الفكرةُ الرئيسةُ
تتحدثُ الآياتُ الكريمةُ عَنْ وعدِ اللهِ تعالى بالعثورِ على أصحابِ الكهفِ؛ لإقامةِ الحُجّةِ على مُنكري البعثِ بعدَ الموتِ، وعَنِ اختلافِ الناسِ في عددِهِمْ، والمدّةِ التي لبثوها في الكهفِ، وأنَّ هذا كلَّهُ في علمِ اللهِ تعالى وحدَهُ، ولا ينبغي للنّاسِ الانشغالُ بِها.
أَفْهَمُ وَأَحْفَظُ
معاني المفرداتُ والتّراكيبُ |
سورة الكهف الآياتُ الكريمةُ (٢١ - ٢٦ ( |
|
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)) |
94
أوّلًا: العثورُ على أصحابِ الكهفِ
- تبيِّنُ الآياتُ الكريمةُ أَنَّ اللهَ تعالى كشفَ أمرَ الفتيةِ لقومِهِمْ بعدَ تلكَ المدّةِ الطويلةِ مِنَ النومِ. عَنْ طريقِ مَنْ ذهبَ ليشتريَ لهُمُ الطعامَ، فلا بُدَّ أنَّ أمرَهُ قَدْ كُشِفَ؛ لغرابةِ هيئتِهِ وقِدَمِ دراهمِهِ.
- وذلكَ لتكونَ قصتُهُمْ حُجّةً واضحةً ودِلالةً قاطعةً على أنَّ البعثَ والنشورَ حقٌّ.
- لأنَّ مَنْ كانَ قادرًا على إنامتِهِمْ تلكَ المدّةَ الطويلةَ ثُمَّ بعثَهُمْ مِنْ نومِهِمْ قادرٌ على إعادةِ الحياةِ بعدَ الموتِ وبَعْثِ الناسِ يومَ القيامةِ.
- قالَ تعالى: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ).
ثانياً: التّنازع في أصحاب الكهف
- ثُمَّ تتحدثُ الآياتُ الكريمةُ عَنْ تنازعِ الناسِ الذينَ عَثروا على أصحابِ الكهفِ ما يفعلونَ بِهِمْ؟.
- فاقترحَ بعضُهُمْ أنْ يُبنى على بابِ الكهفِ بناءٌ يحجبُهُمْ ويحميهِمْ، ويُترَكوا وشأنَهُمْ.
- واقترحَ آخَرونَ أنْ يُبنى مسجدٌ، وهوَ ما استقرَّ عليهِ رأيُهُمْ.
ثالثاً: الاختلاف في عددِ أصحاب الكهف
- ثُمَّ تُبيِنُ الآياتُ الكريمةُ أنَّ النّاسَ اختلفوا في عددِ أصحابِ الكهفِ وتجادلوا فيهِ.
- فذهبَ فريقٌ منهُمْ إِلى أنَّهُمْ (ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ)، وذهبَ فريقٌ آخَرُ إلى أنَّهُمْ (خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ)، وهما قولانِ مبنيّانِ على ظنٍّ بلا دليلٍ؛ لذا وصفَ اللهُ تعالى ذلكَ بأنَّهُ (رَجْمًا بِالْغَيْبِ).
- وذكرَ آخَرونَ أنَّ عددَهُمْ (سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ).
- ثُمَّ وجّهَتِ الآياتُ الكريمةُ إلى أنْ يوكَلَ الأمرُ في عددِهِمْ إلى اللهِ تعالى، فاللهُ تعالى هوَ العالمُ بكلِّ شيءٍ.
- فلا يعلمُ على وجهِ الدقّةِ عددَهُمْ إلّا قليلٌ مِنَ الناسِ، فقد روُيِ عنَ ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه كان يقول:ُ أنا منِ القليل الذي يعلم عددهُمْ؛ كانوا سبعةً.
- وتدعو الآيةُ الكريمةُ إلى:
- تركِ المجادلةِ في عددِ أصحابِ الكهفِ وفي الأمورِ التي لا يتيّقنُ منها الانسانُ؛
- لأنَّ الخوضَ فيها لا فائدةَ منهُ ولا ينبَني عليهِ عملٌ.
