الاستقامة
قال الله تعالى:
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) |
معاني المفردات والتراكيب:
- وَلَا تَطْغَوْا: لا تتجاوزوا الحدّ في ما أمركم الله به.
- وَلَا تَرْكَنُوا: لا تطمئنّوا إليهم.
- طَرَفَيِ النَّهَارِ: أوّله وآخره.
- وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ: أول ساعات الليل.
- أُولُو بَقِيَّةٍ: أصحاب فضل وخير.
بين يدي السورة:
نوع السورة حسب نزولها: سورة هود سورة مكية عدد آياتها: (123) آية سبب تسميتها: سُمّيت باسم النبي هود عليه السلام الذي ورد ذكر اسمه فيها خمس مرات محورها الرئيس: حول قضية الألوهية وتثبيت العقيدة في قلوب المدعوين |
تفسير الآيات الكريمة:
أمر الله تعالى نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين بالتمسّك بالدِّين والاستقامة عليه، فعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: " قل آمنت بالله ثم استقم " وتتناول هذه الآيات الكريمة مجموعة من الأمور التي تُعين على الاستقامة والثبات على الإسلام، ومنها:
أولًا: أمور تعين المسلم على الاستقامة
1- الصحبة الصالحة
- في قوله تعالى: " ومن تاب معك " في الآية الكريمة: " فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " إشارة إلى أهميَّة الصُّحبة؛ لذلك أمر الله عزَّ وجلّ رسوله صلى الله عليه وسلم ومن تاب معه من أصحابه بالاستقامة ونهاهم عن الصُّحبة السيئة، وفي هذا إشارة إلى أهمية الصُّحبة الصّالحة.
- أهميَّة الصُّحبة الصّالحة:
- تعدّ عاملًا مساعدًا على الثبات على الخير والفضيلة.
- تقرّب الإنسان من طاعة الله وتبعده عن معصيته.
- هي خير معين على الاستقامة على الحق.
2- إقامة الصلوات الخمس
- أشارت الآية الكريمة: " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ "، إلى أن من أعظم الأعمال الصّالحة التي تعين المسلم على الاستقامة، أداء العبادات على أكمل وجه،خاصَّة الصلوات الخمس،
- أثر الصلاة في استقامة المسلم:
- تربط المسلم بربه.
- ترفع درجاته.
- من أعظم أسباب محو السيئات، قال صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينَهنَّ ما لم تُغش الكبائر"، وذلك بإقامتها حقيقة بأركانها وشروطها وخشوعها.
- علل: جاء الأمر بإقامة الصلاة حقيقة من غير الاقتصار على أدائها الصوري؟
- ليستجمع المسلم فكره وجوارحه عند القيام بها فيستعد لها، ويخشع فيها.
3- الصبر
- قال تعالى": وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ "، فمن أهم الأمور التي تساعد المسلم على الاستقامة الصبر، ومن أهم أنواع الصبر، الصبر على أداء الطاعات، حيث قرنت كثير من الآيات أداء العبادات بِخُلق الصبر، مثل قوله تعالى: " وَأمُرأَهلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرعليها لا نَسْألُكَ رِزْقًا نحنُ نَرزُقُكَ والعاقِبَةُ للتَّقوى".
- أجر الصبر:
- تكَّفل الله تعالى للصابرين بعدم ضياع أجرهم، وبِإعطائهم إيّاه من غير حساب.
4- طلب العلم
فقوله تعالى: "فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ"، يبيّن أن العلم النافع نورٌ من الله تعالى يقذفُه في قلب العبد، إذا سلك طريقه واجتهد في طلبه وتحصيله، ولم يبخل في تعليمه للآخرين، قال صلى الله عليه وسلم: " من سلك طريقًا يلتمس به علمًا سهّل الله به طريقًا إلى الجنة".
ثانيًا: أمور تتنافى مع الاستقامة
1- ارتكاب المعاصي
- أثر ارتكاب المعاصي على المسلم:
- تُبعِد صاحبها عن درب الاستقامة.
- تجلب غضب الله تعالى.
- تجعل حياة الفرد في ضيق شديد،قال تعالى: " وَمَن أَعْرَضَ عن ذِكْري فإنَّ لهُ مَعيشَةً ضَنْكًا".
2- نصرة الظالمين ومحبَّتهم
- وتشير إلى ذلك الآية الكريمة: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ".
- علل: نصرة الظالمين ومحبّتهم تتنافى مع الاستقامة؟
- لأنّ ذلك يعني الرضا بِأفعالهم وإقرارهم وموافقتهم على ما يفعلون من مُنْكر، ومن ثمّ مشاركتهم بِالإثم.
- وفي الآية الكريمة دعوة للحذر من أهل الذنوب والمعاصي وأصحاب السوء الذين يهدفون إلى إبعاد المسلم عن طريق الاستقامة.
3- قتل الناس وتخويفهم أو ترهيبهم أو التسبب لهم بأي نوع من أنواع الأذى
- أوجب الله تعالى المحافظة على النَّفس الإنسانيّة.
- وحرَّم الاعتداء عليها بأي صورة من الصور، وعدَّ ذلك منافيًا للاستقامة.