تاريخ العرب فصل ثاني

الأول ثانوي أدبي

icon

بدأت حركات التحرر والمقاومة في المغرب العربي بكل أشكالها منذ دخوله تحت السيطرة الاستعمارية؛ مما أجبر الدول الأوروبية على الرضوخ لمطالب الحركات الوطنية، واحتلت فرنسا الجزائر عام 1830م بإرسالها حملة بحرية إلى سواحل الجزائر، فتمكنت بعدها من فرض حصار على مدينة الجزائر وأحكمت قبضتها عليها، فأعلن الملك (لويس فيليب) ملك فرنسا إلحاق الجزائر رسميا بفرنسا.

بدأت حركة المقاومة في الجزائر ضد فرنسا وسياستها الاستعمارية منذ أن وطأت فرنسا أرض الجزائر، فقاد الأمير عبد القادر الجزائري المقاومة المسلحة، وحقق انتصارات على فرنسا؛ مما اضطرها إلى مهادنته والاعتراف بسلطته على بعض المناطق، ثم واصل محمد المقراني عام 1871م، قيادة الثورة التي شملت معظم أرض الجزائر. تصدى الشعب الجزائري للاحتلال الفرنسي في ثورات متتالية، كما تشكلت جمعيات وأحزاب تطالب بالاستقلال، منها جمعية نجم شمال إفريقيا، وجمعية علماء المسلمين. وتفجرت الثورة الجزائرية الكبرى، عندما أطلق مصطفى بلعيد الرصاصة الأولى، وقد استشهد وهو يقاوم الاستعمار عام 1956م، ولكن الثورة استمرت بعد وفاته ومن مقومات نجاح الثورة الجزائرية توحيد جميع الأحزاب في جبهة واحدة هي جبهة التحرير الجزائرية وتوحيد جميع القوى المسلحة في جيش واحد هو جيش التحرير الجزائري وهكذا نالت الجزائر الاستقلال بعد 132 عام من الاحتلال، وأصبح أحمد بن بلا رئيسا للجزائر بعد الاستقلال ويحكم الجزائر حاليا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة 

أما تونس فقد تأسست أحزاب سياسية لمقاومة الاستعمار الفرنسي كحزب تونس الفتاة عام  1908م الذي أصدر الجريدة الوطنية (التونسي)، وكان من زعمائه علي جمعة، وعبد العزيز الثعالبي الذي شن حملة على أساليب فرنسا الاستعمارية في تونس؛ فاضطهدت السلطات الفرنسية أنصار هذا الحزب وحلته وشتت رجاله، ونشطت الحركة الوطنية في تونس بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فتأسست بعض الأحزاب وحاول عبد العزيز الثعالبي عرض قضية بلاده على مؤتمر الصلح في فرساي عام 1919م ولكن دول الحلفاء لم تسمح له بذلك حيث لاحقت فرنسا قادة الحركة الوطنية بالنفي والسجن، ولجأت إلى سياسة الضغط والاضطهاد فألقت القبض على زعماء الحزب الدستوري الجديد عام 1934م، وقدمتهم للمحاكمة بتهمة التآمر على سلامة الدولة، وكان من المعتقلين الحبيب بورقيبة، وقد واصلت الحركة الوطنية في تونس نشاطها السياسي بزعامة الباي محمد المنصف الذي طالب السلطات الفرنسية بالإصلاحات التي طالما وعدوا بها، وأقدم الباي محمد على اختيار وزرائه التونسيين دون الرجوع إلى المقيم الفرنسي فأثار هذا الأمر فرنسا فعزمت على الانتقام منه واشتدت الحركة الوطنية نتيجة لسياسة فرنسا الاستعمارية، ففي عام 1946م عقد مؤتمر لوضع ميثاق وطني تقرر فيه المطالبة بإلغاء نظام الحماية؛ لأنه لا يتفق مع سيادة الشعب التونسي ومطالبه القومية وعزم الشعب على استرجاع استقلاله التام والانضمام كدولة ذات سيادة إلى جامعة الدول العربية.

وقررت تونس رفع شكوى لمجلس الأمن، الذي أوصى بإجراء مفاوضات بين البلدين، فانتهت بمعاهدة وقعها الطرفان في 3 من حزيران عام 1955م، وفيها اعترفت فرنسا بالاستقلال الذاتي لتونس، واحتفظت لنفسها ببعض الامتيازات الثقافية والاقتصادية في البلاد وحين قابل الشعب التونسي هذه الاتفاقية بالرفض العنيف؛ عادت إلى إعلان اعترافها باستقلال تونس استقلالا تاما في آذار 1956م ووضع دستور جديد للبلاد

بينما كانت ردة الفعل للشعب المغربي عنيفة ضد معاهدة الحماية الفرنسية، فثار الجنود المغاربة في فاس عام 1912م، وقتلوا القائد الفرنسي وعددا من الضباط. وفي منطقة الريف تزعم حركة المقاومة محمد أمزيان، الذي قاد فصائل المقاومة والحق بالإسبان خسائر كبيرة، وواصل الزعيم أحمد محمد الريسولي في منطقة جبالا شمال المغرب المقاومة،فاضطر الأسبان إلى مهادنته والاعتراف به حاكما لإقليم جبالا في فترة الحرب العالمية الأولى. 

