الدراسات الاجتماعية 8 فصل ثاني

الثامن

icon

 

أتخيّلُ نَفسي هناكَ: معَ سامرٍ داخلَ قلعةِ عجلونَ أتأمّلُ عظمةَ البناءِ، وأستمعُ للمعلوماتِ منَ الدليلِ السياحيِّ/ الدليلةِ السياحيةِ عنْ أهمِّ الحضاراتِ والأحداثِ الّتي مرَّتْ عليها. 

 

انطلقَ الشقيقانِ سامرٌ وسلمى نحوَ محافظةِ عجلونَ الّتي تبعدُ (76) كيلومترًا إلى الشمالِ الغربيِّ منَ الأردنِّ، وهيَ منطقةٌ تشهدُ حضورًا بشريًّا منذُ العصورِ القديمةِ.

في عهدِ الخلافةِ العباسيةِ كانَتْ عجلونُ مركزًا زراعيًّا وتجاريًّا مهمًّا، وتمتّعَتْ بأهميةٍ استراتيجيةٍ في العصرِ الأيوبيِّ، وخلالَ الحُكمِ العثمانيِّ كانَتْ جزءًا منْ ولايةِ دمشقَ، وحلقةَ وصلٍ بينَ مناطقِ ساحلِ البحرِ المتوسطِ وبلادِ الشامِ.

"عجلونُ": لفظٌ ساميٌّ آراميٌّ قديمٌ نسبةً إلى أحدِ ملوكِ مؤابَ اسمُهُ عجلونَ، وعُرِفَتْ عجلونُ باسمِ (جلعادَ)، ويعني: الصلابةَ أوِ الخشونةَ.

المحطةُ الأولى

قصدَ سامرٌ وسلمى برفقةِ دليلِهِما السياحيِّ عجلونَ في رحلةٍ مدهشةٍ، فطبيع

تُها تزدادُ جمالًا كلّما اقتربا منها، إذْ تُضفي الأشجارُ الّتي تصطفُّ على جانبَيِ الطرقِ المؤدّيةِ إلى المحافظةِ على المكانِ هدوءًا وروعةً طبيعيةً خاصةً، وتنتشرُ النسائمُ العليلةُ بينَ أوراقِ الأشجارِ حاملةً معَها عَبَقَ الأرضِ الطيبةِ وروحَ الجبالِ الشامخةِ.

 

كانَتْ بلدةُ عنجرةَ الّتي تتميّزُ بوفرةِ ينابيعِ المياهِ وبطبيعتِها الخضراءِ وجهتَهُما الأولى؛ إذْ تتميّزُ المدينةُ بغاباتِها الكثيفةِ وأشجارِها المُثمِرة، خاصّةً أشجارَ الزيتونِ والعنب والتين.

في عنجرةَ زارا كنيسةَ سيّدةِ الجبلِ، وهيَ كنيسةٌ كاثوليكيةٌ أُقيمَتْ على أنقاضِ كنيسةٍ أثريّةٍ قديمةٍ تعودُ إلى القرنِ الرابعِ الميلاديِّ، وتُعَدُّ منَ المواقعِ الخمسةِ المُعتمَدةِ منَ الفاتيكانِ للحجِّ المسيحيِّ.

ثمَّ انتقلا إلى وسطِ مدينةِ عجلونَ لمشاهدةِ المسجدِ الكبيرِ الّذي يعودُ إلى العهدِ الأيوبيِّ، ويتّخذُ نمطَ العمارةِ الإسلاميةِ في العصرينِ: الأيوبيِّ، والمملوكيِّ.

