إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
|
- وجهّت الآيات الكريمة المسلم إلى الحرص على الإيمان والاستقامة؛ لأنهما سبيل الفوز والنّجاح في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)،
- والاستقامة تعني المداومة على العمل الصّالح مع الإخلاص لله تعالى والثّبات على شرع الله تعالى حتّى الممات.
- وقد أكّد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى حينما سأله أحد الصحابة قائلاً: يا رسول الله، قلْ لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك. قال: «قلْ آمنْتُ باللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ» (رواه مسلم).
- ثمّ بيّنت الآيات الكريمة بعض ثمرات الاستقامة التي ينعم بها صاحبها ومنها:
- شعوره بالأمن والسكينة والطمأنينة في حياته وبعد مماته، حيث تبشّر الملائكة المؤمنين بأنّه لا خوف ولا حزن عليهم وأنّ لهم الجنّة يتمتّعون بنعيمها، قال تعالى: (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).
وفي قوله: (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا) دعوة إلى أن يثقّ المؤمن بربّه سبحانه وتعالى، وما وعده به من ثواب ونعيم، فيلتزم الاستقامة بطيب نفس ورضًا.
- ومن ثمرات الاستقامة كذلك وجود ملائكة موكّلين بحماية المؤمنين وحفظهم ومساعدتهم على الخير، قال تعالى:( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ) ويُهنئونهم بتكريم الله تعالى لهم بدخول الجنّة وتوفير كل ما يتمنّون في ضيافته عزَّ وجلَّ، قال تعالى:( ولَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ).
|
(1) التزام العمل الصّالح والاعتزاز بهذا الدّين والافتخار به:
- قال تعالى:(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، وفي قوله: (وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) إشارة إلى:
- أنّ ثمرة الإيمان والعمل الصّالح تظهر آثارها في المجتمع.
- وأنّ المسلم لا يعيش منعزلا ًعن الناس بل يتبادل معهم الخير ويتواصى معهم، وفي هذا تطبيق عمليّ للإيمان.
(2) الصّفح والمسامحة:
- فالدّاعية خاصّةً والمسلم عامّةً يُقرّبُ الناس إليه بحسن المعاملة والتّجاوز عن إساءتهم بحقّه، قال تعالى:(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، أي ادفع عداوة الآخرين وإساءتهم إليك بالعفو عنهم ومسامحتهم.
- وقد بيّنت الآية الكريمة أنّ عاقبة هذا الصّفح تُحوِّلُ العداوة إلى محبّة وقبول، فيصبح العدوّ ناصرًا ومعينًا قال تعالى: (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
(3) الصّبر:
- الصبر يكون على ما يلاقيه الداعية من صدود الناس عن دعوته، وما يلقاه المسلم من أذىً من غيره، فينال منزلة عالية لا ينالها إلاّ مَنْ كان صاحب عزم وقوّة احتمال، قال تعالى: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
- وعبّرت الآية بلفظ (وَمَا يُلَقَّاهَا) للدّلالة على أنّ هذه الدّرجة هبة من الله تعالى، وأنها ليست بالأمر الهيّن الذي تستطيع كلّ النّفوس احتماله، بل من آتاه الله نصيبًا عظيمًا من الأخلاق الفاضلة التي تعينه على الاحتمال وعدم الانتقام، ولذلك استحقّ صاحبها هذا المدح من الله تعالى.
(4) اللّجوء إلى الله تعالى والاعتصام به:
- طلب الحماية منه في مواجهة الشيطان ووساوسه التي قد تدفع إلى مقابلة إساءة الناس بالإساءة، أو اليأس من دعوتهم أو مقاطعتهم واعتزالهم، قال تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
|