الْفِكْرَةُ الرَّئيسةُ
- تتحدثُ الآياتُ الكريمةُ عن الإحسانِ إلى الأقاربِ والمحتاجينَ.
- والنهيِ عن تبذيرِ المالِ والإسرافِ فيه.
- وتُبيّنُ كيفَ يتعاملُ المسلمُ معَ غيرِهِ.
إضاءَةٌ
- منْ صُوَرِ الظلمِ: أنْ يظلمَ الإنسانُ نفسَهُ.
- فيرتكبَ ما نهى اللهُ تعالى ورسولُهُ صلى الله عليه وسلم عنهُ.
- ومن ثمَّ يؤدّي ارتكابُ تلكَ المنهيّاتِ إلى الحسرةِ والندامةِ والعذابِ يومَ القيامةِ.
أَفَهُمُ وَأَحفظُ
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا(33)).
المفرداتُ والتراكيبُ
الْمِسْكِينَ: الذي له مالٌ، ولكنْ لا يكفي لسدِّ حاجتِهِ الأساسيةِ.
تُعْرِضَنَّ: تبتعدَنَّ.
ابْتِغَاءَ: طلبًا.
مَيْسُورًا: ليّنًا لطيفًا.
مَغْلُولَةً: كنايةً عن البخلِ.
تَبسُطْهَا: كنايةً عن الإسرافِ.
مَلُومًا: مُعاتَبًا مِنَ الناسِ.
مَحْسُورًا: نادمًا.
يَقْدِرُ: يُضيّقُ.
إِمْلَاقٍ: فقرٍ.
خِطْئًا: إثمًا.
فَاحِشَةً: معصيةً كبيرةً.
سُلْطَانًا: حقًّا.
أستنيرُ
أولاً: منهجُ التعاملِ معَ المالِ
- ترشدُ الآياتُ الكريمةُ إلى مجموعةٍ منَ التوجيهاتِ تتعلّقُ بالفردِ والمجتمعِ، وهيَ:
1. رعايةُ الأقاربِ والمحتاجينَ
-
- تحثُّ الآياتُ الكريمةُ على صِلَةِ الأقاربِ والإحسانِ إليهِمْ.
- وتَفَقُّدِ أحوالِهِمْ، لا سيّما الفقراءَ منهُمْ والمحتاجينَ.
- وتفقُّدِ أبناءِ السبيلِ؛ وَهُمُ المسافرونَ الذينَ انقطعوا عنْ أهلِهِمْ وأموالهِمْ، وتقديم ما يَسدُّ حاجاتِهِمْ ويُغنيهِمْ عنِ السؤالِ، وفي ذلكَ أجرٌ عظيمٌ، قالَ تعالى: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ).
- وقدْ جاءَ التعبيرُ القرآنيُّ بلفظِ: (حَقَّهُ)؛ للدلالةِ على أنَّ ما يعطيهِ القريبُ الغنيُّ لقريبِهِ الفقيرِ ليسَ مِنّةً منهُ، بلْ هوَ حقٌّ للقريبِ.
- ثمَّ توجّهُ الآياتُ الكريمةُ مَنْ لمْ يتمكّنْ منَ الإنفاقِ على الأقاربِ والمساكينِ؛ لضيقٍ في الرزقِ، أنْ يرجوَ رحمةَ اللهِ تعالى، عسى أنْ يُفتَحَ لهُ بابُ الرزقِ.
- ولْيَقُلْ قولاً جميلاً ليّنًا لِمَنْ سألَهُ حاجةً ولم يقدرْ عليها، قالَ تعالى: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا).
2. حُرْمَةُ التبذيرِ
- التبذيرُ: هوَ إنفاقُ المالِ في وجوهِ الصرفِ غيرِ المشروعةِ.
- أمّا الإنفاقُ في الزكاةِ والصدقةِ وبذلُ حقوقِها فلا يُعَدُّ تبذيرًا.
- وتُحَذّرُ الآياتُ الكريمةُ من خطرِ التبذيرِ، قال تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا).
- فإذا أنفقَ الإنسانُ دينارًا واحدًا في الحرام، مثلَ:
- إنفاقِهِ على المخدِّراتِ والمُسْكِراتِ.