 

 

المحطةُ الثانيةُ

ثمَّ توجَّها إلى قلعةِ عجلونَ الّتي بناها عزُّ الدينِ أسامةُ؛ أحدُ قادةِ صلاحِ الدينِ الأيوبيِّ، على قمّةِ جبلِ بَني عَوْفٍ، والّتي تُشرِفُ على معابرَ رئيسةٍ، أهمُّها: وادي كفرنجةَ، ووادي راجبَ، ووادي الريانِ. ويُعَدُّ موقعُها استراتيجيًّا؛ لأنَّها تسيطرُ على طرقِ المواصلاتِ بينَ سوريا وجنوبِ الأردنِّ، وكانَ الهدفُ منْ بنائِها رصدُ تحرُّكاتِ الفرنجةِ.

السببُ: رصدُ تحرُّكاتِ الفرنجةِ

النتيجةُ: بناءُ قلعةِ عجلونَ على قمّةِ جبلٍ.

 

 

 

 

بعدَ الدخولِ إلى مركزِ زُوّارِ المدينةِ توجّهَ سامرٌ وسلمى إلى القلعةِ، ودخلاها بعبورِ الجسرِ المُعلَّقِ فوقَ الخندقِ الدفاعيِّ الّذي يُحيطُ بالقلعةِ، ويتميّزُ المدخلُ بأبوابٍ خشبيةٍ ضخمةٍ وعاليةٍ وأقواسٍ حجريةٍ كبيرةٍ، وقدْ لاحظا الساحاتِ الواسعةَ والغرفَ المتعدّدةَ الأغراضِ الّتي تحتوي على فتحاتٍ للتهويةِ.

 تحتوي القلعةُ على أربعةِ أبراجٍ كلٌّ منها يتكوّنُ منْ طابَقَينِ، اصطحبَ الدليلُ السياحيُّ الشقيقينِ إلى أعلى أحدِ الأبراجِ؛ ليستمتِعا بمشاهدةِ المناطقِ المحيطةِ بالقلعةِ.

وزارا المتحفَ الموجودَ في القلعةِ الّذي يعرضُ القطعَ الأثريةَ المُكتشَفةَ في المنطقةِ، مثلِ: أدواتِ الحربِ، والفخارياتِ، والقطعِ المعدنيةِ الّتي تُبرِزُ الحياةَ اليوميةَ في تلكَ الفترةِ.

طلبَ الدليلُ السياحيُّ إليهِما التوجُّهَ معَهُ إلى غربِ القلعةِ حيثُ نقطةُ انطلاقِ تلفريكِ عجلونَ (القاطرةِ المُعلَّقةِ)؛ للقيامِ بتجربةٍ فريدةٍ يتمتّعانِ فيها برؤيةِ المناظرِ الطبيعيةِ الخلّابةِ للغاباتِ والمرتفعاتِ الجبليةِ.

ثمَّ مشيًا على الأقدامِ سارا في مسارِ الجبِّ السياحيِّ بينَ أشجارِ السروِ والبلّوطِ، وشكّلَ هذا المسيرُ فرصةً لهما لاكتشافِ الطبيعةِ والتمتُّعِ بالمناظرِ الخلّابةِ، والتفاعلِ معَ المجتمعِ المحليِّ وتجربةِ المُنتَجاتِ الريفيةِ. لقدْ كانَ منظرُ المُرتفَعِ الصخريِّ المعروفِ بعراقِ الرهبانِ القريبِ منْ عينِ مياهِ الميتةِ غايةً في الروعةِ، أخبرَهُما الدليلُ السياحيُّ أنَّ هذا المسارَ يحتوي على أجزاءٍ يصعبُ المسيرُ فيها بسببِ كثافةِ الأشجارِ، وأنَّ هذا المسارَ ينتهي بعينِ مياهِ الزغديةِ شمالَ وادي كفرنجةَ.