- ولأنَّ الحكمةَ مِنَ القصةِ هُنا ليسَتْ إثباتَ رأيٍ أَوْ نَفْيَهُ.
- وألّا يُستفتى إلّا أهلُ العلمِ والاختصاصِ.
- تركِ المجادلةِ في عددِ أصحابِ الكهفِ وفي الأمورِ التي لا يتيّقنُ منها الانسانُ؛
رابعاً: اعتمادُ الإنسانِ على اللهِ تعالى
- تبيِّنُ الآياتُ الكريمةُ أنَّ الواجبَ على المسلمِ الاعتمادُ على اللهِ تعالى في شؤونِهِ جميعِها.
- وفي حالِ عزمَ على فعلِ شيءٍ في المستقبلِ؛ أنْ يَقرنَ عَزمَهُ هذا بإرادةِ اللهِ تعالى ومشيئتِهِ سبحانَهُ، فيقولُ: إنْ شاءَ اللهُ.
- فاللهُ تَعالى وحدَهُ الذي يعلمُ الغيبَ ويدبّرُ شؤونَ الخلقِ بعلمِهِ وقدرتِهِ، وكلُّ شيءٍ لا يكونُ إلّا بأمرِهِ.
- وتُوَجِّهُ الآياتُ الكريمةُ المسلمَ إلى أنَّهُ إذا نَسيَ قولَ (إنْ شاءَ اللهُ) حالَ عزمِهِ على فعلِ الشيءِ، فليقُلْها إذا تذكَّرَ ذلكَ.
- وأنْ يكونَ دائمَ الذكرِ للهِ تعالى وَيتوجّهَ إليهِ بالدعاءِ بأنْ يهديَهُ إلى الأمرِ الأقربِ للرُّشدِ والأحسنِ لحالِهِ؛ فهوَ سبحانَهُ الذي يعلمُ ما يُصلحُ الإنسانَ، وما ينفعُهُ في دينِهِ ودنياهُ.
97
خامساً: مدّةُ لُبثِ أصحابِ الكهفِ
- ذكرَتِ الآياتُ الكريمةُ أنَّ مدّةَ لُبثِ الفتيةِ في كهفِهِمْ هي ثلاثُمئةٍ وتسعُ سنينَ.
- وتؤكّدُ الآياتُ الكريمةُ أنَّ اللهَ تعالى هوَ الأعلمُ بمدّةِ لُبثِهِمْ، فهُمْ أنفسُهُمْ لا يعلمونَ كَمْ لبِثوا، ولا يعلمُ ذلكَ أحدٌ مِنَ الناسِ، وأنَّ خبرَهُ سبحانَهُ قطعيٌّ؛ لأنَّهُ هو وحدَهُ سبحانَهُ مَنْ يعلمُ غيبَ السماواتِ والأرضِ، فبصرُهُ وسمعُهُ يحيطانِ بكلِّ شيءٍ، فليسَ كمثلِهِ شيءٌ، وهوَ سبحانَهُ المتحكّمُ والمتصرّفُ في شؤونِ السماواتِ والأرضِ وما بينَهُا، ولا يحتاجُ إلى مَنْ يعينُهُ في حكمِهِ وقضائِهِ.
أَسْتَزيدُ
اتّسمَت القصةُ في كتابِ اللهِ تعالى بعدمِ ذكرِ أسماءِ الأماكنِ والأشخاصِ، وتحديدِ الأزمنةِ إلّا بالقدْرِ الذي يحقّقُ غرضَ تلكَ القصةِ القرآنيةِ، فالاهتمامُ الأكثرُ يتمثلُ بتوجيهِ القارئِ إلى أخذِ العبرةِ مِنْها والتفكرِ في قدرةِ اللهِ تعالى على البعثِ بعدَ الموتِ، فما سكتَ عنهُ القرآنُ الكريمُ ولَمْ يبيِّنْهُ؛ فلا فائدةَ في ذكرِهِ ولا ينبَني عليهِ عملٌ.
أَتعلَّمُ
جاء التعبير عنَ مدةّ لبُث أهل الكهف بهذا الأسلوب ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ ليشير إلى التقويمَيْن: الشمسيِّ والقمَرِي، فالسنوات الثلاثمُئة بالتقويم الشمسيِّ، وزيادة تسع سنين بالتقويم القمَرَيِّ.