- ودفعِ المالِ لشهادةِ الزور؛ فإِنَّهُ يُعَدُّ مُبَذِّرًا.
- وقد ذمَّ اللهُ تعالى المبذِّرينَ ذمًّا شديدًا حين شبّهَهُمْ بالشياطينِ بسببِ تبذيرِهِم، قال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ).
- والمبذِّرُ شبيهٌ للشيطانِ في كُفْرِهِ بنعمةِ اللهِ تعالى ورزقِهِ.
- إذ إِنَّهُ يُنفِقُ مَالَهُ فِي الباطلِ وفي كلِّ ما حرّمَهُ سبحانَهُ، قالَ تعالى: (وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا).
3. الاعتدالُ والتوسطُ في الإنفاقِ
- تشيرُ الآياتُ الكريمةُ إلى المنهجِ الصحيحِ في إنفاقِ المالِ.
-
- وهو التوازنُ والاعتدالُ فيهِ من غيرِ إفراطٍ ولا تفريطٍ.
- فالبخلُ والإسرافُ مذمومانِ.
- والاعتدالُ في الإنفاقِ هوَ المنهجُ الصحيحُ.
- وقد شبّهَ اللهُ تعالى حالَ مَنْ يَبْخَلُ على نفسِهِ وأولادِهِ بِمَنْ قُيِّدَتْ يداهُ ورُبِطَتا إلى عُنُقِهِ، فلا يستطيعُ أن يتحركَ ، قالَ تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ).
- وشَبَّهَ المُسرِفَ في الإنفاقِ بمَنْ يبسُطُ يدَهُ ليُنفقَ جميعَ ما فيها، قال تعالى: (وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ)؛ لأنَّ الإسرافَ في الإنفاقِ مذمومٌ وإنْ كان في المباحاتِ.
- فهو يذهبُ بالمالِ ويوقِعُ صاحبَهُ في الندامةِ.
- فيبقى مذمومًا بينَ الناسِ منقطعًا عن الإنفاقِ في وجوهِ الخيرِ.
- فلا يجدُ ما ينفقُهُ؛ بسببِ تجاوزِهِ الحدَّ الطبيعيَّ في الإنفاقِ، قالَ تعالى: (فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا).
- وتُبيّنُ الآياتُ الكريمةُ أنَّ الأرزاقَ بيدِ اللهِ تعالى يعطي مَنْ يشاءُ، ويُضيّقُ على مَنْ يشاءُ بناءً على سعي الإنسانِ واجتهادِهِ، قالَ تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا).
-
أَتَعَلَّمُ
- الإنفاقُ الزائدُ على الحاجةِ أو غيرُ المبرَّرِ في المباحاتِ يُسَمّى (إسرافًا).
- وقد ذمَّهُ اللهُ تعالى فقالَ سبحانَهُ: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: ٣١).
ثانيًا تجنّبُ المحرَّماتِ
تحذّرُ الآياتُ الكريمةُ من جريمتينِ عظيمتين لهما أثرٌ كبيرٌ في إفسادِ المجتمعِ، هما:
- القتلُ.
- والزّنا.
- فقدْ حرَّمَ اللهُ تعالى ما كانَ يفعلُهُ بعضُ الناسِ في الجاهليةِ من قتلِ أولادِهِمْ مخافةَ الفقرِ، وعدَّ ذلكَ معصيةً وجريمةً كبيرةً، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا).
- وفي هذا إرشادٌ إلى وجوبِ المحافظةِ على الأطفالِ والعنايةِ بهم.
- والسعي في تحصيلِ الرزقِ الحلالِ لَهُمْ.
- وحرّمَ اللهُ تعالى أيضًا الاقترابَ من الزّنا؛ لما لهُ من آثارٍ سلبيةٍ في الفردِ والمجتمعِ.
- ففيهِ هدمٌ لقِيَمِ المجتمع.
- وانتشارٌ للأمراضِ.
- واختلاطٌ للأنسابِ.
- وتفكّكٌ للأُسَرِ.
- وضياعٌ للثقةِ بينَ أفرادِ المجتمعِ، قالَ تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا).
- وقد جاءَ التعبيرُ القرآنيُّ: (وَلَا تَقْرَبُوا) تأكيدًا لشدةِ حُرْمَةِ الزّنا.