المحطةُ الثالثةُ

توجّهَ سامرٌ وسلمى إلى الشمالِ الغربيِّ منْ مدينةِ عجلونَ حيثُ تلُّ مارلياس، وهوَ أحدُ مواقعِ الحجِّ المسيحيِّ الّتي اعتمدَتْها الفاتيكانُ، فهوَ يحتوي على عددٍ منَ الآثارِ المهمّةِ، منها: دير مارلياسَ، والكنيسةُ العليا، والكنيسةُ السفلى التي تُعَدّ الأقدمَ وذاتَ هندسةٍ معماريةٍ جميلةٍ وتفاصيلَ فنيةٍ محفوظةٍ على جدرانِها، ولوحاتِ الفُسَيْفِساءِ، إضافةً إلى اللوحاتِ الجداريةِ والأعمدةِ المُزخرَفةِ والنوافذِ المنحوتةِ.

 

 المحطة الرابعةُ

كانَتْ رحلةُ العودةِ إلى وسطِ مدينةِ عجلونَ للاستراحةِ وتناولِ طعامِ الغداءِ في أحدِ المطاعمِ، ثمَّ الاستعدادِ لزيارةِ منطقةِ اشتفينا حيثُ الغاباتُ الّتي تكثرُ فيها أشجارُ السنديانِ والصنوبرِ والبلّوطِ والزيتونِ، وكرومُ العنبِ وبساتينُ التفاحِ والتّينِ واللوزياتِ بأنواعِها.

توجَّها بعدَ ذلكَ إلى محميةِ غاباتِ عجلونَ الّتي تحتوي على نمطَ غاباتِ البلّوطِ دائمةِ الخضرةِ وأشجارُ الخرّوبِ والبُطْمِ والقَيقبِ.

تحتضنُ غاباتُ عجلونَ حيواناتٍ متنوّعةً، مثلَ: الخنزيرِ البرّيِّ، والدلقِ الصخريِّ (وهوَ نوعٌ منْ آكِلاتِ اللحومِ يقتصرُ انتشارُهُ على موائلِ الغاباتِ)، وابنِ آوى والثعلب الأحمر، والخنزير البري، والضبعِ المخطّطِ، والسنجابِ الفارسيِّ، والنيصِ، والذئبِ. وتنتشرُ في المحميةِ أنواعٌ عدّةٌ منَ الزهورِ البرّيّةِ، مثلِ: السوسنةِ الأرجوانيةِ، وأزهارِ الأوركيدِ والتوليبِ البرّيِّ.

كانَ قضاءُ الليلةِ في أكواخِ محميةِ عجلونَ تجربةً استثنائيةً، إذْ تقدّمُ هذِهِ الأكواخُ فرصةً للاسترخاءِ في بيئةٍ طبيعيةٍ هادئةٍ بينَ الغاباتِ والأشجارِ الكثيفةِ.

 المحطةُ الخامسةُ  

وفي صبيحةِ اليومِ التالي توجّهَ الشقيقانِ برفقةِ دليلهِما السياحيِّ إلى قريتَيْ عبينَ وعبلينَ الواقعتَينِ على هضبتَينِ متقابلتَينِ، وتشتهرانِ بزراعةِ التفاحياتِ واللوزياتِ وأشجارِ العنبِ، وتُعَدّانِ منْ أهمِّ المصايفِ في الأردنِّ؛ بسببِ درجةِ الحرارةِ المعتدلةِ فيهِما، وتتوفّرُ فيهِما البيوتُ الريفيةُ الّتي يرتادُها السيّاحُ بهدفِ الراحةِ والاستجمامِ.

 ثمَّ سارا إلى منطقتَيْ عرجانَ وباعونَ حيثُ أشجارُ التّينِ، ثمَّ نزلا إلى وادي الريانِ، فشاهدا بصحبةِ دليلِهِمُ السياحيِّ طواحينَ عديدةً كانَتْ تُدارُ بالمياهِ، ويتميّزُ الوادي بتنوُّعِ تضاريسِهِ، وانتشارِ عيونِ الماءِ فيهِ، وتنوُّعِ نباتاتِهِ خاصةً أشجارَ الرمّانِ

Jo Academy Logo