استمرت حركة التحرر الوطني في المغرب ضد الاحتلالين الفرنسي والإسباني بعد الحرب العالمية الأولى، وتطورت هذه الحركة إلى حرب عنيفة بقيادة الأمير محمد عبد الكريم الخطابي في الريف المراكشي الذي أحرز انتصارات كثيرة ولم تخمد حركته إلا بعد أن تحالفت القوات الفرنسية والإسبانية ضده عام 1926م.

ولم تتوقف الحركة الوطنية بإخماد ثورة الخطابي في الريف المراكشي، ولكنها أخذت خط المطالبة السلمية، وبرزت هذه الحركة 1930م حين أصدرت السلطات الفرنسية مرسوم الظهير البربري ولم تتوقف السلطات الفرنسية عن سياسة القمع والاضطهاد فنفت زعماء الحزب الحلي إلى الخارج، وقابل أهل المغرب ذلك بمظاهرات شديدة في مختلف أنحاء البلاد، ووقعت مصادمات مسلحة؛ مما اضطر السلطات الفرنسية إلى إعادة الزعماء المنفيين، وحاولت التقرب من السلطان محمد الخامس والحكام المغاربة لتفصلهم عن الشعب.

وقدم المغرب الكثير الخدمات لمصلحة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بهدف الحصول على الاستقلال بعد الحرب، واندمجت جميع الأحزاب الوطنية بحزب الاستقلال الذي أكد على الاستقلال والوحدة الوطنية، ووحدة التراب المراكشي، وقد كان السلطان محمد الخامس يؤيد هذه المطالب ويرعاها، ولكن فرنسا ظلت مصرة على تطبيق معاهدة الحماية والتنكيل بالوطنيين بالاتفاق مع إسبانيا، وكانت ردة الفعل لفرنسا على السلطان محمد الخامس بنفيه إلى جزيرة مدغشقر، وعين الفرنسيون بدلا منه محمد عرفة، وحلو حزب الاستقلال.

لم يرض المراكشيون بما فعله الفرنسيون ،فعاد حزب الاستقلال ونظم حركة المقاومة الشعبية والكفاح المسلح ضد المستعمرين والمقاطعة للبضائع الفرنسية، فاضطرت فرنسا للتسليم بمطالب الشعب وأعادت السلطان المنفي إلى عرشه في 17 من تشرين الثاني عام 1955م، ودخلت مع مراكش في مفاوضات انتهت باعتراف فرنسا باستقلال المغرب ووحدته في 2 من آذار عام 1956م،وبعد شهر واحد أعلنت إسبانيا التسليم باستقلال منطقة الريف، كما ألغي قبل نهاية تلك السنة النظام الدولي في طنجة، وأصبح السلطان محمد الخامس ملكا للمغرب حتى عام 1961م، فورث العرش ابنه الملك الحسن الثاني الذي توفي عام 1999م، فخلفه ابنه الملك محمد السادس.

ظهرت حركة المقاومة الوطنية في موريتانيا منذ مطلع القرن العشرين بقيادة الشيخ ماء العينين الذي أزعج الفرنسيين بالهجمات الخاطفة، لكنها قضت عليه، واستمرت المقاومة بظهور الأحزاب التي نادت باستقلال البلاد الذي تحقق عام 1960م، وأصبح المختار ولد دادة أول رئيس لجمهورية موريتانيا. ويحكم موريتانيا منذ عام 2009م الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

أقدمت إيطاليا على غزو ليبيا بحجة تحقيق الأمن، وحماية رعاياها الإيطاليين، وتنفيذ مشروعاتها الاقتصادية، ثم قامت بإعلان الحرب على الدولة العثمانية، واحتلت مدن طرابلس وبنغازي وطبرق، ثم مدت نفوذها إلى بقية أراضي ليبيا. وقد قامت إيطاليا بسلب الأراضي من أصحابها الأصليين ووزعتها على المهاجرين الإيطاليين، وحاربت اللغة العربية والدين الإسلامي وجعلت اللغة الإيطالية اللغة الرسمية في البلاد واقترن تحرير ليبيا من الإيطاليين بتقسيمها إلى ثلاث مناطق نفوذ هي: برقة وطرابلس وقد وضعتا تحت الحكم العسكري البريطاني، وفزان وضعت تحت الحكم الفرنسي، وكان للولايات المتحدة الأمريكية قواعد جوية في طرابلس، وهكذا يتضح أن الدول الاستعمارية الكبرى لا تزال مطامعها الاستعمارية قائمة في ليبيا.

واصل الليبيون نضالهم لتحقيق آمالهم باستقلال بلادهم والمحافظة على وحدتها وتحققت لهم هذه الغاية بإعلان استقلال ليبيا في عام 1951م، فتأسست المملكة الليبية المتحدة، ونودي بالأمير محمد بن إدريس السنوسي ملكا عليها، في العام نفسه.

حكم الملك السنوسي ليبيا بعد الاستقلال سبع عشرة سنة في نظام دستوري برلماني ، ثم حدث انقلاب عسكري في 1 أيلول عام 1969م، ألغى الملكية في البلاد، وأعلن الجمهورية بقيادة مجلس ثورة بزعامة العقيد معمر القذافي، الذي أطيح بحكمه بعد ثورة شعبية في تشرين الأول عام 2011م.