- فالنهيُ ليسَ عن فِعلِ الزّنا فحسبُ، بلْ عن كلِّ ما يقرّبُ منهُ ويؤدّي إليهِ.
- مثل: النظرةِ المحرَّمةِ.
- والألفاظِ الفاحشةِ البذيئةِ.
- وتؤكّدُ الآياتُ الكريمةُ حُرْمَةَ قتلِ النفسِ البشريةِ، أيَّا كَانَ لونُها أو جِنسُها أو دينُها، قالَ تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ) .
- وتُوَجِّه وليَّ المقتولِ ظلمًا إلى عدمِ التعدّي لأجلِ أخذِ الحقِّ بأنْ يقتلَ غيرَ القاتلِ، قالَ تعالى: (إِلَّا بِالْحَقِّ)؛ أيْ: بالحقِّ الذي منحَهُ اللهُ تعالى إيّاهُ.
- وهوَ أنْ يطالبَ بقتلِ القاتلِ قِصاصًا.
- أو يعفُوَ عنهُ من دونِ مقابلٍ.
- ولهُ العفوُ وأخذُ الدِّيَةِ إِنْ أحبَّ، قال تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا).
- على ألّا يتجاوزَ وليُّ المقتولِ الحدَّ المشروعَ الذي منحَهُ اللهُ تعالى إيَّاهُ.
- كأن يبادرَ إلى القتلِ بعيدًا عن القانونِ.
- أو يلجأَ إلى قتلِ غيرِ القاتلِ، وهو ما كانَ سائدًا في الجاهلية ويُطلَقُ عليهِ (الثأرُ)، قالَ تعالى: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)؛ لأنَّ اللهَ تعالى معينٌ لوليِّ المقتولِ بما جعلَ لهُ من حقٍّ في القِصاصِ والدِّيَةِ، قال تعالى: (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا).
أَتَعَلَّمُ
- القِصاصُ: هوَ عقوبةٌ مقدَّرةٌ شرعًا، تقضي بمعاقبةِ الجاني بمثلِ ما فعلَ.
- والدِّيَةُ: هيَ المالُ الذي يُعطى لأولياءِ المقتولِ أو المعتدى عليه.
أستزيدُ
- تَمَيَّزَ القرآنُ الكريمُ ببلاغةِ أسلوبِهِ، وكلُّ كلمةٍ فيهِ في مكانِها المناسبِ تقديمًا وتأخيرًا.
- ففي سورةِ الإسراءِ قُدِّمَ رزقُ الأولادِ على رزقِ الآباءِ في قولِهِ تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ) (الإسراء: ٣١) إشارةً إلى أنَّ بعضَ الآباءِ كانوا يقتلونَ أولادَهُمْ خشيةَ أن يصبحوا فقراءَ في المستقبلِ بسببِهِم، مع أَنَّهُمْ أغنياءُ، فطمأنَهُمُ اللهُ تعالى أنَّهُ سيرزقُ أولادَهُم وسيبقونَ أغنياءَ.
- أمّا في سورةِ الأنعام، فقدْ قُدِّمَ رزقُ الآباءِ على رزقِ الأولادِ في قولِهِ تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) (الأنعام: ١٥١)، إِذْ إِنَّهُمْ كانوا يقتلونَ أولادَهُم بسببِ ما هُمْ فِيهِ مِنَ الفقرِ، فطمأنَهُم بأنّهُ سيرزقُهُمْ هُمْ وأولادُهُم.
أربِطُ مع الدِّراساتِ الاجتماعيَّةِ
- من الظواهر الخطيرة على أمنِ المجتمعِ: ظاهرةُ الثأرِ.
- وهيَ أنْ يقتلَ بعضُ أهلِ المقتولِ القاتلَ أو أحدَ أقاربِهِ بعيدًا عنِ القانونِ.
- وهذا مخالفٌ للشرع الإسلاميِّ.
- ويؤدّي إلى انتشارِ الفوضى وعدمِ الأمنِ في المجتمعِ، قال تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (فاطر: ۱۸).
أسمو بقيَمي
1. أتجنبُ الاعتداءَ على الآخرينَ وأكلَ حقوقِهِم.
2. أعتدلُ في الإنفاقِ.
3. أجتنِبُ المحرمات جميعها.