التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ
في السَّنَة الثالثة للهجرة، توجَّه مشركو قريش إلى المدينة المُنوَّرة لمحاربة المسلمين والانتقام لهزيمتهم في بدر، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم مع مئات من الصحابة الكرام ، والتقى بالمشركين في أُحُد قرب المدينة المُنوَّرة، وأمر سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين من الرُّماة بقيادة عبد الله ابن جبير رضي الله عنه بالوقوف على جبل الرُّماة لحماية ظهر المسلمين، وطلب منهم ألّ يتركوا مواقعهم بصرف النظر عن نتيجة المعركة. ولمّا كانت الغلبة للمسلمين، وانهزم جيش المشركين أوَّل الأمر، ظنَّ الرُّماة أنَّ المعركة قد انتهت، فنزل كثير منهم عن الجبل، فتنبَّه المشركون لذلك، والتفّوا على المسلمين، وأصابوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتلوا سبعين من الصحابة الكرام .
جبل أحُُد: سلسلة جبال تقع قرب المدينة المُنوَّرة، ويُسمّى جزء منها جبل الرُّماة.
أَسْتَنْتِجُ
أَسْتَنْتِجُ ممّا سبق سبب ما أصاب المسلمين يوم أُحُد.
مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزول كثير من الرُّماة عن جبل الرُّماة يوم أُحد.
الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ
تناولت الآيات الكريمة جانبًا ممّا حصل يوم أُحُد، والدروس والعِبَ المستفادة منه.
أوَّلًا: فضائل الشهداء
أصاب المسلمين هَمٌّ شديد بعد استشهاد عدد كبير من الصحابة الكرام رضي الله عنهم في معركة أُحُد، فأنزل الله هذه الآيات الكريمة؛ تسليةً لهم، وتثبيتًا لقلوبهم.
بيَّنت الآيات الكريمة بعض ما أَعَدَّ الله تعالى للشهداء من جزاء. قال تعالى: ﴿ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾، فذكرت:
- أنَّهم أحياء عند الله تعالى.
- أنَّ الله تعالى أَعَدَّ لهم في الآخرة نعَِمًا كثيرةً تزيدهم فرحًا وسعادةً.
- وصفهم الله بالفرح والرضا بما أنعم عليهم سبحانه من فضل. قال تعالى: ﴿فرحين بما آتاهم الله من فضله﴾.
- أنَّهم مُطمئِنون لعاقبة مَنْ سيلحق بهم في درب الشهادة. قال تعالى: ﴿ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾.
في ذكر ما أَعَدَّ الله تعالى للشهداء من جزاء، توجيه للمسلمين لسلوك طريق الشهداء من دون خوف على ما عندهم من أبناء وأزواج، ومن دون حزن على ما تركوه من متاع الدنيا.
والتعبير بقوله تعالى: ﴿عند ربهم﴾ فيه زيادة تكريم للشهداء؛ فَهُمْ في قرب من الله تعالى.
تقديم قوله تعالى: ﴿عند ربهم﴾ على قوله تعالى: ﴿يرزقون﴾ فيه إشارة إلى أنَّ جِوار الله تعالى أعظم رزق.
ثانيًا: فضل طاعة الله ورسوله، والثقة بنصر الله تعالى
لمّا رجع المشركون من أُحُد، قال بعضهم لبعض إنَّهم لم يتمكَّنوا من القضاء على المسلمين، فقرَّروا إعادة الكَرَّة بالرجوع إلى المدينة المُنوَّرة، ومهاجمة المسلمين.
لمّا وصل الخبر (رجوع المشركين) إلى سيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أمر بالخروج لملاقاة المشركين؛ لكي يعلموا بأنَّ المسلمين ما يزالون أقوياء، فاستجاب المسلمون لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرغم ممّا أصابهم من جِراح. قال تعالى: ﴿الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح﴾.
ولمّا وصل النبي صلى الله عليه وسلم حمراء الأسد(منطقة تقع على بُعْد اثني عشر كيلومترًا جنوب المسجد النبوي)، أقام صلى الله عليه وسلم فيها. فلمّا تناهى إلى مسامع المشركين خبر خروج المسلمين، خافوا من لقائهم، ورجعوا إلى مكَّة المُكرَّمة.
وقد أثنى الله تعالى على المسلمين؛ لاستجابتهم لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وثقتهم بنصر الله تعالى، ووعدهم بالأجر العظيم. قال تعالى: ﴿للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم﴾.
مدح الله تعالى المسلمين؛ لأنَّهم لم يخافوا من اجتماع المشركين على حربهم. قال تعالى: ﴿الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم﴾. وقد لجؤوا إلى رَبِّهم سبحانه، وازدادوا ثقة بنصره تعالى. قال تعالى: ﴿فزادهم إيمانًا﴾.
وقولهم: «حسبنا الله ونعم الوكيل» يعني أنَّه سبحانه قادر على أنْ يكفيهم شرور المشركين؛ فنحن إليه نلجأ، وعليه نعتمد، وإليه نُفوِّض أمرنا. وبذلك تترسَّخ في قلوب المؤمنين الثقة بالله تعالى، والرضا بما قدَّره سبحانه ويَسَّه.
وقد رجع المسلمون من حمراء الأسد إلى المدينة المُنوَّرة من دون قتال، ولم يُصِبهم أيُّ أذى، بسبب قيامهم بما يرضيه سبحانه. قال تعالى: ﴿فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله﴾.
صور مشرقة
سارع الصحابة الكرام يوم أُحُد إلى الدفاع عن سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونيل الشهادة. وقد برز ذلك في صور كثيرة؛ إذ روى البخاري أنَّه لمّا نزل أكثر الرُّماة عن الجبل، وانهزم المسلمون، قال أنس بن النضر رضي الله عنه :اللهمَّ إنّ أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء (يعني المسلمين) الذين انهزموا، وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء (يعني المشركين)، ثمَّ تقدَّم، فلقيه سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال: أين يا أبا عمر؟ فقال أنس رضي الله عنه: واهًا لريح الجَنَّة يا سعد؛ إنّ أجده دون أُحُد. ثمَّ مضى، فقاتل القوم حتى قُتلِ، فما عُرِف من كثرة ما به من جراح حتى عرفته أخته ببَِنانه.
الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ
ذكرت السُّنَّة النبوية الشريفة جُْلة من فضائل الشهداء، ومكانتهم عند الله تعالى. ومن ذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن عددًا من خصال الشهداء، وذكر منها: «يُغْفَرُ لَهُ في أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجارُ مِنْ عَذابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَْزَعِ الَْكْبرَِ، وَيُحَلّى حُلَّةَ الْإيمانِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحورِ الْعينِ، وَيُشَفَّعُ في سَبْعينَ إِنْسانًا مِنْ أَقارِبِهِ » (الْفَزَعِ الَْكْبَرِ: أهوال الحساب يوم القيامة).
قدَّم الأردن كثيرًا من الشهداء الذين دافعوا عن المُقدَّسات بكلِّ شجاعة، واستُشهِد العديد منهم دفاعًا عن المسجد الأقصى المبارك كما في: - معركة باب الواد عام 1948 م.
- معارك القدس عام 1967 م.
- معركة الكرامة عام 1968 م.