأهمية : ( يقدم العمل الأهم على العمل المهم )
ومثال ذلك : أن الأعمال المفروضة تقدم على الأعمال النافلة / وتقدم الأعمال النافلة على الأعمال المباحة // فالإيمان بالله تعالى وتوحيد الله تعالى يقدم على سائر الأعمال الأخرى لأنه الأساس لها ، لأجل هذا اهتم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة بنشر التوحيد وتمكين الإيمان والعقيدة في نفوس المسلمين
2 * ترتيب الأعمال وفق الحاجة : ( تقدم الحاجة الملحة التي تؤثر في غيرها )
- ومثال ذلك : تقديم الطعام على الصلاة في حال اجتماعهما معا ، فإذا حضر الطعام عند أي صلاة فإن السنة البدء به
- لأن المسلم إذا قام للصلاة وهو جائع فلا يؤدي الصلاة كما ينبغي
- ولا يعتبر تقديم الطعام على الصلاة من باب التساهل في الصلاة بل هو من تعظيم شأن الصلاة ، لأن المصلي ساعتها سيؤدي الصلاة بخشوع وطمأنينة وحضور قلب
3 * ترتيب الأعمال وفق القدرة : ( يقدم العمل الدائم المستمر على العمل المنقطع ) ( قليل دائم خير من كثير منقطع )
- ومثال ذلك : قراءة جزء من القرآن كل يوم مع الاستمرار على ذلك يوميا أولى من قراءة جزأين يوميا ثم التوقف عن القراءة بعد ذلك ليعود ويقرأ جزءين آخرين بعد ثلاثة أيام وهكذا .... فالعبرة باستمرار العمل كل يوم وإن كان قليلا
- وممارسة الرياضة كل يوم مع الاستمرار على ذلك يوميا أولى من ممارستها مرة واحدة بشكل مجهد وشاقّ للجسم .....
- لذا قال صلى الله عليه وسلم ( عليكم من الأعمال ما تطيقون فوالله لا يملّ الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه )
- وقراءة جزء من القرآن بتدبر وخشوع أولى من قراءة خمسة أجزاء دون تدبر أو خشوع لأن جوهر الاختبار والابتلاء على نوعية العمل وحسنه وليس على كثرة العمل ، قال تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا )
4 * ترتيب الأعمال وفق النتيجة : ( عمل يحقق مصلحة عامة أولى من عمل يحقق مصلحة شخصية )
( كلما كثر المنتفعون بالعمل كان العمل ذا فضل وأجر كبير عند الله )
- ومثال ذلك : تقديم العلم على العبادات النافلة ، لأن العلم نفعه يعم ، ويستفيد منه الآخرون / فتعليمك للناس أحكام الدين أولى من تفرغك لصلاة النافلة كقيام الليل
- لذا ميّز النبي صلى الله عليه وسلم العلم والعلماء بالفضل فقال : ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم )
- ومن الأعمال التي ينتفع بها الميت بعد موته العلم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )
5 * ترتيب الأعمال وفق الوقت : ( يقدم العمل المهم المستعجل على غيره من الأعمال )
- ومثال ذلك : أداء الصلاة قبل خروج وقتها أولى من زيارة المريض ، لأن وقت الصلاة قارب على الانتهاء ووقت زيارة المريض متاح في أي ساعة ، لذا قال صلى الله عليه وسلم ( احرص على ما ينفعك )
/// أضع بين يديك الجدول الآتي لترتيب الأعمال وفق الأولويات مع ذكر الأمثلة ///
أولويات ترتيب الأعمال |
الأمثلة |
---|---|
الأهمية |
1- الإيمان بالله وتوحيده والجهاد في سبيله أولى من سقاية وعمارة المسجد الحرام 2- الإيمان بالله تعالى أفضل من الجهاد في سبيله ، والجهاد أفضل من الحج 3- أداء الفريضة أولى من أداء النافلة 4_ النافلة تقدم على المباحات |
الحاجة | 1- يقدم الطعام على الصلاة إذا حضر الطعام عند أي صلاة |
القدرة |
1- ممارسة الرياضة كل يوم بشكل مستمر أولى من ممارستها بشكل متقطع / وأفضل من ممارستها مرة واحدة بشكل شاقّ 2 - قراءة جزء من القرآن يوميا أولى من قراءته بشكل متقطع 3- قراءة جزء من القرآن بتدبر وخشوع أولى من قراءة خمسة أجزاء دون تدبر أو خشوع |
النتيجة |
1 - تقديم العلم على العبادة النافلة 2 - التبرع بمبلغ المال للفقراء أولى من أداء فريضة الحج لمن حج سابقا 3 _ تقديم الصدقة للقريب الفقير المريض أولى من تقديمها للقريب الفقير غير المريض وأولى من تقديمها للفقير غير القريب |
الوقت | أداء الصلاة وقد قارب وقتها على الانتهاء أولى من زيارة المريض |
رابعا : المهارات اللازمة لتنظيم الأولويات : لا بد أن تملك المهارات اللازمة لتنظيم الأولويات ومن ذلك ما يأتي :
1 _ إدارة الذات ومعرفة القدرات والإمكانات الخاصة ، قال الله تعالى ( بل الإنسان على نفسه بصيرة )
2 _ فهم طبيعة الأعمال والمهام المطلوبة وتصنيفها وفق الاعتبارات السابقة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( يد المعطي العليا ، وابدأ بمن تعول : أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك )
3 _ التخطيط المستمر في تنظيم أولويات الأعمال والمهام ، فتحدد الأهداف والغايات من تلك الأعمال ، قال الله تعالى ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم )